دليل الميدان الذي قدمه وعرضه الفريق ديفيد بتريس على القيادة العراقية المدنية والعسكرية وتبنته وزارة الدفاع- مديرية التدريب العسكري، لايتضمن في أي فصل من فصوله ( إكتمال جاهزية تدريب القوات العراقية بسقف زمني ينتهي بسنة 2020. فكيف أختمرت الفكرة وبرزت الحاجة فجأة على لسان رئيس الأركان العراقي بتحديد فترة زمنية، دون وجود دراسة وتحليل لحاجة تدريب القوات المسلحة لعشر سنوات أخرى....هل هي زلة لسان، أم تهويل للخطأ، أم مهمة إيجاد وظائف عمل للعراقيين ولأكثر من 50 ألف عسكري أمريكي؟

يسهم كثير من العراقيين، وبعض العراقيين، وفي أعلى القيادات، لأسباب قد تكون مزاجية أو مقصودة النية، يسهمون دون مبرر في أشاعة القلق والخوف والتحفيز لمغامرة عسكرية وشيكة. وتتتلقف المصادر الأخبارية وقصص السبق الصحفي التي تثير الأثارة وتزيد من القلق العام بتصدير المخاوف الى الجاهلين في العلوم العسكرية والسياسة والحياة الأجتماعية، وتفتعل بذلك العمل تشويه الصورة العراقية الحقيقية. وقد شملت هذه الصورة المأساوية مؤخراً الجيش العراقي وعقيدته العسكرية في الإدارة والتجهيز والتدريب. ومن الضروري أن نفهم، مع حرصنا على تمتين العلاقات مع الولايات المتحدة بتكافؤ الأرادة، فأنه ليس كل مايقوله ضابط أمريكي يُمرر معتقداته الخاصة عن الأستعداد القتالي للقوات العراقية صحيحاً ويجب أن نقلده عملاً وتصرفاً، فالقيادة الأمريكية مازالت تلعق بذيول الفشل التي رافقت عملية تحرير العراق من طغاة الدكتاتورية والتي تتبارى الإدارات في تبريره.

وبدايةً، لا صحة أطلاقاً بأن quot; جاهزية الجيش العراقي لن تكتمل ألا بحلول عام 2020quot;، كما ورد في تصريحات رئيس الأركان العراقي.
ولغرض عدم الإستخفاف بخبرته العسكرية فأننا نشير الى فصول كتب التدريب الغربية والشرقية التي تنقض ماتوصل اليه، كما ينقض دليل الميدان العسكري الأمريكي المستخدم في تدريب معظم الجيوش العربية السقف الزمني الذي ورد في التصريح، والذي ينقضه العديد من ذوي الخبرة في صفوف الرتب العسكرية العراقية من ضباط الجيش العراقي. وقد يكون من المهم المساهمة في تبيان بعض هذه النقاط وطرحها للنقاش وأستخلاص مغزى التصريحات المتسرعة الصادرة عنه والتي تتعارض مع أقوال السيد نوري المالكي الاخيرة ( بصفته السياسية الحالية) عند لقائه مع وفد الكونغرس الأمريكي التي صرح فيها: quot;نريد تعميق العلاقات ضمن إتفاقية الإطار الاستراتيجي لأن المرحلة العسكرية انتهت بنجاح من خلال إتفاقية سحب القوات التي كانت متميزة من خلال التطبيق الصحيح والإلتزام من قبل الطرفين ولدينا الرغبة في تطوير العلاقات في الجوانب الإقتصادية والزراعية والتجارية والعلميةquot;.

Iraq's Army Chief Babakir Zebari believes his army will not be ready until 2020
Photo: AP
وليس الغرض هنا الأستخفاف بالعقيدة العسكرية أو التقاليد المتعارف عليها بين جيوش العالم وإنما التساؤل يكمن في الإعتقاد القطعي quot; بأن السقف الزمني لتهيئة قدرات وكفاءات العراق وتدريب القوات يحتاج الى 10 سنوات أخرى quot; ويكمن في الرقم السحري لسنة 2020.
وللمسؤولية أقول بأنه قد يكون ماقصده رئيس الأركان، الذي أصطف الى جانبه قائد أمريكي، هو الحاجة الى المستشارين الأمريكيين في دعم نمو القوة العسكرية العراقية وأكتمالها بعد 10 سنوات من الآن. أما أذا كانت هذه التصريحات حركات أمريكية نفهمها ولكن يجهل مغزاها وغموضها طرفا العلاقة، فهذا شأن أخر.
إن العقول التي يجري تهيئتها لحرب رابعة أو حملة عسكرية جديدة داخلية أو إقليمية تحتاج إلى الأجابة ممن يقوم بتحريك الأحداث السياسية اليومية وطرق التفكير التكتيكية والإستراتيجية. وبغض النظر من يكون على رأس السلطة الحكومية، فإني من خلال كتاباتي الناقدة الحالية و السابقة،أشير بعمومية وحيادية الى العلل والأحداث التي تدار من أشخاص في السلطة والتعريف بصحة تجاربهم أو أخطائهم دون الأساءة الشخصية إليهم والى معرفتهم وخبرتهم المهنية.

فمثلاً، تجربة إقليم كردستان في تدريب قوات البيشمركة وتكتيكها القتالي ونوايا القيادات السياسية تختلف في الأداء والتدريب عن تجربة تدريب قوات الشرطة والأمن العراقية، وتجربة السنوات الماضية في تدريب قوات الجيش وهيكلية وحداتها العسكرية الجديدة وتشكيلات الفرق، تختلف تماماً عن التجربتين الأخرتين بالنسبة للقيادة والسيطرة ونظم التكنولوجيا والإستخبارات الحديثة، التنظيم والتنسيق والتدريب على الأسلحة المستعملة والقوة النارية، وتوزيع القوات وواجباتها ومسؤوليات القواطع العسكرية.
ويعود الإداء الضعيف في معظم الحالات الى الثقة المعدومة في نوايا الأطراف في ظل نظام فيدرالي وتوزيع إقليمي سكاني للمحافظات العراقية التي قد تجعل مفهوم التجربة العسكرية العراقية عرضة للنقد والتحليل نظراً للتوزيع السكاني وإعادة توزيع الأدوار بين القيادات العسكرية. وعند كتابتي للنقد المبسط الذي نشرته في إيلاف عن كون quot;الإرادة العراقية مُعلقة في عواصم القرارquot;، كنت أعني ما أقول في إشارة إلى هناك عوامل أخرى تدخل في تخطيط العمل الأستراتيجي نظرأً لِما يمر به العراق من صعوبة في ترجمة أرادته وقرارته من الداخل.

في لقائي مع ضابط عراقي كان قد أُرسل في مهمة تدريبية خارج العراق، وهو مِن مَن أحترف الحياة العسكرية والمهنة كواجب قبل وبعد التغيير السريع لعام 2003، وجدتُ الكثير من نقاط الإتفاق بيننا، خاصة ما يتعلق بفهمه للتكتيك والإدارة وتحليله الصائب والدقيق لفترات التدريب العسكري وتأكيده بالنسبة لمددها بالنسبة إلى خصوصية أي وحدة عسكرية بأنها يجب أن تأخذ سقفاً زمنياً لا يتجاوز 6 الى 12 شهراً، وليس 10 سنوات لإتمام جاهزيتها القتالية. وتضمن إيضاحه تفاصيل وبيانات منشورة في الدليل الميداني لأساليب التدريب الحديثة دون التطرق إلى تصريحات قادة وزارة الدفاع الأخيرة التي طابقت في معانيها العامة تصريحات أمريكية إعلامية ملغومة الغرض والنية.

إن تاريخ عسكرة العراق والتدريب على السلاح كان الرمز المميز للأنظمة السياسية العراقية السابقة خلال أزمات الثقة التي أدت لشراء ذمم وولاء طائفة أو قومية لخوفها من الطوائف الوطنية الأخرى أو لأخافتها وتضليل تفكير القادة العسكرييين الحرفيين بسموم نشرات المكاتب العسكرية الحزبية التي وُظفت لخدمة إرادة الحاكم وإرادة الأجنبي....وأزمات الثقة التي كانت سائدة قبل أربعين سنة ومازالت تسود وتستحوذ على التفكير العسكري للبعض لحد اليوم.

لذا فإنّ فارق الإختلاف بين القيادات العسكرية والمدنية يتعلق بما يريدون أنجازه بتطبيق الأستراتيجية (السياسة العامة للدولة وأهدافها ومسارها المخطط لها) وديناميكية تحقق أستقرار البلاد للتوجه إلى الحقول العلمية والتكنولوجية (المهملة) وبناء العراق الحديث وتوظيف طاقات أبنائه دون اللجوء إلى مغامرات القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها في حروب داخلية أو أقليمية.

باحث سياسي وأستاذ جامعي