في اطار نهج الاستبداد القائم وتشديد القبضة الأمنية على المجتمع، منعت السلطات الأمنية السورية مؤخراً العديد من نشطاء الحركة الآشورية من السفر ومغادرة سوريا الى جهات مختلفة.طبعاً،أن العارف بالشؤون السورية لن يستغرب لهذه المضايقات والاستفزازات بحق النشطاء الآشوريين،خاصة وأنها تأتي بموازاة الضغط الممارس على الحركة الكردية وقوى المعارضة الوطنية عموماً،واستمرار الاعتقالات التعسفية للنشطاء في مجال حقوق الانسان والدفاع عن الحريات الديمقراطية.لكن المثير،أن الاجراءات الغير قانونية والتعسفية بحق النشطاء الآشوريين تتم في مرحلة اعتكفت فيها الحركة الآشورية على نفسها، وابتعدت عن الحراك الديمقراطي المعارض، ومن غير أن تتخذ مواقف مزعجة للحكم البعثي القائم في سوريا،والتزامها الصمت حيال انتهاكات حقوق الانسان الآشوري في سوريا. واللافت في الموضوع الآشوري،أن المضايقات الأمنية والاجراءات التعسفية شملت رئيس quot;المجلس القومي الآشوريquot; في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو من المغتربين السوريين يحمل الجنسية الأمريكية.فاثناء زيارته الأخيرة لسوريا لم يتمكن(رئيس المجلس القومي الآشوري) من المغادرة والعودة الى أمريكا إلا بعد مراجعات عدة للفروع الأمنية في دمشق التي مارست عليه ضغوط نفسية كبيرة،فضلاً عن أن تأخير عودته ألحقت ضرراً كبيراً بمصالحه والتزاماته في امريكا. في ضوء معايشتنا لنهج الاستبداد السوري وطريقة تعاطيه مع القوى السياسية،أعتقد بأن منع سفر المحسوبين على الحركة الآشورية وتقييد حركتهم، ومضايقة شخص بوزن وحجم quot;رئيس المجلس القومي الآشوريquot; في امريكا، التي تحتضن أكبر تجمع آشوري من المغتربين،أعتقد بأنها اجراءات تحمل أكثر من رسالة وبأكثر من اتجاه.ابرز هذه الرسائل: أن المغتربين الآشوريين غير مرحب بهم في سوريا، خاصة ممن لهم توجهات قومية وسياسية لا تتوافق مع نهج الحكم البعثي.وفي ذات الوقت تنطوي على رسالة تحذير الى quot;الحركة الآشوريةquot; في الداخل السوري من عواقب امتداد نشاطها الى الجاليات الآشورية ومن التواصل مع قوى المعارضة السورية في الخارج. طبعاً،أنه لمن المؤسف جداً أن تتعاطى السلطات السورية بهذه السلبية المطلقة مع الحالة الآشورية،وهي حالة وطنية بامتياز. ومن المحزن لنا وطنياً كآشوريين سوريين،عدم تقدير الدولة السورية لحساسية quot;المجتمع الآشوري/السريانيquot; من الضغوطات السياسية والمضايقات الأمنية الممارسة عليه ومن سياسات التمييز القومي التي تنتهجها حكومة البعث.اذ من شأن هذه السياسات الشوفينية والاجراءات التعسفية أن تسرع وتيرة الهجرة الآشورية من سوريا.ولا اعتقد أن مخاطر ومضاعفات هذه الهجرة تخفى على الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد.في مقدمة هذه المخاطر، حصول خلل ديمغرافي في المناطق والتجمعات التاريخية للآشوريين في الجزيرة السورية،وتآكل ظاهرة التنوع الحضاري والثقافي والديني التي يتصف بها المجتمع السوري،ومن ثم خسارة سوريا لطاقات بشرية وكوادر علمية هي بأمس الحاجة اليها.ولا أعتقد أن الخلل في التركيبة السكانية وتلاشي التنوع الثقافي من المجتمع هما في صالح سوريا ومستقبلها كدولة تسعى للحفاظ على ميزة التسامح الديني والاجتماعي الذي يتميز بها مجتمعها وتتطلع لمواكبة العالم المتحضر.لكن للأسف،رغم أهمية هذه القضايا وحساسيتها، يبدو أنها لم تعد مهمة أو ذات قيمة في حسابات quot;العقلية الأمنيةquot; التي تهيمن على البلاد. قطعاً،أن تأثير مضاعفات استمرار انتهاك حقوق وحريات الانسان الآشوري لن يقتصر على آشوريي الداخل السوري، وانما تأثيرها سيمتد الى الجاليات الآشورية في دول المهجر الأوربي والأمريكي.فمن جهة،هذه الانتهاكات تعطي الذريعة للحكومات الأوربية والغربية لقبول طلبات المهاجرين الآشوريين القادمين من سوريا ومنحهم حق الاقامة واللجوء السياسي.ومن جهة أخرى ستجعل هذه الانتهاكات أبناء هذه الجاليات يترددون كثيراً لا بل يتخوفون من زيارة وطنهم الأم والتواصل معه،خاصة على صعيد جلب الراسمال وإقامة المشاريع الاستثمارية،المهمة جداً لإنعاش الاقتصاد السوري المأزوم وتوفير فرص عمل في بلد تشكل نسبة البطالة فيه أكثر من 30%.في هذا السياق،نتساءل: ألا تفند عملية مضايقة المغتربين الآشوريين مزاعم الحكومة السورية،وتحديداً مزاعم وزارة المغتربين، فيما يخص ترحيبها بالمغتربين وباستثماراتهم ويدحض حديثها عن تقديم التسهيلات لهم؟.ليس من المبالغة القول:أن quot;حكومة البعثquot;،وبسبب تعاطيها بعقلية أمنية مع المغتربين، فقدت مصداقيتها في أوساط المغتربين الآشوريين وربما في أوساط المغتربين السوريين عموماً.ولا نريد أن نذهب بعيداً في شكوكنا بنوايا الحكومة والقول: بأنها تخلت عن الجاليات الآشورية السورية واستغنت عنها وعن خدماتها، تالياً هي(الحكومة) تساهم أو تشجع بشكل أو بآخر على هجرة الآشوريين(سريان/كلدان) من سوريا وتركهم لوطنهم.هذه السلبية المطلقة من طرف الحكومة تجاه الآشوريين والتي تتنافى مع قيم ومفاهيم المواطنة الصحيحة،تعود بشكل أساسي الى رفض الآشوريين للعروبة كهوية وانتماء،وتمسكهم بهويتهم الآشورية، وبسبب حبهم المتميز لوطنهم الأم سوريا.فالحب والولاء الآشوري للوطن السوري،لم يرتبط يوماً بطبيعة الحكم القائم وبنظامه السياسي.لأن كل آشوري(سرياني/كلداني) هو على يقين تام بأن بقاءه واستمراره على هذه الأرض،التي تحمل أسمه وتختزن تاريخه، يرتبط ببقاء سوريا واستقرارها.وإذا كانت الدولة السورية حريصة حقاً على بقاء الآشوريين في وطنهم، عليها بالعديد من الخطوات العملية والسياسية، منها: - رفع حالة الغبن عنهم وإنهاء سياسات التهميش والتعريب الممارسة بحقهم واتخاذ الإجراءات اللازمة وكل ما من شأنه أن يعزز وجود الآشوريين(سريان/كلدان) في وطنهم الأم سوريا. - احترام الدستور السوري الذي يكفل للمواطن حقوق السفر والتنقل دون قيود أو شروط سياسية،ودون وصاية أو تدخل الأجهزة الأمنية. - الالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان،خاصة quot;العهد الدوليquot; الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي وقعت وصادقت عليها الدولة السورية. - الاعتراف الدستوري بالآشوريين والأكراد السوريين وبغير العرب عموماً ومنحهم حقوقاً قومية وسياسية،حق تشكيل الأحزاب والجمعيات الثقافية والمنظمات الخاصة بهم، التي هي من صلب حقوق المواطنة والحقوق الديمقراطية. لأن في النهاية quot;الأوطانquot; هي حقوق وحريات ولقمة عيش كريم وأمن واستقرار تكفلها الدولة لجميع ابنائها دون تمييز أو تفضيل على أساسي ديني أو قومي أو سياسي.والمواطنة ليست مجرد بطاقة شخصية عليها بضع كلمات للتعريف بحاملها،وانما هي هوية وانتماء الى ارض وتاريخ وثقافة معينة. سليمان يوسف يوسف.... سوريا مهتم بقضايا الأقليات
- آخر تحديث :
التعليقات