تترقب السلطة و المعارضة السورية الحدث الاستثنائي ذاته، تترقب الحدث الذي اجتاح الشرق الأوسط ليحرره من عقود من القمع و الظلامية، الحدث الذي سيقلب سوريا و المنطقة رأسا على عقب، تترقب اللحظة التي ستنطلق فيها شرارة المظاهرات في سوريا؟ كيف واين و متى؟ كل هذه الاستفهامات متروكة لوقتها الخاص الذي سيأتي حتما مباغتا و عاما و حاسما. لن يتأخر أوان الحدث الحلم، و لن نساوم على نتائجه أو حدوده، فالأمر يتعلق بكرامتنا و بنزعتنا التحررية الشابة. لذلك سيحدث ما سنقوم به، تماما على خطى البوعزيزي الحر، لنكمل مسيرته و نحمل عنه شعلة الحرية. لذلك ستدق ساعة الصفر التي يترقبها الجميع، فكيف ستكون ردة الفعل.؟ بالنسبة إلى السلطة التي احتكرت الوطن وحولته إلى مزرعة خاصة محكومة بنظام البعث الاقطاعي، سيتصدى كأي نظام لاشرعي لنا، و سنتصدى له و ننتصر. أما بالنسبة إلى المعارضة التي رمت بنردها على صفحات التواصل الاجتماعي الإلكترونية، فإنها إلى الآن تنتظر و لا تتحرك أكثر من ذلك، و كأنها لا تصدق بأننا شباب الحرية سنتحرر، لذلك لم تتقدم حتى اللحظة بأي مشروع وطني بديل أو انتقالي للمرحلة القادمة. علينا أن نتهيء لكي لا نضيع بعد إنهاء حكم البعث، علينا أن نحدد اتجاهنا و خياراتنا الوطنية بعد الخلاص من حكم الطغمة الفاسدة، فما هو المطلوب من المعارضة السورية لكي تكمل عمل الحركة الشبابية التي بدأت بأولى التظاهرات..؟

توجد مشاكل ميدانية في المعارضة، كوجود معظمها خارج سوريا، و ضعف استخدام النيت داخل سوريا، و الرقابة الذاتية لمستخدم النيت في الداخل، بحكم الرقابة المخابراتية على مستخدمي النيت داخل سوريا، لكن ذلك لا يغير في إرادة الشباب شيئا. لقد حسم الأمر و موضوع التحول مجرد وقت. لعبت الاتصالات الاكترونية دورا محوريا في ثورتي تونس و مصر، أما في ليبيا فكان الإعلام الفضائي صاحب المبادرة في رفد الشباب بالطاقة التحررية، و سيكون الوضع في سوريا مشابها لذلك، رغم أن الشباب السوري حدد آليات عمل أخرى لتنسيق فعاليات الثورة.

بالمحصلة السلطة السورية التقطت رأس الخيط او لنقل ادركت بان مسألة مجموعات المعارضة على الفيس بوك و التويتر لا خوف منها بل ان السماح بالدخول لهده المواقع سيسهل عليها التقاط العناصر الشابة المشاغبة في الداخل وبالتالي التخلص من خطر هذه العناصر التي ستقوم بدور النشر والتنظيم في حال قيام الثورة التي ستنطلق حتما من حادثة بسيطة مثل حادثة سوق الحريقة و ليس عن طريق الانترنيت والفيس بوك. بناء عليه التعليمات كانت صارمة لكل العناصر الامنية بان يتعاملوا مع الشعب برفق و ممنوع الضرب والاعتقال بهده الحالات باي شكل من الاشكال بل وقامت الدولة بإرسال وزير الداخلية ليحل المشكلة فورا قبل ان تندلع وتسبب بكارثة لنظام الحكم (سوق الحريقة، انهدام منزل في دمر). كما تم اصدار تعليمات مشددة لكل الفروع الامنية بتقليم اظافر عناصرها وخير دليل على دلك تجمع الشعب الكردي في مقبرة قدوربك لإحياء ذكرى شهداء انتفاضة 12 آذار بمدينة القامشلي. بنفس الوقت يجب الأخذ بعين الاعتبار ان السلطة لا تعلم إلى كم من الوقت سيلتزم عناصرها بهده التعليمات كما انها لا تستطيع قمع شهية كل ثعالب الفروع الامنية تجاه قتل الشعب بلا مسئولية، فالطوارئ أباحة يد القتل المخابراتية في الحالة الشعبية الممقموعة، فالثعلب لن يصوم ابد الدهر ولن يتحول الى حيوان عاشب وبالتالي السلطة في حالة ترقب وخوف دائم من قيام احد ثعالبها بخلق اي مشكلة بسيطة في سوق ما، لتبدا شرارة الثورة. إذا عامل قيام الثورة يظل قائما وبشكل مفاجئ ولكن السؤال المهم هو أين موقع المعارضة السورية من كل هذا؟

من خلال الاطلاع على مختلف مواقع المعارضة بكل اطيافها نستنتج إنها في واد والشعب في واد اخر لأنها لاتزال تنادي بشعارات وتقترح برامج اكل عليها الزمن وشرب. يمكننا القول ان شعارات غالبية هده الاحزاب هي بالحقيقة شعارات اما جوفاء واما اكبر من وزنها و يمكن مقارنتها لحد ما بحلم حزب البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية. فعلى سبيل المثال بين 13 حزب كردي معارض هناك بعض الاحزاب التي تنادي بالفدرالية ! وبعض الاحزاب القومية ترفض صيغة الجمهورية السورية بدل الجمهورية العربية السورية ! واما الاحزاب اليسارية وبشكل خاص بعض الشيوعيين فهم نادوا بتأميم شركات الخلوي علما بان العقود هده الشركات هي من حيث المبدأ عقد B.O.T. ! كما ان الاحزاب الاسلامية لم تقدم اي افكار جديدة ! كل هده التيارات تجمعها هدف واحد وهو تحرر سوريا من الظلم ترسيخ ومبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات. لكن يبدو انها غير مستعدة للتنازل عن احلامها. وهنا نتمنى ان يكون لديها اجوبة على بعض الاسئلة. الأحزاب الكردية من جهتا، تؤكد في معظمها على المسار الوطني السوري لنضالها التحرر، لكن شعاراتها متباينة و أفعالها الميدانية أقل من حجم المرحلة التحررية التي تمر بها المنطقة، رغم عدد القيادات الكردية التي زُجَّ بها مؤخرا و منذ سنوات في السجون، غير أننا نتحدث عن حقبة تحررية، وبالتالي عن أستراتيجات عمل ميدانية أكثر واقعية و أقل تشتتا. أما المعارضة العربية بجميع تعيناتها، فإنها إلى الآن لم تفتح باب الحوار الوطني الحقيقي، الذي يعيد صياغة الدستور السوري،و يفكك جذريا مفهوم المواطن و الوطن السوري. خصوصا انا حكم البعث جرد سوريا من هويتها الوطنية، بتحويل البلاد إلى ملكية طابو على الشعب الحزبي أو العرقي العروبي. لذلك نرى بأنه منواجب المعارضة العربية أن ترقى بفكرها و بعملها الميداني إلى مستوى الطموح و التحديات الاستثنائية الراهنة. فهذه الظروف هي فرصة تحررية علينا أن نستثمرها إلى أقصاها، لكي نجني أكبر قدر ممكن من الثمار التحررية.

اما الرفاق اللذين طالبوا بتأميم شركات الخلوي المملوكة لعائلة مخلوف خال بشار الأسد فإنهم ربما نسوا بانهم كانوا طرفا في توقيع عقد الاستثمار حتى عام 2015 باعتبار انهم احزاب جبهة وطنية وشاركوا بشكل او بآخر بسجن السادة رياض سيف وعارف دليلة و مأمون الحمصي الذين تجرأوا وطالبوا بعقد مناقصة حقيقة حرصا على موارد الدولة؟ الم تثبت كل شركات القطاع العام فشلها بدولة متل سوريا؟ الا ترون ان مطلبكم هذا اكبر بكثير من وزنكم السياسي؟ واخيرا لمادا وافقتم بالأساس على هده العقود واليوم تقفون ضدها؟ لا يوجد أمام قتل الناس موقف أكثر عبثية من موقف الشخص الذي يؤكد بيد ما يرفضه باليد الأخرى. أما بالنسبة إلى الأحزاب الإسلامية، فإنها إن لم تقدم خطابا عصريا مدنيا، و إن لم تؤكد احترمها و التزامها بالحريات المدنية و السياسية المعترف بها حقوقيا على نطاق العالم المتمدن، و إن لم تنزل بمؤيديها إلى الشارع لتشارك في الحراك الشبابي التحرري، فإنها ستتحمل مسؤوليتها التاريخية جراء بقاءها في الخارج و عدم تطويرها لخطابها المدني الموجه إلى المختلفين عنها دينا و فكرا.

بالنتيجة يتبين بان هناك فرق شاسع بين الشباب السوري الدي يحاول بكل الاشكال ردم الفجوات بين اطياف الشعب السوري وبين اطروحات بعض هده الاحزاب التي لا زالت (مثل النظام) تعيش بزمن الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

كل المقدمات الضرورية متوفر في الشباب السوري لإنجاز ثورته الحتمية التحررية. و السؤال يكون في حال قيام الثورة. كيف وماذا سيكون دوركم الثوري؟ ومادا تنتظرون؟ ولنفترض ان هده الثورة نجحت. هل هناك برامج للمرحلة الانتقالية؟ و متى سنبدأ العمل على تنظيم العمل و الحوار حول المرحلة الانتقالية المقبلة بعون الله.؟ إن الوقت رهاننا، و علينا ألاّ نتأخر على وطننا السوري المغتصب.

أيه السادة. شباب سوريا ليس لديه اية حساسية من أن يكون الرئيس الانتقالي من احفاد سلطان الاطرش او صلاح الدين الايوبي او صالح العلي او انطوان سعادة او عبد الرحمن الكواكبي...الخ، لآنه يأمن بسوريا ديمقراطية و وطن لجميع اطياف الشعب السوري. فهل انتم مستعدون لتغيير برامجكم والالتفاف حول هدا الشباب وقيادة البلد نحو بر الامان، ام ستبقون على خلافاتكم وبدالك تخدمون السلطة اكثر من اي وقت مضى.

اليوم الدور الوطني المطلوب منكم هو الاجتماع و الاتفاق على اهداف محددة وواقعية وواضحة ومن ثم التوجه نحو الشارع السوري لطمأنته و توجيهه وبدلك ستقومون بنزع كل الاوراق من يد السلطة وستكسبون الشعب السوري.

لقد انتهى زمن الأيديولوجيات وحان وقت الالتفاف نحو الشباب ومهمتكم اليوم ان تجتمعوا و تتفقوا على ميثاق شرف وتوحدوا خطابكم بمساندة الشعب السوري في محنته وان تكونوا عوننا للثورة التي ستندلع عاجلا ام اجلا. فانتم الان كقوى معارضة ان لم تتفقوا فيما بينكم وتوحدوا اهدافكم وخطابكم، كيف سيكون الحال ان استلم البعض منكم السلطة؟ أيها الشباب الحر في سوريا، قم شامخا بثورتك التي لن تقوى إن صممت على الحرية قوى الظلم أن تردعك، و لن يقف شيء في وجه حريتنا التي هي أساس كرامتنا. لنتحرر. لنعمل معا على التحرر الظلامية. إنها لحظتنا، فلنغتنمها كاملة.