حوار الطرشان بين المجلس العسكري الحاكم في مصر والقوى السياسية لن يفضي إلى نتيجة ملموسة، ما لم يُشرك شباب الثورة في هذا الحوار، فحركة 6 ابريل قالت إن اللقاء لم يحقق الحد الأدنى من المطالب التي اتفقت عليها القوى السياسية في جمعة quot;استرداد الثورةquot;، واقتصر الأمر على دراسة إلغاء قانون الطوارئ، وتعديل المادة الخامسة من قانون الانتخابات بما يسمح للأحزاب والأفراد الترشح على النظام الفردي، وتفعيل قانون العزل السياسي لقيادات ونواب الحزب الوطني.

وبات من الواضح أن المجلس حسم أمره منفرداً في أربع قضايا رئيسة، ولا يبدو أنه سيتراجع عنها على الرغم من رفض معظم القوى السياسية وهذه القضايا هي :
أولا:الإصرار على انتخابات برلمانية تجرى وفق نظام يجمع بين القوائم النسبية والنظام الفردي.
ثانيا: رفض منح المصريين المقيمين في الخارج حق التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

ثالثا: العمل بقانون الطوارئ.
رابعا: تفعيل قانون استقلال السلطة القضائية.
والحقيقة أن هذه الموقف من جانب المجلس العسكري ليست غريبة، فقد جاء أعضائه إلى الحكم من على يمين النظام السابق، وهم يسيرون على نفس النهج في التفكير وبالتالي فإن هذه المواقف تعكس نمطاً في التفكير السياسي لا يختلف كثيراً عن نمط تفكير النظام السابق، وما يزيد الطين بله تبريرات يسوقها المجلس تقول إن اعتماد القائمة النسبية فقط ينطوي على مخالفة دستورية على اعتبار أن ذلك يعد تمييزا بين مرشحي الأحزاب الذين تناسبهم القائمة النسبية والمستقلين اللذين سيلجأ معظمهم إلى النظام الفردي، وفي قضية تصويت المصريين في الخارج، يخشى المجلس العسكري أن يؤدي إتاحة الفرصة لملايين المصريين في الخارج إلى تقليل فرص مرشحه للرئاسة، على الرغم من أن المادة السابعة من الإعلان الدستوري تنص على أن الجميع أمام القانون سواء، ويمكن الأخذ بالتصويت الالكتروني لحل هذه المشكلة، أما موقفه من العمل بقانون الطوارئ فيستند إلى أن القانون معمول به من العام الماضي، وأوضاع البلد تتطلب استمرار العمل بهذا القانون وهذا يخالف رؤية خبراء القانون بأن قانون العقوبات يكفي، كما أن المادة ٥٩ تشترط أن يكون إعلان حالة الطوارئ لفترة لا تتجاوز ستة أشهر، ولا يجوز مدها إلا بعد موافقة الشعب على ذلك في استفتاء عام.

واعتقد أنه حان الوقت لمعالجة هذه القضايا، فالشعب الذي قام بأعظم ثورة في التاريخ لابد أن يكمل المشوار، وهو غير مسئول عن الإخفاقات في إدارة المرحلة الانتقالية من جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة شرف، فبعد أكثر من ثمانية أشهر من ثورة الخامس والعشرين من يناير تزداد الأوضاع سوءا، فالاقتصاد المصري ينهار، ومؤشرات البورصة تشير إلى خسارة عشرات المليارات، والمستثمرون يهربون إلى مناطق آمنه، وهناك سوء إدارة لموارد الدولة على الرغم من وجود خبراء ينتظرون صلاحيات للبدء في مشروع النهضة، ولعل ما يثيره الدكتور محمود عمارة في أحاديثه يعطي الأمل في الانطلاق بمصر، والأوضاع الأمنية لاترضي أحدا، فلا يوجد امن وحوادث البلطجة تزداد ويزداد معها تخاذل الشرطة، فضلا عن الاستخفاف بالشعب ووضع قوانين دون الرجوع إليه، وكأنهم أوصياء على الشعب الثائر، والإعلام يتحدث بنفس النغمة التي كان يتحدث بها في عهد نظام مبارك بنفس الوجوه، وأموال مصر المنهوبة في الخارج لا تلوح في الأفق أي بادرة لإرجاعها، ومصر بحاجة لهذه الأموال حتى نتجنب التسول من اللي يسوى واللي ما يسواش، وكل هذه الأمور ناتجة عن التخبط وعدم وجود رؤية واضحة لإدارة هذه الفترة الانتقالية.

هذه بعض الحقائق، وليس من مصلحتنا جميعا السكوت عليها أكثر من ذلك، فالشعب أعطى الشرعية للمجلس العسكري لكي يحكم البلاد، والجيش حمى الثورة، وله كل التحية والتقدير، لكن شرعيته باتت على المحك، ومن الشجاعة أن يعترف بالتقصير والتخبط،ويسارع في إنهاء الفترة الانتقالية، ونقل السلطة للمدنيين.
لذلك يرى البعض أن الثورة تاهت، وخرجت عن المسار، والتفكير جديا في استعادتها واجب وطني، وإعلاء مصلحة مصر يجب أن يكون الشغل الشاغل لكل القوى السياسية وليست المصالح الخاصة قبل أن تتوه منا مصر وساعتها قد يصعب استرجاعها ويكون الندم يوم لا ينفع الندم.

إعلامي مصري