الأكيدُ، بعد هجوم البحرية اإسرائيلية عى quot;أسطول الحريةquot;، الذي أاد أن quot;يحررquot; غزة من الحصار، هو أنّ الشوارع العربية بخاصة، والإسلامية بعامة، ستقوم منتفضةً، أياماً بلياليها، من جاكرتا إلى طنجة، دون أن تقعد.
والأكيدُ أيضاً، هو أننا سنشهد في الأيام القليلة القادمة، على طول هذه الشوارع وعرضها، فضلاً عن الفوق الرسمي القائم على إدراة شئونها في الدنيا وفي الآخرة، سنشهد الكثير من رسائل الغضب، وبيانات الإستنكار، وطاولات النواح والبكاء المستديرة، وفتاوى شيوخ الإرهاب، وعنترياتِ شيوخ السياسة، والمواقف والكتابات الغاضبة، والدعوات الشفوية العاجلة، لعقد مؤتمراتٍ عاجلة، لنصرة جرح غزة العاجل، ناهيك عن الكثير من الوعد العاجل، بالخلاص العاجل والقريب، من quot;وحشquot; الحصار الإسرائيلي quot;الغاشمquot;.
الكثيرُ الكثيرُ، على امتداد quot;دول الشوارعquot; العجولة هذه، سيكرّر علينا الإسطوانة المشروخة ذاتها: quot;الموت والهلاك لإسرائيلquot;؛ quot;على البحر قادمون، ولغزة ناصرونquot;؛ quot;كلنا غزة..كلنا مع غزة..قلوبنا لغزةquot;؛ quot;اللهم انصر غزة قلوبناquot;؛ quot;غزة المسلمة شامخة أبية متمردة على شرعية العالمquot;؛ quot;عاش الإسلام المقاوم..عاشت حركة المقاومة الإسلامية حماس..عاشت غزة المقاومة أو أم العز..عاشت عاشت.. يسقط يسقطquot;...إلخ.
هذا الخطاب المكرورُ، المجرور بحروفِ جرٍّ كثيرة، والمفروغُ من أي فعلٍ يُذكر، كما علمنا تاريخ هذه الشوارع الحافل بالنكبات والنكسات والإنكسارات، هو الذي سيصمّ آذاننا، في القادم من زمان غزة المنكوبة بأكثر من نكبة، أو غزة الضحية؛ ضحية نفسها(أو عقلها) قبل أن تكون ضحيةً للآخر.
هذا الكل العربي والمسلم، الطويل العريض، سيقوم في هذا الخطاب الشفوي، قومة رجلٍ واحدٍ، ليقول كلاماً في الهواء وللهواء فقط، ضد إسرائيل واحدة موحدة، تفعل ما تقوله، وتحقق ما يتمناه شعبها، وتصدق وسط quot;لف ودورانquot;، وquot;لعبquot;، وquot;لاصدقquot; ما حولها.
منذ الوعد الأول، الذي وعد به آرثور جيمس بلفور(1848ـ1930) المتأثر بالشخصية اليهودية المعروفة حاييم وايزمان(1874ـ1952)(أول رئيس منتخَب لإسرائيل سنة 1949) اليهوديين بإنشاءِ وطنٍ قوميٍّ لهم في فلسطين، مذّاك تركب quot;إسرائيل الصحيحةquot;(من وجهة نظر أهلها على الأقل)، quot;السياسة الصحيحةquot;، وتمكّن quot;الفعل الصحيحquot;، لتحقيق ما تراه مناسباً من quot;قولٍ صحيحquot;، لquot;يهودييها الصحيحينquot;.
هي، منذ مؤسس الصهيونية الأول تيودور هرتزل(1860ـ1904)، وبحثه عن quot;وطن بديلquot; ليهوده (حيث كان اليهود في زمانه، مشردين في أنحاء الأوروبتن الشرقية والغربية، المعاديتين آنذاك للصعود السامي ورغبة اليهود في تحقيق ذواتهم كشعب)، منذ ذاك الصهيوني الصادق مع نفسه، ومع يهوده في آنٍ، وحتى اللحظة(حيث لم تعد إسرائيل quot;حلماًquot;، ولا quot;وعداًquot;، ولا quot;كياناًquot;، بل باتت دولة قوية لها أكثر من حساب وإعتبار في شرقنا المتوسط)، تفرض هذه الدولة نفسها على الآخر، في كونها quot;دولة صادقةquot; مع يهودها.
فهي تثبت للعالم، يوماً إثر يوم، ووجوداً إثر آخر، أنّ quot;إسرائيل الحلمquot; هي quot;حقيقة الحقائق أو صفوتهاquot;، وأنّ quot;لا وجود فوق وجودهاquot;، وquot;من لا يعجبه، ليشرب من أقرب بحر أو يبلطهquot;، على حد قول المثل!
هذا ما يقوله وجود إسرائيل للعالم الموجود.
إسرائيل، تلك التي يُقال عنها الكثير الكثير(من الذم الكبير)، في الأزقة والشوارع العربية والإسلامية، صادقةٌ مع ذاتها، ومع يهودها.
فهي، تفعل ما تقول، وتحقق ما تتمناه، وتسيّس السماء لصالح الأرض، على العكس تماماً من quot;أمة إقرأquot;، التي تحاول جاهدةً، قراءة الأرض بمحفوظات السماء، وقراءة السياسة بقراءة الكف، أو قراءة الفنجان.
إسرائيل، منذ نشأتها الأولى، تقول لكل العالم(وفي مقدمته العالم العربي والإسلامي المعنييَن بquot;قرّة العينquot; فلسطين): أنا دولة موجودة، بحدود موجودة، وشعب موجود، ودولة وحكومة ومؤسسات موجودة، ومن لا يعجبه وجودنا فquot;ليضرب رأسه بأقرب حيطquot;!
إسرائيلُ تقول، لكل من يهمه أمر فلسطين أو لا يهمه: quot;إقبلوا بوجودنا لنمضي على وجود فلسطينquot;؛ quot;إقبلوا بنا كجارة موجودة، لنصبح جارةً لفلسطينquot;؛ quot;اطلبوا العيش لنا، لنطلب العيش لفلسطينquot;؛ quot;كفّوا عن رمي شعبنا(وإن بالكلام) في البحر، لنكفّ عن رميكم في أتون الحدود وحصار السدودquot;؛ quot;أسكتوا أمراء وفقهاء حروبكم الشفوية الفرضية، أمثال أحمدي نجاد، لنسكت حاخامات حروبنا الفعليةquot;؛ quot;أحبوا يهودنا، كي نحبّ فلسطينييكمquot;..ولكن لا حياة تهتف للحياة وأحيائها فلمن تنادي!
الميتُ، أو الموصوف في الأدبيات المقاومة وسياسات quot;أعداء إسرائيلquot;، بquot;الشهيدquot;، هو من يقود الأحياء، وهو من يرسم سياساتهم، والقادم من فلسطينهم، وكل حياتهم.
الميّتُ(رحم الله كل الموتى، موتى الأعداء وموتى الأصدقاء)، في منظور quot;دول الشوارعquot; المنقادة بquot;عقلٍ ميتquot;، هو من يقود quot;أحياء الأمةquot;، كلّ الأمة من أولها إلى آخرها، ومن مشارقها إلى مغاربها.
فالميت، في أدب وإيديولوجيا السلف، هو الماسك بزمام التاريخ وما بعده. هو، محركه الأول والأخير؛ حيث به ابتدأ التاريخ وإليه سينتهي.
من هنا كانت quot;دعوة الخلف إلى طريق السلفquot;، والدعوة إلى quot;الحاكميةquot;، و quot;الإسلام هو الحلquot;، وquot;ولاية الفقيهquot;.
القتلُ (قتل أيٍّ كان)، عملٌ شنيع، مرفوض بالمرة، خارج على الذاكرة المدنية وقاموسها الحضري، بدون أدنى أيّ شك. ولكن السياسة، بكل أسفٍ(كما يقول لنا تاريخ شيوخها وأمرائها، من مغرب المعمورة إلى مشرقها، ومن شمالها إلى جنوبها)، توجب القتل وتشرّعه أيضاً.
فالسياسة قد تُقَونِن الحرب أو تحظِره؛ قد تكون مع هذا ضد ذاك، أو تكون مع ذاك ضد هذا. فquot;الغاية تبرر الوسيلةquot;، كما قالها أمير السياسة الأوّل، والإيطالي الأشهر نيقولا ميكيافيلي(1469ـ1527)، في كتابه الأشهر quot;الأميرquot;(1913).
quot;إسطول الحريةquot;، رغم ظاهره الإنساني، الذي أُريد به أغاثة غزة، وكسر بعضٍ من حصارها، إلا أنه كان مغلفاً أيضاً بسياسةٍ غير قليلة.
حضور أعلام بعض الدول(تركيا في مقدمتها)، ورفرفتها على ظهر الأسطول، كان دليلاً واضحاً على حضور quot;أجندات سياسةquot; واضحة، تحت quot;عباءات إنسانيةquot; لكسر الحصار على غزة، رغماً عن أنف إسرائيل، كما أشارت بعض وسائل الإعلام العربية والعالمية. إسرائيل فسّرت الأمر بأنه quot;استفزازٌ يهدف إلى نزع الصفة الشرعية عن إسرائيلquot;، كما جاء على لسان نائب وزير خارجيتها داني أيالون.
وبحسب إيلاف ووكالات عالمية أخرى للأنباء، quot; ان سفن البحرية الاسرائيلية أبلغت الناشطين الموجودين ضمن قافلة المساعدات الإنسانية، عبر جهاز اللاسلكي ان خيارهم الوحيد هو التوجه إلى ميناء اشدود الاسرائيلي لتفريغ بعض من المساعدات التي يبلغ حجمها عشرة الاف طن، على أن تقوم اسرائيل بعد ذلك بنقلها إلى غزةquot;. ولكن quot; الاسطول تجاهل التحذيراتquot;.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ههنا، هو، لماذا تجاهل قادة الإسطول تحذيرات البحرية الإسرائيلية، وهو يعبر مياهها الإقليمية؟
لماذا أصرّ القائمون على رأس الأسطول، على العبور إلى غزة رغم أنف إسرائيل، وهم يعلمون سلفاً، أن كل غزة محاصرٌ بالسلاح الإسرائيلي، براً وبحراً وجواً؟
ثم أية دولة في العالم، ستقبل على نفسها بأن يستفزها quot;ناشطونquot; تحت أعلام دولهم، وأن يمرّغوا أنفها في الطين، بحجة quot;حقوق الإنسانquot;، وما شابه ذلك quot;مانشيتات إنسانيةquot;؟
طالما أنّ الهدف الإنساني كان quot;إغاثة غزة ومساعدتهاquot;، فلماذا لم يفكر القائمون على شئون الإسطول، أو يحاولوا توسيط طرف ثالث(منظمة إغاثة دولية مثلاً)، لتحقيق الغاية المرجوة تلك، دون الحاجة إلى المقاومات والمقاومات المضادة، كما رأينا؟
الواضح من سياسة العقل المدبر لquot;أسطول الحريةquot;، هو أن ركابه كانوا ينوون العبور إلى quot;حرية غزةquot;، بأي ثمنٍ كان، ما أدى بإسرائيل إلى مواجهة quot;زحف الإسطولquot;، بالقتل الذي كان. وهو قتلٌ مأسوفٌ عليه، ومُدان على أية حال.
في القتل، أياً كانت فصيلته، يكون الإنسان في المحصلة النهائية، قاتلاً أكان أو مقتولاً، هو الخاسر الأول والأخير.
في القتل، يخسر الإنسان نفسه مرتين: مرةٌ كقاتل وآخرى كمقتول.
ولكن السياسة، بحكم كونها بوصلةً للمصالح(حيث لا أصدقاء ولا أعداء دائمين فيها، وإنما هناك مصالح دائمة)، تصنع من الميّت ميتّين، ومن الفاعل فاعلَين، ومن المفعول به مفعولَين. فهي حسب مصالح سايسها، تكون بمقتضى المصلحة، quot;معquot; أو quot;ضدquot;، في quot;دار السلمquot; أو quot;دار الحربquot;، في حكم quot;القاتلquot; أو حكم quot;المقتول، ولا شيء يحدد وجهتها، سوى مصالح القائمين على شئونها، وذلك في المسافة التي تفصل الquot;ضدquot; عن الquot;معquot;.
بالنظر من نافذة السياسة(بإعتبارها quot;مصالح عاقلةquot;، محسوبة، لا quot;عواطف غبيةquot; خارجة عن كلّ حساب) إلى عملية quot;قافلة الحريةquot; الأخيرة، ستبدو لنا إسرائيل، التي توصف في الضفة الأخرى من quot;غزة العربية والمسلمةquot;، بquot;الدولة اللقيطةquot;، وquot;المتهورةquot;، وquot;الخارجة عن كل عقلquot;، ستبدو لنا هذه الأخيرة بأنها quot;الأعقلquot;، وquot;الأصدق مع ذاتهاquot;، وquot;الأكثر توازناًquot; للحفاظ على مصالحها، وquot;الأحسنquot; سياسةً لحصاد الممكنات، مما حواليها من quot;عُطالةٍquot; عربية ومسلمة واضحة، من المحيط إلى الخليج، ومن طنجة إلى جاكرتا.
إسرائيل، التي يريد لها أحمدي نجاد ومريدوه، أن تُرمى في البحر، هي دولة أكيدة قائمة تتحدى بملايينها السبعة والنصف فقط، المليار ونصف مليون مسلم يؤمن(أو يكاد)، بأن quot;اليهود هم أبناء القردة والخنازيرquot;.
إسرائيل، بعكس كل ما حولها من quot;عصبياتquot; عربية وإسلامية، تفعّل شوارعها، ولا تنفعل معها؛ تركب العقل فيها، بديلاً عن النقل؛ تفعل الكثير وتقول القليل.
أنها، سواء اختلفنا أو اتفقنا معها، دولة أفعال، لا دولة أقوال.
هي دولةٌ تحضر التاريخ، ولا تذهب إليه؛ تدخل رأسها في التاريخ، ولا تخرج التاريخ من رأسها.
هي دولةٌ تحترم وتقدّر شعبها جداً، تمشي خلفه ولا تمشي عليه، تصدقه ولا تكذب عليه.
الشعب الإسرائيلي يحترم بدوره دولته، وهو واحدٌ من بين أكثر شعوب العالم انخراطاً في العمل التطوعي. بحسب بعض الإحصاءات، بلغت مساهمة هذا القطاع التطوعي في دعم الإقتصاد الإسرائيلي سنة 2006، حوالي 14 مليار دولار، أي ما نسبته 13.3 من الناتج المحلي الإجمالي.
فأين quot;لاصدقquot; الماحول من صدق إسرائيل، وأين quot;حقيقةquot; هذه الأخيرة، من quot;لاحقيقةquot; ماحولها؟
تركيا(هنا مثالاً)، التي كانت صاحبة المبادرة الأكبر في قيادة quot;إسطول الحريةquot;، لفك أسر غزة، هي دولة مزدوجة ليس مع ذاتها(أو أتراكها) فحسب، وإنما مع المسلمين من حولها أيضاً.
فعلاقات تركيا(المسلمة) مع إسرائيل(التي تسمى بالدولة الليقطة اليوم) ليست بquot;حديثة العهدquot;، أو وليدة الأمس أو قبله. فتركيا الباكية على غزة، اليوم، والزاحفة إلى quot;فتحquot; حريتها، كانت في مقدمة الدول المعترفة بشرعية إسرائيل ووجودها كدولة قائمة، منذ 28 مارس/ آذار 1949، أي بعد أقل من سنة من إعلانها في 14 مايو/ أيار 1984.
منذ إسرائيل تلك، أصبحت تركيا حليفةً استراتيجية للحق اليهودي، في الإقامة الحقيقية، على أرض الميعاد الحقيقي، ودخلت(ولا تزال) معها الحكومات التركية المتعاقبة(من الأب الروحي لتركيا العلمانية أتاتورك إلى أردوغان) في شراكات فعلية إستراتيجية، على كل الأصعدة والمجالات.
تركيا الأردوغانية(على عكس سابقاتها) العازفة بإسلامها quot;المفتوحquot; على عود السياسة، تعرف من أين تُؤكل الكتف العربية. فهي تبكي مع إسرائيل على حائطها في أورشليم القدس، في الليل، وتنادي بquot;حياةquot; غزة وquot;سقوطquot; عدوتها إسرائيل، مع دول الشوارع العربية والإسلامية، في النهار.
هي، تعترف هناك، بشرعية حرية إسرائيل، وتنادي هنا، مع quot;قوافل الحريةquot;، الحاملة للحناجر الهائجة، في البحر الهائج، بquot;تحرير غزةquot;، وفك حرية quot;حماسquot;ها.
تركيا(إلى جانب أخواتها المسلمات الأخريات)، التي لها علاقات إستراتيجية على أعلى المستويات، بدل أن توّرط مواطنيها والآخرين من حولها، في زجهم بأتون quot;قتلٍ مؤكدquot;، كان لها أن تقوم بإشارة واحدة من رئيس وزرائها المسلم، رجب طيب أردوغان، بسحب quot;lsquo;اعترافهاquot; عن إسرائيل، وقطع كل علاقاتها معها، نصرةً لعيون غزة المسلمة، أو إكراما لكرامتها المسلمة، كما يهتف لها المسلمون، مشرقاً وغرباً.
أردوغان المسلم، والعربي في غزة، الآن، أكثر من اسماعيل هنية، قال اليوم: quot;أن ما ارتكبته إسرائيل بحق قافلة السلام هو إرهاب دولةquot;، والسؤال الذي يطرح بنفسه، ههنا، هو ما علاقة تركيا المسلمة إذن، والتي يراها أردوغان quot;داراً للسلامquot;، بquot;دار الحربquot; أو quot;دار الإرهابquot; إسرائيل؟
أما quot;أعداءquot; إسرائيل اللدودون، في الضفة الأخرى من غزة، فلا يرون في هذا quot;عيباً سياسياًquot;، بقدر ما أنهم يرون في ذلك(أي شراكة تركيا مع إسرائيل)، quot;حنكةً نادرةًquot;، أو quot;ربيعاً سياسياًquot; محتملاً للعرب، في القادم من quot;إسرائيل العدوّةquot;.
الرئيس السوري بشار الأسد(على سبيل المثال لا الحصر)، قال خلال إحدى زيارته الأخيرة إلى أنقرة: quot;أنّ علاقة تركيا مع إسرائيل، هي في مصلحة العرب. فإذا أرادت تركيا مساعدة العرب، فيجب عليها أن تحرص على أن تكون علاقاتها طيبة مع إسرائيلquot;.
فلماذا لا يقيم الأسد، صاحب الجولان المحتل إسرائيلياً، وعرّاب العروبة الأول، quot;علاقات طيبةquot; مع quot;إسرائيل الطيبةquot;، لتحقيق quot; سلام طيبquot;، وquot;جيرة طيبةquot;، للدفع بسوريا لكل الطيبين فيها، نحو مستقبل أطيب؟
كم مرةً، منذ ما يقرب أربعة عقود(منذ حرب أوكتوبر 1973) وعدنا الأسدان(الأب والإبن) بالرد على إسرائيل وquot;عدوانهاquot;، في الزمان والمكان المناسبين، وبquot;إعادة الجولان إلى حضن الأم سورياquot;، ولم يحصل؟
منذ ما يقرب من نصف قرن(منذ 1963) وسوريا مشمولة بما يسمى بquot;قانون الطوارئquot;، بحجة quot;العدوان الإسرائيلي الدائم المهدد لأمن الوطن وسلامتهquot;، ولا يدري السوريون إلى أين سينتهي بهم طورائ هذا القانون، وquot;إسرائيل العدوةquot; تلك.
ماذا جنينا نحن quot;الأعداء المفترضونquot; لإسرائيل من quot;عداواتنا المفترضةquot;، سوى الديكتاتوريات الأكيدة، والنكبات الأكيدة، والنكسات الأكيدة، والخروج الأكيد من التاريخ ومن الجغرافيا؟
فلماذا، إذن، كل هذه quot;الكره الوجوديquot; لإسرائيل، وزج الشعوب العربية والإسلامية في quot;عداوات شفويةquot; معها، لا طائل منها، وليس لهذه الشعوب فيها ناقة ولا جمل؟
الرئيس التونسي الراحل، الملقّب بquot;الباي الجمهوريquot; الحبيب بورقيبة(1903ـ2000)، أصاب كبد الحقيقة حين طرح مشروع مبادرته للسلام عام 1973، قبل حرب أوكتوبر بفترة قصيرة، بقوله: quot;ثمة شعبان يتنازعان على أرضٍ واحدة. وأنا أقول لماذا لا نتصور إمكان تقسيم فلسطين بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ بالطبع سيضحي كل شعب بشيءٍ ما. الإسرائيليون، من جهتهم، يتخلّون عن الأراضي التي احتلوها بقوة السلاح، ويحتفظون بما منحتهم إياه الأمم المتحدة عام 1947، بموجب قرار التقسيم 181. إن العرب يتمسكون بمبدأ محدد(يقصد مبدأ العرب الخالد إما كل فلسطين وإلا فلا)، بينما معطيات الواقع أصبحت تناقض ذلك المبدأ، إضافة إلى أننا لا نملك القوة الكافية لإستخلاص حقنا المهضومquot;.
ولكن العرب، رسميين وشعبيين، رفضوا المبادرة جملةً وتفصيلاً، وعدّوها مع صاحبها، في خانة quot;الخيانة المؤكدةquot;.
الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات(1918ـ1981)، صدق مع نفسه، هو الآخر، ومع مصره، وركب السياسة الصح، حين اعترف بإسرائيل مقابل سيادة مصر على أرضها، فوقّع معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل سنة 1979 مقابل إرجاع كامل الأراضي المصرية المحتلة لمصر.
إسرائيل، على ما أذهب، دولةٌ صادقةٌ مع نفسها ومع يهودها، بعكس كل ما حولها من quot;أعداء مفترضينquot;، أو quot;أعداء شفويينquot;، يقولون ما لايفعلون، ويصلّون لما لا يؤمنون به.
هي دولةٌ، إن قالت فعلت.
هي، لا تكره ولاتحب في السر، وإنما تمارس الحب وعكسه، والسلام وضده، علانيةً، وتترك الآخرين، أن يقولوا فيها، وفي سلوكها ما يشاؤون.
هي، في النهاية، تدير ظهرها للعالم كله، في سبيل إرضاء شعبها.
هي، قد تكذب على العالم كله، ولكنها لا تكذب على شعبها.
فهل من دولةٍ صادقةٍ صدوقةٍ مع شعبها، كquot;المكروهةquot; من محيط العرب إلى خليجهم، إسرائيل؟
هوشنك بروكا
التعليقات