قبل سبعة أشهر، تلقّيت دعوة لحضور مهرجان ليدبري الشعري في إنكلترا، أرسلها مدير المهرجان السيد Chloe Garner...
وافقت مبدئياً من باب اللباقة، مع تنبيهي للسيد غارنر بصعوبة وتعقيد أوضاعنا في قطاع غزة. فحتى لو حصلت على تأشيرة دخول، فثمة حاجز إيرز وثمة معبر رفح، وكلاهما أشبه ب بوابة الجحيم _ يكاد لا يجتازه المرء إلا بمعجزة.

بريطانيا تمنع الشاعر النبريص من دخول أراضيها

لكن السيد غارنر وعد بتسهيل كافة العقبات وبذْل كل جهده لإنجاح الزيارة.
وعليه، توجّهت قبل شهرين ونصف، لمكتب القنصلية البريطانية بغزة، وملأت طلب فيزا الزيارة في الويب سايد، وهو طلب طويل ومرعب، يُشعرك أنك أمام عشرة محققين في الموساد لا مُحقّق واحد. أجل والله: كان هذا هو انطباعي الأوليّ وأنا أُجيب على مئات الأسئلة. ومع استيائي، قلت لا بأس. هذه إجراءات سيادية للدول quot;المحترمةquot;، ومن حقها أن تسأل كيفما تشاء.
ثم ذهبت لمكتب القنصلية بغزة، فرأى الموظف العربي [الذي كان أشار عليّ بتعبئة الطلب فوراً] أنني استعجلت، وعليّ بملأ الطلب مرة ثانية بعد أسبوعين! وهكذا كان.
عدت وأجبت على مئات الأسئلة، مستعيناً بصديق مترجم quot;طويل روحquot; يعمل مفتشاً للغة الإنكليزية بمدارس الوكالة.
ثم رجعت للمكتب، ووافيت الموظف العربي بكافة المستندات الرسمية المطلوبة، مع حوالي 430 شيكل كرسوم. إضافة إلى تصويري وأخذ بصمات الأصابع العشر.
قال لي الموظف: سنردّ عليك في حدّ أقصى بعد شهرين.
قلت له ساخراً: هل ثمة أمل؟
قال: على الأغلب، فأنت مدعو من قبل مؤسسة عريقة ومحترمة.
ولم أتفاءل.
فحدْسُ قلبي أخبرني منذ البداية، بأنني أتعامل مع جهاز أمني لا قنصلية! وبأنهم ينظرون إليّ كإرهابي إلى أن يثبت العكس. ومع ذلك، واحتراماً للدّاعين فقط، أتيت على نفسي، وواصلت الانتظار.
في الأثناء، لم ينقطع منظمّو المهرجان الأبرياء عن التواصل معي، فأشرت عليهم بإرسال رسالة توضيحية للسفارة البريطانية بالقدس، ولقد فعلوا. ثم وافوني بأجندة المهرجان، وبتواريخ قراءاتي الشعرية، وبتاريخ إلقاء محاضرة مشتركة مع الشاعرة الإسرائيلية التقدمية تال نيتسان عن quot;الشعر والصراعquot;، إلخ.
المهمّ: فعلت كل ما طُلب مني، وانتظرت. إلى أن جاءني الرفض الصريح قبل ساعات.
هذا الرفض الذي أدهش وصدمَ حتى الموظف العربي ذا الخبرة. إنها زيارتي الأولى للندن. ولا سوابق لي من أيّ نوع، فلمَ هذا الرفض وكيف يمكن تفسيره بالمنطق ولا منطق هناك، أللهم إلا كوني أعيش في غزة غير المرغوبة وغير المرحب بها؟
إنّ بريطانيا، بجرّة قلم، تشطب على كل غزة، وتعاقبنا وكأننا [نحن المليون ونصف فلسطيني القاطنين فوق ترابها] إرهابيّون!
أليس هذا الصنيع صنيعاً عنصرياً بامتياز، يأتينا من قلعة الديمقراطية واللبرالية في العالم؟
وإلا كيف نفهم الأمر.
من ناحيتي لا حاجة لكثير من التأويل: فمنذ اللحظات الأولى لدخول مكتبهم بغزة، إلى ختام الإجراءات، لم يبارحني إحساسٌ غلاب بأنني واقع في قبضة رجال أمن!
إنّ ما تصرّفت به السفارة البريطانية في القدس هو انحدار أخلاقي قبل أي شيء.
وهو استهانة بما يُمثّله شخصي المتواضع من تمثيل لفلسطين الثقافية بالمهرجان.
وعليه، أُحمّل الحكومة البريطانية سبب هذا المنع، وفي ذات الوقت أعتذر بشدّة لمنظّمي مهرجان ليدبري العريق عن غيابي quot;السياسيquot; مفهوم الأسباب!