لدي مشروع لا ادري أن كنت قادرا على تنفيذه أم لا ويتعلق بكتابة مؤلف يتناول تاريخ الفقر في العراق فأهمية هذا الموضوع تكمن في حقيقة أن العراق وعلى مدى تاريخه الطويل كان بلد غني زاخر بالثروات الهائلة سواء الزراعية أو النفطية وكان المفروض أن ينعكس ذلك على واقع الناس وعلى ظروفهم وأحوالهم المعاشية فيعيشوا في وضع أفضل مما هم عليه الآن أو ما كانوا عليه في مختلف تلك الفترات وبالتالي سيكون السؤال : لماذا يفقر الناس وبلدهم غني؟ وهو سؤال لا يقتصر على بلد بعينه إنما هو يصلح لكل زمان ومكان. إذن ستكون أمامنا قراءة تاريخية لظاهرة الفقر في العراق التي لم تنحسر يوما عن حدها العالي.

فالعراق الذي عاش عدة حقب تاريخية بارزة كان على الدوام بلد المسؤول والمتنفذ الذي بيده السلطة والمال حيث تتنعم طبقة الحكام والمسؤولين وزبانيتهم بالحياة الهانئة والعيش الرغيد فيما ترزح غالبية الناس تحت ضلال الفقر والعوز فمنذ جلجامش كان الشعب مقسم بين أتباع مخلصون يتمتعون بالغنى والرفاهية وفقراء معوزون يواجهون القهر والجوع ولم يكن لهؤلاء أي حق في الاعتراض على أرادة الحاكم وجبروته فيعد عملهم مروقا وتجديفا ضد سنن الكون وأعراف الحياة وكذا الحال بالنسبة للإصلاحات التي تبعت ذلك أي إصلاحات اورو انمكينا حاكم لكش الذي يعد أول مصلح في التاريخ كان أثرها مؤقتا ومحدودا أيضا إذ عاد الفقير إلى فقره والغني إلى غناه حتى القوانين التي جاءت بعد ذلك وأهمها قانون حمورابي لم تغير من الأمر شيئا بل رسخت معادلة الفقر والغنى التي باتت وكأنها معادلة كونية مطلقة وإذا كان هذا حال الفقير في العهود الوطنية فما البال مع فترات الحكم الأجنبية التي أضافت إلى حمل الفقير حملا أخر وبات يجاهد الفقر والتسلط معا ورغم مجيء الإسلام وتبشيره بالمثل الإنسانية إلا أن ما طبق كان غير ذلك إلى درجة تحول الفقير إلى ما يشبه العبد أو القن حيث عاث المستغلون فسادا في الأرض وأمعنوا في الظلم والطغيان فكان للفقر صولاته وجولاته التي لا تنسى فله في العراق حكايات رهيبة لا يسعنا إلا بالوقوف عندها وقفات طويلة لأنها افضع شهادة على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.