دائماً ما يذهب العرب الرسميّون إلى شئونهم متأخرين. وفي هذا التقليد, جاءت زيارة أمين عام الجامعة العربية لغزة.
زيارة بلا أدنى مصداقية, وبلا أيّ سند يسندها على الأرض. زيارة جاءت بعدما أخذ الرجل شارة السماح من نظامه الرسمي الذي يمثله.
لم يبن المحاصَرون شيئاً على هذه الزيارة الخاطفة [ساعات فقط], بل تجاهلوها بما تستحق, ومضوا إلى تفاصيل أيامهم, ولسان حالهم يردّد ذلك المَثل الشعبي الحريف: quot; تيتي تيتي زي ما رحتي زي ما جيتيquot;!
أجل: لم يفعل الرجل شيئاً, مثلما جاء ذهبَ. فقط قال quot;الكلمْتيْن بتوعهquot;, ومضى بطابور موكبه ذي السيارات الفخمة ورجال الأمن المتيقظين!
كلام لا يسمن ولا يُغني من جوع, هو ما قاله عمرو موسى في غزة. كلام عاجز مُكرّر من صاحب منصب في ورطة, فأعانه الله على موقفه الذي لا يُحسد عليه.
لقد انتظر الناس هذه الزيارة, أثناء الحرب على غزة, أو بعدها مباشرة. ولو كان السيد موسى فعلها في حينها, لما نسيَ له الغزاويّون صنيعَه أبداً.
أما أن يأتي الآن, quot;بعد خراب مالطةquot; أو quot;بعد أن اجتاز الجواد أسكدارquot;, فأيّ معنى وأيّ قيمة يتبقى لها؟
نحن نعرف, والكل يعرف, أنّ السيد عمرو موسى ما كان ل quot;يتجرّأquot; أخيراً, لولا جرأة كل العالم من قبله, على قول بعض ما يجب أن يُقال, بمن فيهم أقطاب الرباعية أنفسهم: الأمم المتحدة وأوروبا وروسيا وحتى أمريكا. سبقه هؤلاء, فلم يعد أمام النظام العربي الرسمي من حرج أو تثريب: فليطالبوا هم أيضاً برفع الحصار! فليفعلوها هذه المرة من خلال ممثلهم السيد عمرو موسى.
فما دامت الحكاية, quot;كلام في كلامquot;, فلمَ لا, والكلام كما يعرف العرب: بلا جمرك؟
لذا لن نعوّل نحن الغزيّين لا على كلام السيد الأمين العام ولا على سواه من القادة العرب. فقط نعوّل على ضمير الشعوب الذي استيقظ, في أربعة أركان الريح. وفقط نعوّل على أنّ الحصار لم يحقق أهدافه كما أرادها واضعوه: فحماس, على الأرض, لم تنقص قوتها, بل زادت, والحصار نكّل بالناس فقط. وحين تصل الأمور لهذا المآل, فإنّ السياسي الغربي الذي بيديه مفاتيح الأمور, سيراجع حساباته, خصوصاً أنه في غنى عن هذا الإحراج العالمي الذي تسبّبه له حليفته إسرائيل, بقوتها المفرطة ذات الغباء.

خمس سنوات ونيّف من الحصار المجرم, لم تكن كافية لتزورنا يا سيدي. وحرب شعواء ونيّف, لم تكن كافية لتزورنا يا سيدي. واليوم تزورنا إنما للأسف: في ذيل القافلة.
فالحمد والشكر لدماء الشرفاء الأتراك وغيرهم من أحرار الأرض, التي حرّكت ضمير هذا العالم النائم, فرأينا أخيراً عمرو موسى.. وأين؟ في مخيم جباليا وحارة السمّوني وأزقة الشجاعية!