في مقابلته مع قناة ايه بي سي الأميركية فضح بشار الأسد نفسه ونظامه أمام العالم ككاذب من الطراز الأول. وعندما ادرك النظام خطورة هذه الأكاذيب وتداعيتها استخدموا ناطق باسم وزارة الخارجية ليبرر ويفسر ويدافع ويتهم ويحلل الأكاذيب في محاولة بائسة لتصحيح وانقاذ ما يكمن انقاذه من ركام الكارثة الاعلامية الناتجة عن تخبط وصبيانية في التعامل مع اسئلة المذيعة الشهيرة باربرة والترز. ووصفت الصحافة البريطانية مقابلة الرئيس السوري التلفزيونية بالفاشلة وقالت quot;كذب بشار الأسد وسقط في الامتحانquot;. أين خبراء الاعلام والعلاقات العامة في النظام السوري واين المستشارين لكي يعلموه كيف يعالج المقابلات الاعلامية. الاعلام سلاح خطير واذا تم اساءة استعماله سيأتي بنتيجة عكسية ويكون أكثر تدميرا من السلاح العسكري.

كانت هذه المقابلة فرصة رائعة له للاعتراف بالاخطاء والاعتذار للشعب السوري وطرح مبادرة للتغيير السلمي والتنحي بطريقة مشرفة ووضع برنامجه الاصلاحي على الطاولة وامام الملأ. ولكن ما سمعه العالم هو سلسلة من الأكاذيب والانكار والتهرب والتنصل مما دعى المراقبون الى الاستنتاج انه فقد السيطرة ولا يريد ان يقبل او يصدق ما يحدث في سوريا من اراقة دماء وتعذيب وقتل وحصار للمدن والاحياء السكنية. هذه استراتيجية النعامة ونعرف ما يحدث للنعامة عندما تضع رأسها في الرمال.

وعندما أدرك النظام في دمشق خطورة السقطة الاعلامية الناتجة عن مقابلته التلفزيونية الفاشلة بادر الناطقون باسم النظام باعادة تفسير ما قاله لتخفيف وطأة الضرر وكيل الاتهامات للمحطة الأميركية بتحريف ما قاله رغم تواجد اشرطة تسجيلية لما قال وتثبت انه وقع في فخ ما يسمى quot;كارثة العلاقات العامةrdquo; وما يطلق عليه باللغة الانجليزية Public Relations Disaster

لا يزال بشار الأسد يواصل منهج الكذب والخداع والمراوغة. ورأينا كيف تنصل بشار الأسد بكل وقاحة من مسؤوليته عن العنف والقتل في سوريا وقال انه لم يصدر اي اوامر بقتل المحتجين وقال ان قوات الأمن ليست ملكا له. اذا كان هذا الكلام صحيح فمن هو المسؤول؟ هل رئيس الجمهورية مجرد صنم او متفرج عاجزعلى هامش الأحداث؟ فاذا كان الأمر كذلك فقد أدان رئيس الجمهورية السورية العربية نفسه وأعلن عن عدم صلاحيته لرئاسة الدولة وعليه ان يتنحى. ونسأل هل هذا التصرف استغباء لعقول الناس ام ان بشار الأسد كاذب وناكر للحقائق من اجل الهروب من المحكمة الدولية ومن محكمة الشعب. وحتى الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية وصف كلام بشار الكاذب بأنه استخفاف في عقول الناس. بشار يهرب للأمام للتبرؤ من دم السوريين قائلا انا لست المسؤول عما يجري. وقد تهكم الاعلام البريطاني على اجوبة الرئيس السوري الغير مقنعة. سكاي نيوز وصفت قوله ان القوات التي تقتل المحتجين ليست تابعة له بالستار الدخاني ((smoke-screen ووصفت الصحف كلامه بالأكاذيب من كاذب متمرس على المراوغة والتضليل. وفي المقابلة ذاتها وصف الرئيس السوري الأمم المتحدة بمؤسسة فاقدة للمصداقية ونسأل الرئيس هل يتمتع نظامكم بذرة مجهرية واحدة من المصداقية الذي كذب على الاتراك وعلى الروس والصينيين والأمين العام للأمم المتحدة بانكي مون وكذب على فرنسا والولايات المتحدة وعلى الجامعة العربية وعلى الاعلام وعلى الشعب السوري.

بدأت اشك في مقدرة بشار الأسد العقلية على التمييز بين الخطأ والصحيح. واستغرب انه لم يستوعب الدرس من خبرة زملاءه في الدكتاتورية صدام حسين ومعمر القذافي اللذان كذبا وهددا وتوعدا وسقطا وهلكا وانتهى بهما المطاف في حفر ومجاري. بشار الذي اعتمد على الكذب كمنهج واستراتيجية سياسية يسيء قراءة نوايا المجتمع الدولي. وها هو يكرر نفس الاخطاء تارة بالكذب العلني كما فعل في المقابلة التلفزيونية الأخيرة وتارة بالابتزاز والتهويل مما يشير الى انه وصل حافة الهاوية وليس امامه سوى خيارين الأول مواصلة الكذب والتضليل والخداع والمراوغة والتعنت وحملة القمع والقتل اي الحل العسكري العنيف وهذا خيار الانتحار والخيار الآخر التنحي والاستقالة وافساح المجال للمعارضة بأن تشكل حكومة جديدة تشرف على انتخابات نزيهة والانتقال الى الديمقراطية.

هناك من يعتقد ان بشار الأسد لا يكذب ويراوغ فقط بل يسعى لاشعال الفتنة لتأجيج حرب اهلية لكي يشتري الوقت ويبرر استعمال المزيد من القوة العسكرية وارتكاب المجازر من اجل اخماد الاحتجاجات بقوة عسكرية مفرطة واخضاع الشعب السوري لأربعين عام اخرى من الحكم البعثي الارهابي. هذا ما يقوله محللون ومعارضون سوريون.

بشار يكذب ليحمي نفسه من غضب الشعب ومن المحاسبة الدولية فهو محشور في زاوية ضيقة ويشعر باليأس والاحباط والغضب لذا سيهدد ويبتز ويكذب. بشار الأسد يريد البقاء في السلطة لأربعين عام اخرى ولكي يحقق هذا الهدف يطلب من العالم أن يسكت ويترك بشار وعصابته لتسحق الاحتجاجات بالقوة العسكرية وقتل عشرات الالوف من السوريين. بالنسبة له البقاء في السلطة هو اهم من سوريا وأهم من الشعب السوري.

بشار في أزمة وفي مأزق ومحاصر ولا يدري ماذا يفعل. لذا خرج علينا قبل عدة اسابيع ليخيف العالم من افغانستان جديدة وأنه ينوي ان يحرق المنطقة ويخلق زلزازل ودمار. الكذب والمراوغة ليس حكرا على بشار الأسد بل وزير خارجيته الظريف وليد المعلم راوغ وكذب وهدد ووعد بمسح اوروبا من الخارطة وعرض على الملأ فيديوهات مفبركة ولا شك انه سيهدد بمسح اميركا الشمالية من الخارطة ايضا رغم عجز نظامه عن اطلاق رصاصة واحدة عبر حدود الجولان السورية المحتلة منذ 1973.

لغة بشار الأسد مع المحطة الأميركية هي لغة الانتحاري اليائس الذي وضع نفسه في حيز محكم لا يستطيع الخروج منه. لا شك ان النظام في أزمة عميقة وأوقع نفسه في حفرة ولكنه غير قادر على الخروج منها لذا يتخبط ويحفر بعشوائية لايجاد مخرج. هناك مثل انجليزي يقول quot;اذا وجدت نفسك في حفرة عليك ان تتوقف عن الحفرquot;. الكذب والمزيد من الكذب سوف لا ينقذ بشار وعصابته من مصير مظلم. وعليه ان يختار حل الاستقالة والخروج من سوريا ام يبقى ويواجه مصير معمر القذافي.

اذا كان بشار الأسد يعول على ايران فهو مخطيء. حيث من غير المحتمل ان تجازف ايران بأي عمل عسكري يعرض مصلحتها للخطر علما انها لا تزال مستهدفة اميركيا واسرائيليا بسبب برنامجها النووي. اما حزب الله فهو ليس من الغباء ان يجازف بحرب مع اسرائيل قد تؤدي الى حرب تدمر لبنان وحزب الله معا من اجل حماية عصابة البعث الحاكمة في دمشق.

التلاعب والكذب واللف والدوران لم يعد ينطلي على أحد حتى ان نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية سئم وضجر من مناورات دمشق. لا أحد يصدق النظام ولا احد يصدق بشار او وليد المعلم حتى لو قاما بتأدية القسم على جميع الكتب السماوية. الكاذب سيقى كاذب ولا يتغير والمجرم سيبقى مجرم وسوف لا يتغير. وأنهي بالمثل الأميركي الذي استخدمه باراك اوباما اثناء الحملة الانتخابية عام 2008 ليصف منافسته الجمهورية سارة بالين عندما قال quot;وحتى اذا تم تطبيق كميات كبيرة من الماكياج على وجه الخنزير واحمر الشفاه على شفتيه سيبقى خنزيرا.quot; ومهما فعل بشار الاسد وقال سيبقى مجرما وملاحقا وعليه ان لا يلوم احد سوى نفسه وغروره.



لندن