نادرا ما يتم مناقشة المرجع الذي تعتمد عليه قوانين الأحوال الشخصية في البلدان المسلمة، ويتم القاء اللوم على المشرعين القانونيين فقط، بينما أصل المشكلة هي الأحكام الفقهية الدينية التي تحول المرأة من انسانة خلقها الله تعالى لها كامل الحقوق والارادة والأحترام... الى مجرد جارية وعبدة ذليلة في بيت الزوجية لايحق لها التعبير عن مشاعر الانزعاج والقرف والكراهية وعدم الرغبة بأستمرار حياتها الزوجية، فكل القرارات بيد الرجل، وفي حال ارادة ممارسة حقها في رفض العيش مع زوجها يتم ارغامها بالاحكام الفقهية وفرض الاقامة الجبرية عليها في مايسمى (( بيت الطاعة )) وكذلك تركها معلقة ناشز وجرجرتها في المحاكم لمدة طويلة من الزمن!
تابعت بقرف واشمئزاز المقابلة التي أجريت مع الزوج الاول للمطربة الراحلة سوزان تميم رحمها الله الذي سرد قصة تعذيبه لها بواسطة رفضه تطليقها، ثم تفاصيل رفض زوجها الثاني تطليقها ايضا مما قادها الى سلسلة طويلة من الأزمات والمعاناة أدت في النهاية الى اللجوء لدى من لديه القوة والنفوذ والمال على امل انقاذها وتورطت في علاقة مأساوية أخرى، ثم وجدت مقتولة في شقتها، وكان يمكن ألا تحصل كل تلك العذابات والمأساة لها لو انها عاشت في مجتمع أوربي أو اميركي يطبق القوانين المدنية ويحترم رغبة المرأة في عدم الأستمرار في الحياة الزوجية وتحصل على الطلاق خلال فترة قصيرة.
والسؤال المطروح على الفقه الاسلامي هو : اذا كان الله سبحانة وتعالى ساوى بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، وان العدالة الإلهية ترفض التمييز ضد المرأة وتحويلها الى عبدة واسيرة لدى الرجل بأسم الدين، واذا كانت المرأة من الناحية النفسية هي أشد حساسية وتأثراً وتألما ً في حالة شعورها بالنفور والكراهية لزوجها مما ينتج عنه هذه المشاعر صعوبة استمرار حياتها معه، فلماذا لايراعي الفقه كل هذه الاعتبارات الانسانية ويتصرف وفق مبدأ عدالة الله؟
لماذا لايدرك الفقه قضية اساسية هامة جدا وهي (الطلاق النفسي )، فالكثير من الأزواج الذين يعيشون معا تحت سقف واحد هم في حالة طلاق نفسي واصبحت العلاقة الزوجية بينهما منتهية، واذا كانت حجة الفقه هي ان سبب تشدده في مسألة الطلاق حفاظا على الأسرة من التفكك.. فأن العلم والواقع يؤكد ان المرأة أكثر من الرجل حرصا على أستمرار حياتها الزوجية من التفكك والطلاق وبالتالي فأن الخوف من تهور المرأة وتسرعها انطلاقا من مقولة ان النساء : (( ناقصات عقل ودين )) هي مقولة ليست علمية وانها مجرد كلام انشائي هجائي لاقيمة له، وفيها طعن بخلق الله.. فالله لايخلق انسان ناقص عقل ودين، وانما خلقه في مستوى واحد ومن ذات الطبيعة سواء كان رجلا أم امراة.
ان الحل للمجتمعات الاسلامية ليس فقط في الزواج المدني، بل في تحديث كافة قوانين الاحوال الشخصية وفق مبدأ المساواة والعدالة بين الرجل والمرأة، وأحترام ارادة المرأة ورغبتها بالطلاق باعتبارها كائن مسؤول عن نفسه ويتمتع بكامل الأهلية العقلية والأرادة، فالحياة الزواجية لايمكن ان تستمر عن طريق الأكراه والجبر بواسطة القوانين والاحكام الدينية... لانها قائمة على المشاعر النفسية الداخلية للانسان والتي تتفاعل وترفض الآخر، وهذه المشاعر الداخلية لايستطيع ادراكها المشرع القانوني ولا رجل الدين واحكامه الفقهية وبالتالي من الخطأ والظلم اجبار المرأة على الخضوع والعيش مع زوج تكرهه ولاتريد اكمال حياتها معه.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات