قبيل الدخول في مناقشة موضوع المقالة ينبغي ؛ أولا ؛ تعريف مصطلح (المتلازمة) ( سندروم). فهذا المصطلح العلمي قد شاع إستعماله في مجال الطب مثلما في غيره من المجالات الفكرية والسياسية والثقافية والإجتماعية والنفسية ، وصار يقدم للباحث والمتتبع الكثير من ألأسباب والتفسيرات عن سلوك الناس عموما وسلوك الحكام وبطاناتهم وأتباعهم على وجه الخصوص.
فالمتلازمة هي مجموعة الأعراض المرضية المعقدة التي تظهر على المريض فتشير الى مرض اوعلة معينة. وهي أيضا مجموعة المشاعر والسلوكيات وألأفعال وألأفكار الظاهرة التي تصف شخصا ما او معضلة إجتماعية معينة. لذا فان اللجوء اليها في موضوع خطير كموضوع هذا المقال أمر يتماشى وطبيعة ألأمراض وألعلل والعاهات التي باتت تفتك بالأنظمة العربية وبالكثير من حكامها وبالنخب الطفيلية على إختلاف تخصصاتهم وانتماآتهم وعقائدهم السياسية ؛ يأتي في مقدمتها الإستبداد في الحكم وتوريثه ؛ والبطش والفساد وألإرهاب ؛ وإحتقار الشعب والفئات ألإجتماعية الأدنى ؛ والإستهانة بحقوقها الشرعية في الحرية والدمقراطية والعدالة الإجتماعية ؛ في مقابل الإستخذاء للآخر القوي والخوف منه والتبعية له. وكذلك حب السلطة والمال والجاه وحياة الترف والإيغال في الجنس..... الخ. وهي في معظمها من مخلفات عصور الجاهلية وعهود ألإحتلال المغولي والتركي والفارسي والأوربي. ثم جاءت النظم العربية الدكتاتورية لتكرس وتعمق من تأثير تلك العلل والمتلازمات في المجتمع. هذا فضلا عن قيام تلك ألظروف مجتمعة بكسر شوكة الكثير من الناس ومسخ شخصياتهم وإضعاف نفوسهم وسلب حقوقهم وحرياتهم وكراماتهم وإراداتهم في العمل ألإبداعي الحر. وزرعت في نفوسهم البعض شتى الإنحرافات النفسية والإجتماعية والخلقية التي نراها اليوم متفشية على نطاق واسع نسبيا بين القادة والحكام وبطاناتهم المنحرفة. من ذلك مثلا إستباحة المال العام وخيانة الأوطان وخدمة إلإحتلال والنفاق السياسي وضعف الحس القومي والوطني او غيابه تماما ؛ وإدارة الشأن السياسي من خلال التكتلات الإثنية والدينية والمذهبية والحزبية والإجرامية. وتسويق المسائل الغيبية ونشر الطقوس الدينية والإجتماعية الشاذة ؛ والترويج للخزعبلات والترهات وإعتبارها من المعجزات المقدسة.
والحقيقة ؛ فأنه لا يمكن تبيان خطورة وسعة إنتشار ذلك الفساد وتلك الإنحرافات إلا بعد مقارنة مجتمعاتنا البائسة بمجتمعات متقدمة او شبه متقدمة ؛ مقارنة علمية مبنية على معطيات وإحصاآت موثقة ودقيقة. ومعروف ان الظروف السياسية والإجتماعية والنفسية التي عاشها الشعب العربي تحت ظل الإحتلال اوالطغيان قد فعلت فعلها في صوغ شخصيات الناس وشكلت نفسياتهم وأخلاقهم بما يتلاءم وأجواء ألإحتلال ؛ حتى أفرزت مجموعة المتلازمات النفسانية والإجتماعية المرضية المذكورة في عنوان المقال. فقد قسمت الناس الى فصائل ؛ منها الطفيلي والمأجور ومنها من صبر وأنتظر وما يزال ينتظر؛ وهم الغالبية العظمى ؛ ومنها من قاوم المحتلين والطغاة وحافظ على ثبات شخصيته وعقيدته وقيمه الخلقية واستقلاليته في التفكير وهم المناضلون ألأحرار الذين نرى اليوم أبناءهم يجوبون الشوارع ؛ موسومين بدمائهم وهم يرفعون رايات الحرية عاليا.
لكن الذي جعل أحوال ألأمة في غاية السوء والتعقيد هو إصابة الكثير من العرب الذين تمكنوا من الإستحواذ على السلطة بالعلل وألأمراض العقلية والنفسانية الخطيرة فحولتهم الى مخلوقات منحرفة وشاذة ( اكسينترك). نذكر منها كنماذج: مركب النقص (إنفيريورتي كومبليكس) والعُصاب ألإجرامي (السايكوباثي) وعبادة الشخصية ( بيرسونالتي كالت) وعشق الذات (النرجسية) والشك في الآخر (البارانويا) والقسوة المفرطة (السادية) وانفصام الشخصية (الشيزوفرينيا) والهستريا ؛ وسواها من أمراض مماثلة. وتتفاوت شدة تلك ألأمراض بين حاكم وحاكم وبين تابع واخر؛ وهو ما نشاهده على ارض الواقع. وقد زودت تلك الأمراض الكثير من هؤلاء الزعماء بالطموح اللامحدود وبروح المغامرة وركوب المخاطر التي مكنتهم من الإستحواذ على السلطة بالإنقلابات العسكرية والبطش وسفك الدماء ؛ وبالتعاون مع ألأعداء أحيانا. تلك الصفات السيئة التي أورثوها من بعدهم الى أبنائهم مع عللهم وأمراضهم ومتلازماتهم؛ حيث نلاحظ ذلك جليا على سلوك الحكامالعرب وذلك خلال الخمسين عاما الماضية.
ولم نشأ ان نبحث هذا الموضوع الخطير من زاوية طبية اوعلمية بحت اومن منظور كمي؛ ذلك لكونه يدخل في نطاق التخصصات العلمية الدقيقة التي لها آلياتها ومنابرها الخاصة ؛ وإنما سنقاربه من البوابة العلمية الوصفية الواسعة؛ راجيا من زملائي ألأطباء النفسانيين وعلماء الإجتماع ورجال القانون والقضاء ان يبادروا الى إنشاء هيئات او لجان تتبني مشروعا متكاملا لدراسة المتلازمات والأعراض المرضية العقلية والنفسية والإجتماعية الخاصة بالزعماء والقادة العرب وكبار الموظفين والمناصرين ومسؤولي ألأحزاب السياسية ؛ ومن ثم إتخاذ النتائج المستحصلة كدليل قانوني لنزع ألأهلية عنهم كحكام وزعماء ومسؤولين؛ وحرمانهم من ممارسة العمل العام؛ والسعي المتواصل لتقديمهم الى العدالة عما إقترفوه من جرائم بحق الشعب. كما نرى ان نشر (الكتب السود) على المواقع ألألكترونية الشهيرة للتواصل ألإجتماعي او في مقرات جمعيات حقوق الإنسان تتناول السير السلوكية الإجرامية المفصلة لجميع أولئك الذين أفسدوا حياتنا الفكرية والسياسية والدينية والثقافية ؛ وذلك لفضحهم وعزلهم وشل قدراتهم على التمادي في إفساد المجتمع في المستقبل ؛ ولجعلهم يفرون من ظلالهم القبيحة فرار الجرذان.
والواقع ؛ فإن ما يجري في الوطن العربي اليوم من تنكيل وقتل وإبادة منهجية منظمة للشباب العربي الثائر الذي لم يقم بما يخل بأمن وطنه او يضر بمصالحه اوبعقيدة أمته ، بإستثناء فئات أصولية متطرفة او عصابات مدسوسة قليلة العدد هي من صنع ألأنظمة نفسها وأسيادهم ؛ وإنما تنحصر كل مطالبه في الإصلاح والتغيير في أحوال بلده وأحواله الحياتية الخاصة وبطرق سلمية لا أثر فيها للعنف المسلح. كل ذلك مرتبط إرتباطا عضويا وثيقا بتلك ألأمراض والمتلازمات التي تمكنت من هؤلاء الحكام والزعماء ومن بطانات السوء من النخب الدينية اوالمدنية اوالعسكرية الطفيلية التي كرست جميع طاقاتها لتعزيز سلطانهم الجائر وتلميع صورهم الكالحة وإطالة أمد بقائهم في الحكم لقاء الحصول على ألمال او التمتع بالجاه او لأغراض دنيوية أخرى يعرفها الناس عامة وباتوا يتغامزون ويتندرون بها. كل ذلك يتم بالرغم من معرفتهم بعلل هؤلاء الحكام وبشذوذهم وأرتباط بعضهم بالأجنبي. وكذلك كره الشعب لهم ولأنظمتهم السياسية القمعية ؛ كما أثبت ذلك الشارع الوطني.
فلو قدر لأي باحث ان يقوم بمسح ودراسة أحوال الحكم في اقطار ألأرض قاطبة وللسنين القليلة الماضية لرصد حالات إجرامية مشابهة قام بها حكام تلك الأقطار؛ كالتنكيل بشعوبهم والفتك بهم وقتلهم بدم بارد بإستعمال الأسلحة الحربية النارية او الكيميائية الفتاكة ؛ كونهم قد طالبوا بالإصلاح وبالتغيير؛ وبأساليب سلمية ، لرأينا ان معظم تلك الأقطار إما عربية أو إسلامية. أما الأقطارالقليلة ألأخرى فهي التي كانت ضحية لنظام الحزب الواحد الذي تتحكم به آيديولوجيا شمولية مستبدة ؛ كصين ماوتسيتونغ وكوريا الشمالية وميانمار وكمبوديا بول بوت وشيلي بينوشيه ويوغسلا فيا ميلوسوفيج ورومانيا شاوشيسكو وما شاكلها. وحتى في تلك الأقطارألأجنبية فان حكامها لم يجرأوا على استعمال السلاح الحربي الثقيل ضد مواطنيهم العزل ألا في حالات عابرة ما يزال العالم يستنكرها ويتذكر مآسيها بمرارة حتى اليوم. ولعل خير دليل على فشل وبطلان تللك النظم المستبدة أن معظمها قد اختفتى تماما من الخريطة السياسية الدولية.
والحقيقة ؛ فأن المرء لينعقد لسانه من الرعب ويصيبه الذهول حين يرى أقطارا عربية مثل (ليبيا) و(سوريا) و(اليمن) ؛ على وجه الخصوص ؛ وقد زج حكامها الطغاة بأسلحتهم الثقيلة في معارك حربية شاملة ضد شباب مسالم أعزل ؛ شباب من البنين والبنات ؛ ومن ألأطفال والكهول والشيوخ ؛ ممن لبوا نداء ضمائرهم الحية ووطنيتهم الصادقة في ألإصلاح والتغييرالذي يعد المحرك ألأول لنهوض الأمم ولتقدمها العلمي والتقني والصتاعي.
ويعد العقيد معمر القذافي قائد ما يسمى بـ (بالجماهيرية العربية الليبية الشعبية ألإشتراكية العظمى !) ( 1-5) ؛ أحد الأمثلة القياسية للحكام الذين ظهرت عليهم معظم ألأعراض والمتلازمات المرضية العصابية تتقدمها متلازمة الإستبداد والبطش والفساد والسلوك التهريجي. فقد قام هذا الحاكم ؛ وبمؤازرة بطانة السوء من النخب الطفيلية المعتلة التي فقدت كل القيم الدينية والأخلاقية والوطنية والإنسانية ، بإصدار ألأوامر بإستخدام الطائرات والدبابات والسفن الحربية والصواريخ وألألغام والقنابل العنقودية والغازات الكيميائية ضد السكان الآمنين وضد شبان أبرياء لا قدرة لديهم على مقاتلة جيش نظامي ؛ ولاخبرة لهم في مواجهة الحروب التقليدية ؛ وهم يتراكضون او يزحفون على بطونهم في الأزقة والشوارع ؛ أفرادا وجماعات ؛ وفي أجواء مكشوفة كانت السبب في تعرضهم الى خسائر مضاعفة ؛ وهم يرتدون ملابس شعبية بسيطة ويحملون رايات الحرية والإستقلال. وقد إلتجأ بعضهم الى دور العبادة إتقاء نيران ألأسلحة الفتاكة ؛ ولا سلاح لديهم سوى ألإيمان بالله وبالوطن والمستقبل ؛ وهم يواجهون جيشا نظاميا من الأعوان والمرتزقة ألأجانب لا قبل لهم بها.
أما الزعيم ألآخر الذي لا يقل وحشية وطغيانا عن صاحبه الليبي فهو الرئيس السوري وصاحب القهقهة المرضية الهستيرية (6) التي أطلقها أمام ما يسمى تجوزا بمجلس الشعب والتي إختلطت بصيحات وتصفيق النخب الطفيلية الفاسدة من أعضاء ذلك المجلس لتصدع سكينة أرواح الشهداء الطاهرة. فقد قام هذا الرجل الذي ورث الحكم عن ابيه العسكري العُصابي على طريقة الجاهلية والذي اختطفه بدوره بإنقلاب عسكري ومن عسكر إنقلابيين ؛ بإصدار ألأوامر لقوات الأمن والجيش النظامي بمواجهة الشباب الأعزل الذي ينادي بالإصلاح وبالتغيير ؛ مستخدمين نيران الدبابات (7 و8) والمدرعات. كما أمر مرتزقة الحزب بتسلق اسطح العمارات العالية لإقتناص المحتجين العزل وقتلهم بدم بارد ؛ وهو الذي لم يفعل مثله او أقل منه بالعدو الصهيوني المحتل الذي لا يبعد عنه أكثر من مرمى بندقية. او أن يستخدم الطائرات العمودية لإنزال جنوده على أسطح المساجد للفتك بالمحتجين الذين لاذوا ببيوت الله إتقاء النيران الغاشمة. فلو لم يكن هذا الرئيس منحرفا وعليلا لترك الشبان المحتجين والمحصورين بين اربعة جدران ؛ حتى يستسلموا بعد نفاذ الماء والطعام. او لأستخدم الغازات المسيلة للدموع لإجبارهم على الخروج. والكل يعلم بأن هؤلاء المواطنين كانوا فئة قليلة العدد لا يمكن لها ان تهدد نظاما عسكريا كان وما يزال يصفه أصحابه ونخبه الطفيلية المليئة بالحقد والإجرام بأنه من النظم (الجماهيرية الشعبية) المنيعة التي تحمي دولة حظيت بجملة أوصاف تعظيمية كاذبة مثل: (دولة الممانعة) و(الدولة التقدمية) و(دولة الصمود والتصدي) و( دولة المقاومة) و(صاحبة الرسالة الخالدة)...الخ. وهي أوصاف لايمكن أن يصدقها أحد. فهي أقرب ما تكون الى المزحة السوداء ؛ بل ويمكن عدها من (ألأضداد) التي يعرفها جيدا علماء اللغة العربية !. هذا إذا ما تم فحصها وتمحيصها في ضوء المعطيات العملية على أرض الواقع الجغرافي والسياسي. والمدهش ان الذين يرددون تلك ألأوصاف الوهمية هم من المفكرين اوالمثقفين اوألأكاديميين السوريين الذين يعملون في
الجامعات او في مراكز ألبحوث ألإستراتيجية والسياسية المزعومة. ولا يقتصر هذا السلوك الشائن على هؤلاء حسب ؛ فهو ينطبق أيضا على أمثالهم في ألأقطار العربية ألأخرى. فالأنحراف في ألأخلاق وفي السلوك لايفرق بين شعب وآخر.
ومن ألأمور المخجلة ؛ ونتيجة لإفلاس هؤلاء الحكام المرضى ؛ فقد اتهموا الثوار الشرفاء بكونهم من الإسلاميين السلفيين اومن أنصار القاعدة او من الخونة ومن عملاء ألإستعمار؛ وحتى من مدمني المخدرات. وقد تغابوا عن كونهم هم الذيين زرعوا وساعدوا تلك الحركات الأصولية التي تتوافق وأهدافهم الإستبدادية وأهداف الدول الإستعمارية في تدمير المجتمع العربي. فالقذافي كان أول من استسلم للأميركان ووعدهم بعدم القيام بما يغضبهم ؛ بعد ان كان على رأس من شجع ورعى العصابات الإرهابية الدولية. فسلمهم كافة المعدات النووية او الخاصة بصناعة الصواريخ وألأسلحة الكيميائية ؛ في تظاهرة تحمل كل سمات الذلة والمسكنة ؛ الى جانب دفع تعويضات جريمة (لوكربي) وغيرها من جرائم ؛ مما البس نفسه ونظامه مسؤولية تلك الجرائم.
اما الرئيس (الأسد) فيكفي ان مجلس ألأمن ما يزال يناور للتغطية على جرائمه الدموية؛ بل ومغازلة نظامه المستبد وعدم المطالبته بتنحيته وإسقاط نظامه المستبد ؛ كما فعل مع غيره. فقد تذرع المجلس بان إعلان الحرب على الشعب السوري الأعزل والفتك به لن يهدد السلام العالمي (كذا !). اما سكوت اسرائيل وأقطار حلف شمالي الأطلسي عن سياسته ألإستسلامية فلا يحتاج الى ذكاء. ويكفي ان القيادة السورية قد لاذت بالصمت عن تحرير (الجولان) الباسلة لأربعين عاما. بل ولم تسمح حتى بقيام المظاهرات السلمية لإبقائها حية في الذاكرة التي خلت من اي رصيد كفاحي عرفه الشعب السوري البطل. فالحزب الذي حكم البلاد سنين طويلة قد برهن عمليا على إفلاسه الفكري والإقتصادي والسياسي والثقافي. فقد عجز عن بلورة اية إستراتيجية كفاحية سلمية او نظرية إقتصادية ملائمة قادرة على وضع مشروع نهضوي عصري لبناء دولة صناعية حديثة. فحول دولة الشام العريقة التي كانت أسبق من بعض ما يسمى بالنمور ألآسيوية من حيث التقدم الصناعي والزراعي والإكتفاء الذاتي الى دولة متخلفة بائسة ؛ يلفها الفساد من كل جانب. وكل ما نجح فيه ذلك الحزب الأصولي المستبد المعمر هو التغني بالإوهام والشعارات وألأناشيد العاطفية التي لايمكن ان تصنع فطيرة زعتر.
ولا يختلف ما قام به الرئيس اليمني المريض المتخلف ضد الشباب اليمني الصاعد عما فعله زميلاه المذكوران. فقد استخدم هذا الرئيس الدبابات والمدرعات والغازات الخانقة ضد الشباب ألأعزل. كما حرض أنصار حزبه وأبناء قبيلته على الفتك بالمحتجين الذين كانت كل جريرتهم أنهم طالبوا بالحرية وبالدمقراطية وبالعدالة الإجتماعية كأخوانهم المصريين والتونسيين والليبيين والسوريين. وهي شعارات بديهية كان ينبغي على كافة الحكام العرب وبطاناتهم ان يتبنوها بعد حصول دولهم على ألإستقلال ودخولها حظيرة الدول المتحضرة ؛ ليضمنوا بذلك إستقرار بلدانهم وتقدمها وليحافظوا على إستقلالها وسيادتها واحترام الدول الأجنبية لها ولحكامها وولاء الشعوب لهم.
لقد برهن الشباب العربي الناهض على كونه أكثر وعيا وأعمق فكرا وأصدق وطنية من حكامه ومن بطانة السوء التي تحيط بهم. فلولا هؤلاء المرتزقة ألأذناب لما صمد الحكام أمام شعوبهم طويلا. فقد قاموا بما لايمكن تصديقه او إستيعابه.
فهذا ؛ مثلا ؛ عسكري يقوم بتوجيه نيران دبابته نحو السكان ألآمنين او بإتجاه المحتجين العزل ؛ وفيهم أطفال ونساء وشيوخ ؛ بدلا من توجيه تلك النيران نحو صدور حكامه او رؤوس المحتلين؟. وهذا رجل دين يتقدم بفتاوى شرعية مزعومة توجب إطاعة الحاكم حتى ولو كان ظالما باغيا. او تجيز لولي الأمر قتل الناس ألأبرياء بناء على قراءة معكوسة وخاطئة لكلام الله ولشرعه ؟. وهذا ايضا مثقف او أكاديمي اوباحث او وزير او إداري او صحفي ينبري للدفاع عن حاكم طاغية سفاح ؛ وذلك من خلال كيل المديح له بالكلمة او القصيدة او اللوحة الفنية او التمثال او النصب. او ان يسعى نحو إيجاد الذرائع والمسوغات لأعماله المنكرة ولجرائمه البشعة وذلك بإستخدام وسائل الكذب والتزوير والخداع.
وإنه لمما يبعث في النفس الألم الشديد ان نرى او نسمع عن (مثقف !) عربي من هؤلاء ألأذناب وهو يبارك تعذيب مواطن برئ وذلك بكي أعضائه الحساسة او بقلع أظافره او قطع لسانه او تكسير عظامه او بإجلاسه على خازوق اوبحبسه في أقبية مظلمة او بتصفيته بـ (الأسيد) وإخفاء جثته عن أهله ؛ وكل جريرته انه طالب بالإصلاح بواسطة القلم او بالتظاهرالسلمي. او أن نعلم عن وزيرة عربية لا يرف لها جفن ولا تدمع لها عين حين يصلها خبر قيام رجال ألأمن بإعتقال النساء البريئات او إنتهاك أعراضهن. او إعتقال شبان بأعمار أبنائها ؛ ناهيك عن قتلهم باساليب ووسائل بشعة كالتي نشاهدها في الفديوهات المرفقة. فكيف يمكن ؛ بعد هذا ؛ لأي إنسان سوي ان يتخيل بأن مثل هذا النظام السياسي يمكن ان يحترمه العالم او أن يحرر أرضا محتلة او يبني عريشة قصب ؟. او أن مثل تلك المرأة الفاسدة يمكن ان تربى أبناءها تربية وطنية صالحة ؟.
لقد كافحت الشعوب العربية وما تزال تكافح ؛ ومنذ أكثر من نصف قرن ؛ من أجل إقامة أنظمة تؤمن بالحرية والديمقراطية وبالتعددية الحزبية ؛ وبالتنوع الفكري والديني والثقافي. وتسعى لتأسيس حكومات برلمانية دستورية. تمارس فيها السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية عملها بصورة تعاونية ومستقلة. حكومات تنشئ العدل والمساواة بين المواطنين وتكون السيادة المطلقة فيها للقانون. كما تسعى لتجعل من المواطن الفرد مشروعا حضاريا متكاملا بإعتباره يمثل نواة المجتمع. فمثل تلك الأنظمة هي الوحيد القادرة على إنشاء دول عصرية متقدمة. لكن المؤسف ان النظم الدكتاتورية القائمة لا يروقها ذلك خوفا من فقدان السلطة اوإغاضة أسيادها وأولياء نعمها.
وإلا ؛ فهل يعقل بأن نجد في هذا العصر ndash; عصر الحريات - حاكما او زعيما او مثقفا سوي العقل وهو يقف بوجه تلك ألإصلاحات ألإنسانية الكبرى التي تبنتها جميع ألأقطار المتقدمة ؛ فيقاتل الشعب بقوة السلاح لكي يتخلي عنها ؟.
ان على الشعوب العربية ان تواصل الكفاح المدني السلمي مهما طال الزمن. فالنصر آت لا محالة. وأن تتنبه النخب الوطنية الشريفة الى المؤآمرات الخبيثة التي تحاك ضد الثورات ؛ مثلما يحصل ألآن في تونس ومصر. وأن تقوم بالتنسيق والتعاون فيما بينها. وأن تعتدل في مطالبها. وليعلموا بأن حكامهم ومن يعاونهم من النخب المرتزقة لأوهن من خيط العنكبوت. وما قوتهم الباطشة إلا سكرة من سكرات الموت. فهم يعلمون بان الجرائم التي يرتكبونها ما هي إلا جزء من خطة شريرة طويلة ألأمد وضعها أعداؤنا ؛ ومنذ عقود طويلة ؛ بغرض تفتيت هذه ألأمة وكسر شوكنها وبالتالي الإجهاز عليها وإبادتها. ولم يكونوا هم وأذنابهم سوى ألأدوات اللازمة لإنجاز تلك المهمة الشريرة. فمن ياترى بإمكانه ان يقوم بتلك الخدمات ألإجرامية المجانية بأفضل منهم !؟. ومن سيجرأ على وضع تلك المطالب الشعبية التي كانت وما تزال من أبجديات الحكم الرشيد عبر التأريخ ؛ في خانة جرائم الخيانة الوطنية او الإرهاب سوى حاكم مجرم او تابع فاسد ؟.
وفي النهاية ؛ لابد من التنبيه بأن هؤلاء الحكام وأذنابهم قد قدموا وما يزالون يقدمون عن هذه ألأمة العريقة الطيبة صورة بشعة للغاية عن عقيدتها وأخلاقها حتى جعلتنا - نحن العرب - نشعر بالإنكسار وبالخجل من أنفسنا حين نواجه مثقفي العالم. فلم تتمكن شفاهنا من لملمة بضعة أحرف لتدبير ما يمكن أن نقنع به العالم بحسن تصرف هؤلاء الحكام وإخلاصهم لشعوبهم ولأوطانهم.

كاتب المقالأكاديمي عراقي مغترب

(8) http://www.youtube.com/watch?v=FHMfmHTJ-_U