بعد الزيارة المهمة التي اجراها الرئيس مسعود بارزاني الى كل من السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة، زار خلال الايام الماضية كل من الاردن وجمهورية مصر العربية في انفتاح كردستاني واسع على المحيط العربي الذي طالما فعل الاعلام الاسود فعلته في تشويه تطلعات الاقليم الكردستاني وشعبه نحو الحرية والتقدم وعلاقته التاريخية بالعرب شعوبا وفعاليات سياسية عبر موروث كبير من الايجابية والعلاقة المتميزة بين الشعبين المتداخلين جغرافيا واجتماعيا واقتصاديا، رغم ما فعلته انظمة مستبدة تفوح منها رائحة الشوفينية والعنصرية المقيتة واعلامها الاسود طيلة نصف قرن من حروب مدمرة للبلاد والعباد، وتشويه متعمد لقضية شعب شقيق له تاريخ طويل معفر بقوافل الشهداء من اجل قضايا العرب ونضالاتهم عبر العصور منذ تشاركوا في الارض والدين والمصير.

ومن اطلالة تاريخية على موروث الزعيم مصطفى البارزاني قائد حركة النهضة الكردية المعاصرة نكتشف ان اول لبنات مبادئه في النضال الكردي انما هو مقارعة الدكتاتورية والعمل من اجل نظام ديمقراطي يرسخ عرى العلاقات التاريخية بين مكونات العراق العرقية والقومية والدينية على اسس من العدالة والحرية والكرامة الانسانية، بعيدا عن اي شعور قومي متعصب او كراهية تمزق نسيج المكونات العرقية والقومية سواء في العراق او سوريا.

وفي ادق مراحل الصراع بين الحركة التحررية الكردية والانظمة الدكتاتورية كانت الثورة تتمتع بعلاقات وطيدة برجالات المجتمع العربي العراقي وغيره سواء على مستوى الافراد او المنظمات او الاحزاب او العشائر، ولقد اعتمدت تلك الحركة التحررية طيلة عقود طويلة من النضال الدؤوب علاقة خلاقة مع الشعب العربي ووضعت تلك العلاقة نصب اعينها لكي تكون بمنأى عن التخديش او الاساءة التي حاول النظام الدكتاتوري السابق التثقيف بها وعليها من اجل تحويل الصراع بينه وبين القوى الديمقراطية الى صراع قومي او مذهبي.

ولعله من المفيد ان نتذكر دوما تلك العلاقات المتينة بين عشائر العبيد وشمر والجبور والدليم وغيرها من عشائر العراق الكبيرة وبيوتاته التي كانت تجمع بين قيادة الحركة متمثلة بقائدها الكبير مصطفى البارزاني وشيوخ واعمدة تلك المكونات الاجتماعية طيلة سنوات الثورة وما بعدها والتي ساهمت في كثير من الاوقات في ايقاف اطلاق النار واجراء مفاوضات او مباحثات بين الحكومة والثورة، بل ومنعت اي توجه حكومي انذاك من اجل صراع قومي بين الكرد والعرب وساهمت منذ سقوط النظام وحتى يومنا هذا في افشال كثير من المحاولات الخبيثة لأشعال فتنة عرقية او قومية في مناطق الاختلاط بالموصل وكركوك وديالى رغم ما تعرض له الكرد وغيرهم من حملات ارهابية دموية لتهجيرهم من تلك المدن.

وبصرف النظر عن الاختلاف في الرأي او التوجهات حافظت الحركة ومن ثم مؤسسات الاقليم بعد الانتفاضة على علاقات ايجابية ومهمة مع المحيط العربي رغم ما كان يفعله الاعلام الاسود في كثير من الدول العربية على تشويه القضية الكردية وشن حملات معادية لاي توجه جاد من اجل بناء علاقة حميمية بين الاقليم والمحيط العربي، ورغم ذلك استطاعت الدبلوماسية الكردية متمثلة بالرئيس مسعود بارزاني ومؤسسات الاقليم الاخرى من البرلمان والحكومة ومنظمات المجتمع المدني من فتح قنوات مهمة مع كثير من الدول العربية ومنها سوريا ودول الخليج ولبنان وليبيا والاردن ومصر العربية التي تستقبل الرئيس بارزاني بصفته رئيسا لأقليم كردستان العراق.

ان نجاح الاقليم ومؤسساته في تنظيم مؤتمر البرلمانيين العرب قبل سنوات واستقباله للامين العام لجامعة الدول العربية وكثير من المسؤولين العرب رفيعي المستوى يدلل على الاهتمام الكبير بالمحيط العربي والاصرار على تمتين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية على عكس ما تذهب اليه بعض وسائل الاعلام المغرضة في ادعاءاتها وتشويهاتها لحقائق الامور هنا في الاقليم.

ويعتقد كثير من المراقبين ان جولة الرئيس بارزاني العربية الاخيرة ونجاحه في اقناع المصريين بفتح قنصلية مصرية في العاصمة اربيل* وقبلها النجاح في اقناع الاردنيين والخليجيين بتسيير اول خط جوي بين الاقليم وعمان وبعدها دبي وبيروت والبحرين ومصر، تمثل نجاحا كبيرا للدوبلماسية التي يقودها الرئيس بارزاني باتجاه توطيد اواصر العلاقات التاريخية لكردستان مع اشقائهم في الدول العربية على مستوى الشعوب والحكومات، وربما هيأت هذه الجولة اجواءً مقنعة لعقد مؤتمر القمة العربي القادم في العاصمة اربيل بعد النجاح المشهود الذي تميز به الاقليم في تنظيم كثير من المؤتمرات الاقليمية ومنها مؤتمر البرلمانيين العرب الذي شهدته العاصمة اربيل لما تتمتع به من حسن الادارة والضيافة والسلام والامن الذي يمتاز به الاقليم لا على مستوى العراق فحسب وانما على مستوى المنطقة باسرها.

ويبقى ان نقول إن جولة الرئيس بارزاني الاخيرة الاوربية والعربية بصفته رئيسا لأقليم كردستان العراق تمثل تطورا نوعيا في الاداء الدبلوماسي الكردستاني وانفتاحا مهما على المحيط العربي سياسيا واقتصاديا مما سيشجع الكثير من البلدان العربية وغيرها في المنطقة على اعادة النظر في مواقفها من الاقليم ومؤسساته الدستورية والتعامل الايجابي مع الوضع العراقي الجديد والاعتراف بشكله السياسي وخيارات شعوبه ومكوناته.


* قرار الرئيس المصري اثناء زيارة رئيس اقليم كردستان بفتح قنصليتين مصريتين في كل من اربيل والبصرة.