لي عتب وإن جاء متأخرا وفي غير محله! على الشهيد الضحية العراقي الكردي الصحفي الشاب سردشت عثمان ( 23 سنة، طالب في قسم اللغة الإنكليزية في جامعة صلاح الدين- أربيل)،الذي كما عرفنا قد دفع حياته ثمنا لكلمات خطها ونشرها في صحيفة عراقية كردية بين فيها بعض ما يعتمل في نفسه من طموحات بمستقبل مادي أفضل من خلال تغيير واقعه الحالي المتواضع بحلمه في الزواج من أبنة مسعود البارزاني وما قد يفرزه ذاك الزواج ndash;فيما لو تم!- من مكاسب و هدايا وأعطيات وأمتيازات ليست في الحقيقة شيئا مستحيلا أو خياليا أو في غير متناول اليد والسلطة والسطوة عند العائلة البارزانية الحاكمة في أربيل ودهوك في شمالي العراق المحتل..

مصدر عتبي هذا والذي بدأت فيه هذه الكتابة هو أن ليس من المعقول بأن الشهيد الضحية وهو من شباب مدينة أربيل، لم يسمع يوما ما خلال سنوات عمره القصيرة هذه عن التقليد الذي فرضته هذه العائلة البارزانية على بقية الأكراد ما حولها بتحريم وضع لفة الرأس الحمراء وهي اللفة البارزانية إلا لمن كان من العائلة تحديدا!!

فكيف والحالة على ما هي عليه من يتجرأ على الكتابة بحلم الزواج من كريمة مسعود البارزاني ويربط تلك المصاهرة المفترضة بالقصر الذي سينزل فيه بمنطقة (سري رش) المتميزة شرق مدينة أربيل حيث حولها مسعودالبارزاني الى قصور خاصة به وبعائلته فقط بعد أن كان صدام حسين قد بنى له قصرا فيها يشغله الآن مسعود نفسه!! وقد خصص صدام لعراقيين من مسؤولي السلطة السابقة أو مواطنين قريبين منها قطعا من ألأراضي في تلك المنطقة وبنيت حيث جرى الإستيلاء عليها بعد 2003!! وأن يسترسل المغدورسردشت في الكتابة عن كلاب الحراسة البوليسية المستوردة من الولايات المتحدة وحراس الأمن الإسرائيليين،، لم يدرك هذا الشاب الجريء الضحية كم من المحرمات تجاوز وكم من الخطوط الحمر قد تخطى لذا جاء عقابه فوريا وقاطعا للأبد بأن أنهت حياته رصاصات لئيمة مجرمة قاتلة من أناس قتلة أحترفوا العبث بالوطن والمقدسات ولا يفهموا إلا سبيلا واحدا في الحوار والنقاش مع من بدا بأنه يختلف عنهم وليس طوع ارادتهم المشبوهة ألا وهو حوار الدم والتصفيات الجسدية،هذا النمط الذي عرفه العراق من خلال حكامه ومجموعات العصابات التي رعتها وترعاها سلطاته الحاكمة في بغداد العاصمة واضيف لها الوضع الراهن للسلطات الحاكمة في كل من مدينتي أربيل والسليمانية والمشكلة لجمهوريات الإحتلال الثلاث في العراق المنكوب منذ سقوط الدولة الوطنية على يد الإحتلال الأمريكي الإيراني الصهيوني في 9/4/2003.

ما يلفت النظر في تداعيات هذه الجريمة هو ردود الفعل الجماهيرية التي نظمت نفسها على شكل حركة احتجاج وتظاهرات هزت مدينة السليمانية المحكومة من قيل جلال الطالباني واتحاده الوطني الكردستاني، في الوقت الذي لم نسمع فيه اية ردة فعل جماهيرية في مدينتي اربيل ودهوك المحكومتين من قبل مسعود البارزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني مما يؤشر الى ان الامور الامنية في هاتين المدينتين لازالت تحت السيطرة من قبل قوات الامن المسماة (الأسايش) ذات الخبرة العالية في القمع والقسوة!!،،ضد المواطنين العراقيين الكرد وغيرهم من أبناء المنطقة والمجاورين لها..

لكن الجدير بالإشارة والحيرة في آن واحد، هو أن الوجود السياسي والحزبي المنظم في شمالي العراق قد شهد تجربة برلمانية مستمرة منذ أول إنتخابات جرت خارج إطار سلطة صدام حسين ببغداد وذلك في آيار/1992، حينما فرضت أمريكا وبريطانيا منطق الحماية المسلحة على المنطقة العراقية الشمالية بعد حرب الخليج الثانية 1991 التي أدت الى استعادة الكويت وتداعيات الإنتفاضة الشعبية في العراق (آذار 1991) ونجاح النظام الحاكم ببغداد في قمعها وانقاذ وجوده وبالتالي استمراره في العراق عدا المنطقة الشمالية التي غطيت أمريكيا وبريطانيا بما سمي منطقة (توفير الراحة للأكراد) ومنع السلطة العراقية من الدخول للمنطقة وفرض منطقة حظر الطيران على العراق داخل حدوده الوطنية فيما سمي شمال خط العرض 36، وعلى الرغم من تلك الممارسة وما رافقها من استحواذ واضح من قبل الحزبين الكرديين (الحليفين) على نتائج تلك الإنتخابات تحت شعار لفقه واطلقه جلال الطالباني وتبعه مسعود بإعلان تقاسم نتائج الإنتخابات بحصة(فيفتي فيفتي) بين الحزبين ومليشياتهم مما عكس تقاسم النفوذ والسلطة بينهما وحرم منذ ذلك الوقت الجماهير الكردية من المشاركة والتفاعل الحقيقي في بناء ديمقراطي سليم وصحيح وأدى الى هذا الطغيان الحزبي والسلطوي على مفاصل الوضع الراهن هناك وتفجر فضائح الفساد الإداري والمالي والسياسي وتكدس المليارات الدولارية في خزائن كل من جلال ومسعود وشلل الإدارات وبعدها عن خدمة المواطن الكردي وعجزها عن الإستجابة لهمومه ومشاكله،ومما لا شك فيه بأن الوضع السياسي قد شهد تغيرا في العام الفائت بظهور كتلة (التغيير) بزعامة القيادي المخضرم (نوشيروان مصطفى ) بعد انشقاقه عن حزب الطالباني وحصول الكتلة الجديدة على ما يقارب ربع المقاعد في برلمان الإقليم وعلى ثمانية مقاعد في برلمان بغداد في الإنتخابات الأخيرة التي جرت في آذار الماضي،ومما يسترعي الإنتباه بأن أعضاء هذه الكتلة وأصدقاءهم والمؤازرين لهم في المجتمع الكردي وكذلك منظمات المجتمع المدني الحقيقية وليست المفبركة من واجهات الأحزاب السلطوية، كان عليهم ولا يزال التحرك الحر بعيدا عن الجمود والرعوية الأبوية التي كانت تقيدهم في حياتهم الحزبية (العقائدية) الجامدة السابقة وألا يقتصر التحرك على الفئات الطلابية الشابة والتي مثلها بحق الشاب الشهيد سردشت عثمان.. الذي دفع حياته لقاء حق الحرية والعدالة للجميع!!. لقد حاولت أن اعرف من خلال قراءتي لمقالات سردشت الثلاث فيما إذا كانت قد كتبت ونشرت باللغة الكردية ومن ثم جرت ترجمتها الى العربية وقد تشكل لدي إنطباع بأن تلك المقالات قد حررت أساسا باللغة العربية،،فإذا ما صح ذلك الإنطباع والحال هذه، يكون أنتصارا حقيقيا لوحدة الشعب العراقي بعربه وكرده وتركمانه وبقية أطيافه حيث الجميع يعرف كيف أن حركة الإبتعاد والتجهيل باللغة العربية قد اعتمدت ونفذت عمدابالمنطقة الكردية منذ سيطرة قوى الحزبين الرئيسيين على مصائر الناس والأمور هناك في العام 1991 ومابعده وحيث نرى كيف أن حتى علامات الطرق تجري كتابتها باللغتين الكردية والإنكليزية ولا وجود للغة العراق الرسمية الأولى ndash;العربية-من مكان في تلك البقاع من الوطن العراقي الواحد،وهنا ترجع ذاكرتي لأيام الدراسة الثانوية قبل أكثر من نصف قرن في العهد الملكي العراقي، وأتذكر بالعرفان والإحترام أستاذنا في اللغة العربية ببغداد وهو أصلا من أكراد مدينة السليمانية!! وأردد ما أنشده يوما الفنان الكبير محمد عبد الوهاب في أنشودة بمناسبة وحدة مصر وسوريا العام 1958 كان اسمها..(عربية) حيث قال ( لا تسلني أين كنا وكيف أصبحنا وكيف!!؟).

ويقال أن الإسرائيليين لهم وجود في الشمال العراقي منذ أن سلخت المنطقة من سلطة بغداد العام 1991 وقد كانوا موجودين قبل هذا العام بعقود من خلال علاقات الحركة الكردية الإنفصالية وتشجيع الإسرائليين لها وقد كتب عنها ونشر الكثير من الأخبار والتقارير والصور على مر السنين، وأصبح الوجود الإسرائيلي منتشرا كالسرطان في كل العراق بعد الغزو الأمريكي العدواني للعراق العام 2003 وتبقى ركيزته المنطقة العراقية الكردية الشمالية وحينما أشر لها الشهيد سردشت وغمز التواجد الإسرائيلي بأنهم سيحرسونه لأنه سيكون صهر مسعود البارزاني كانت الرصاصات القاتلة المجرمة بإنتظاره وكان على ما يبدو متيقنا من نهايته التراجيدية على ايدي القتلة، وذلك ما حاول أن يقوله بصراحة ووضوح في مقالته الثالثة المنشورة بتاريخ 21/1/2010، حيث قال بالحرف الواحد في صحيفة (كوردستان بوست) ما يلي:-
((المقال الثالث

اول اجراس قتلي دقت

(نشر في موقع كوردستانبوست في 21/1/2010)
في الايام القليلة الماضية قيل لي انه لم يبق لي في الحياة الا القليل، و كما قالوا ان فرصة تنفسي الهواء اصبحت معدومة. لكنني لا ابالي بالموت او التعذيب. سأنتظر حتفي وموعد اللقاء الاخير مع قتلتي. وادعو ان يعطونني موتا تراجيديا يليق بحياتي التراجيدية. اقول هذا حتى تعلموا كم يعاني شباب هذه البلاد وان الموت هو ابسط اختياراتهم. حتى تعلموا ان الذي يخيفنا هو الاستمرار في الحياة وليس الموت. وهمي الاكبر هو اخوتي الصغار وليس نفسي. ما يقلقني في هذه التهديدات هو ان هناك الكثير الذي لابد ان يقال قبل ان نرحل. مأساة هذه السلطة هي انها لا تبالي بموت ابنائها.))
وليس لنا إلا أن نتذكر بالإعتزاز والإكبار ما قاله شيخ المجاهدين العرب في القرن العشرين الماضي الشهيد عمر المختار مخاطبا جلاديه وقتلته من جلاوزة الإستعمار الفاشي الإيطالي في ليبيا حيث قال لهم بأن عمره ndash;المختار- سيكون أطول من عمر قاتليه وقد صدق في ذلك حيث انتصرت الحرية والمقاومة في ليبيا وأندحرت فاشية موسوليني الى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليها..
وفي همنا العراقي الأكبر،، ليس للعراقي في كل العراق المحتل إلا أن يردد مع رفضه ومقاومته المستمرة لهذا الواقع الإحتلالي الحاقد والمتهرأما قاله رمز الشعر للعصور العربية كلها أبو الطيب المتنبي..

وسوى الروم خلفك روم فعلى أي جانبيك تميل؟

لندن