في العراق اصبحت الكثير من الامور تضخم الى خارج الحدود التقليدية في العمل السياسي وتهمش أمور مهمة وخطيرة الى حدود غير منطقية . لذلك من يتابع اخبار الاعلام والسياسة في العراق منذ الانتخابات وحتى يومنا هذا , قد يصاب بالدوار بل وقد أصيب البعض فعلا بالهذيان الاعلامي العلني لمجرد تناقل اخبار تحقيق لقاء المالكي وعلاوي او عدم تحقق هذا اللقاء !! وكأن كل المشاكل المزمنة في العراق ستحل لمجرد تحقيق هذا اللقاء الذي البسه البعض ثوب وألقاب مبالغ فيها مثل اللقاء الاسطوري او اللقاء التاريخي او اللقاء السحري او اللقاء الحاسم !!

اولا من بديهات السياسة ان لايكون لك عدو دائم او صديق دائم فالمصالح تتغير ومعها تتغير التحالفات والاتفاقات , وثانيا ان المالكي وعلاوي هم ابرز الفائزين بنتائج هذه الانتخابات لكن بذات الوقت الاثنين يعون جيدا ان فوزهم هذا لايعني الحسم لاي منهم في تشكيل الحكومة بل بحاجة الى ائتلافات اخرى للوصول الى الهدف المطلوب , مع استثناء بسيط في هذه الحالة اكاد أجزم به ان الاثنين لو اقفلت كل الطرق امامهم وكان الخيار النهائي الوحيد ينص على تنازل احدهم للاخر او التنازل الى شخص ثالث فاجزم ان الاثنين على استعداد تام في نهاية الشوط على التنازل الى شخص ثالث لتولي منصب رئيس حكومة العراق على ان يتنازل احدم للاخر .

من ناحية دستورية وقانونية تكاد تكون فرص المالكي اكبر من فرص علاوي خاصة بعد ائتلاف القانون والوطني مما اعطى طلقة الرحمة لعلاوي ولقائمته في وئد احلامهم للوصول الى هدفهم الذي بذلوا لاجله كل الامكانيات الخاصة والعامة وحتى الاقليمية . ولكن مسالة اللقاء بين المالكي وعلاوي لايجب ان تكون نادرة من النوادر في عراق اليوم , فمن الطبيعي ومن المنطقي ان يجتمع الاثنان وسيكون خارج حدود المنطق السياسي ان لايتم هذا الاجتماع الذي جعله البعض قبلة العملية السياسية في ايامنا هذه !! بذات الوقت يجب فهم وأدراك ان التناقضات بين فكر وخطي علاوي والمالكي هي كبيرة وجوهرية لذلك لاامل بتغير القناعات او رضوخ نهج أحدهما للاخر , لكن رغم ذلك تبقى الحاجة في العمل السياسي للقاء الفرقاء اكثر أهمية من لقاء المتحالفين خاصة اذا كان هولاء الفرقاء هم في الواجهة الامامية للعمل السياسي في عراق اليوم كما هو الحال مع المالكي وعلاوي .

من جانب اخر لا المالكي ولا علاوي مجتمعين او منفردين اكبر من العراق بل العراق اكبر من الجميع افراد واحزاب وقوائم , واكبر من العراق نفسه ومن كل العاملين في السياسة العراقية هو الانسان العراقي دون غيره ودون منازع . لذلك من مصلحة العراقيين جميعا ان تلتقي وتجتمع القوائم ورموزها فيما بينهم وليس من الضرورة ان تتفق هذه القوائم او رموزها على كل شيء لان ذلك سيكون وئد حقيقي للعملية السياسة في العراق ولتضحيات ومواقف العراقيين , لكن من الضرورة القصوى والكبرى ان يتفق الجميع على حرمة دماء العراقيين وحرمة التلاعب بامالهم وطموحاتهم الانسانية , وايضا من المعيب ان يبقى موضوع تشكيل الحكومة بضاعة متداولة في سوق النخاسة السياسية عند البعض في عراق اليوم ولعدة اسابيع واشهر متتالية . لذلك اذا كان لقاء المالكي وعلاوي يعجل ولو بشكل نسبي في التسريع لشكيل الحكومة وتخفيف الاعباء عن العراقيين , فليتم أذن هذا اللقاء بدون ضجة مفتعلة وبدون ألقاب خيالية يجيد اطلاقها ابطال مسح الاكتاف الذين يسبحون بحمد ولي نعمتهم من رئيس هذه القائمة او تلك او هذا الحزب او ذاك . فالعراق اكبر من هولاء جميعا والعراقيين اهم من الجميع .