كم كان بودّي لو خرج السيد عمرو موسى من وزارة الخارجية المصرية إلى البيت. لو تقاعد منذ تلك اللحظة، لكان ذلك أجدى له ولنا. على الأقلّ لما كنا نسينا له بعض مواقفه المشرّفة، حين كان وزيراً لخارجية مصر. أما خروجه من الوزارة وذهابه إلى مبنى الجامعة العربية كأمينٍ عام لها، فقد أوقعه في غير ما يُحب ونُحب.
كلما رأيت هذا الرجل، في المواقف الصعبة، يتضبضب، ويتلعثم بالكلمات، في موقف عُري كامل، أشفقت عليه!
سنوات وسنوات والسيد عمرو موسى، quot;لا يعرف من أين يتلقّاهاquot;. المسئوليات جسام والحال مايل. فإلامَ الانتظار؟
لو كنت مكانه، وفي مثل سنّه، لاستقلت وعدت إلى البيت. خاصة وقد تحوّل الرجل بمنصبه الشرفي، إلى رمز quot;فاقعquot; للعجز العربي quot;الجامع المانعquot;.
تُرى: ما الذي يُبقيه إلى الآن في منصبه هذا الخلو من أيّ مضمون؟
لقد تجاوزه الزمن وتجاوزته الأحداث. ونحن هنا نتكلّم عن منصبه لا عن شخصه الكريم. فهذا المنصب، يَخرج به من حيص ليُدخله في بيص. حتى صار الأمر برمّته ممجوجاً وغير ذي طعم.
حين كان وزيراً لخارجية مصر، سجّل بعض المواقف quot;الكاملةquot;. وحين ترأس الجامعة العربية، صار رجل الحدود الدنيا بامتياز. الحدود التي لا تُشفي الغليل ولا تُرضي حتى العليل.
فهل يقبل السيد عمرو موسى بهذا المآل وهذه الخاتمة؟
هل يقبل أن يكون ممثلاً لأنظمة عاجزة خرجت عن سكّة التاريخ، ولا تنتظر سوى لحظة الموت السريري حتى تُدفن؟
للأسف، هو قَبِلَ ويقبل. رغم معرفته أن لا فائدة. ورغم معرفته أنّه على رأس مؤسسة بيروقراطية أفلست ومرشّحة لقاعٍ لانهائيّ من الإفلاس. وكذلك رغم معرفته الأكيدة، بأنّ عوام العرب ومثقفيهم يسخرون منه بوصفه ذلك الرمز الفاقع لعجز الدول العربية من الماء إلى الماء. فماذا يفعل رجل مثله وهو يمثّل جسداً مشلولاً مئة في المئة؟
هل أتذكّر الآن، ولو من باب توثيق الشفاهيّ، أنّ عمرو موسى هو [أمين عام الشلل العربي] كما سمعتها من أحد العوام الغزيين في الأحداث الأخيرة؟
يُقال، والعهدة على وسائل الإعلام، أنّ السيد عمر موسى سيُرشّح نفسه مرة أخرى لولاية جديدة لمنصب الأمين العام في دورة الجامعة القادمة.
فإذا صحّ هذا الخبر، فلا يصحّ من ناحيتنا إلا أن نأسف له، وإلا أن نأسف عليه. فمعناه، أنّ المنصب لدى أيّ مسئول عربي أهمّ من فحواه. وإنّ الخروج من هذا المنصب [حتى لو كان شرفياً، كما هو الحال مع حالتنا هذه] أصعب على النفس من خروج الروح من جسدها.
آمل من السيد عمرو موسى، ألاّ يترشّح أبداً، وأن يختار التقاعد على مواصلة دور رمزي لا تنقصه أسباب البؤس. وألا يكون هو شخصياً، مثل الحكام العرب: مثلاً ونموذجاً للقابض على منصبه، المتشبّث به، تشبّث الروح المحتضرة بأدنى بارق للحياة.

نريد منه، بما له من ماض وثقافة وتاريخ، أن يكون مختلفاً عن ال 22 زعيماً عربياً الذين يمثّلهم. نريد له ألا يضرب المَثَل السيئ بالتشبّث بالكرسي، ويكفينا وتكفيه تلك السنوات الطويلة العجاف، من quot;أنصاف المواقف، وتبرير ما لا يُبرّرquot; التي أمضاها في منصب لا يُقدّم ولا يُؤخّر.

وعليه: نأمل أن يذهب ابن الرابعة والسبعين إلى بيته بكل احترام، فهي سنّ الراحة والتقاعد، والتأمّل الوجودي الحزين فيما مضى وانقضى. ذلك أجدى له ولنا. مع علمنا أنّ أيّ أمين جديد قادم، لن يجترح المعجزات، ولن يأتي بالذئب من ذيله، وأنّ حاله ستكون مثل حال عمرو موسى وحالنا وربما أسوأ، ففي النهاية: ماذا تفعل الماشطة في الوجه العِفِش؟
ليست المسألة مسألة أشخاص، وإنما سياق تاريخي وسياسي من الهزيمة والاستنقاع والتخلّف.
ولولا محبتنا لشخص عمرو موسى، ما تجثّمنا والله عناءَ كتابة هذه السطور.