بدأت تتضح هوية الشخصيات الكردية السورية التي ارتضت ان تعمل لحساب حزب العدالة والتنمية التركي وأنيطت بها المهام لتسويق خطابه ورؤيته لمستقبل سوريا. الواضح أن (غرفة العمليات الخاصة) التي أنشأها الحزب الحاكم في تركيا، برعاية وإشراف مباشر من رجب طيب أردوغان و(مجلس الأمن القومي التركي) قد استطاعت تجنيد بعض الشخصيات السياسية الكردية السورية وبعض المثقفين المعروفين بعدائهم للثورة الكردية في كردستان الشمالية، وكلفتهم بمهمات واضحة ومحددة. ولايهم مستوى وقوة وفاعليّة هذه الشخصيات ولاجماهيريتها، فبعضها معزول تماماً ومكروه في محيطه الضيق، ناهيك عن الساحة الكردية السورية، ولكن المهم في الأمر هو الاستعداد لخدمة السياسية التركية والتحول إلى بيدق للتحرك في وسط المعارضة السورية بحسب اصول ومصالح اللعبة التركية الأردوغانية. وعندما كتبنا عن خطط حزب العدالة والتنمية في تشكيل جبهة من المرتزقة وسط أكراد سوريا، لم نكن نلقي الأمور على عواهنها، ولم نكن نستهدف خلق quot;المهاتراتquot; التي تجنح بنا بعيداً عن واجب فضح إرهاب النظام السوري ضد العزل، بقدر إنطلاقنا من معلومات مؤكدة من داخل حزب العدالة والتنمية، ومن قراءة واقعية وتحليلية للواقع السياسي، وحكمنا على نوايا ورؤى هذا الحزب الأخطر على الكرد منذ حقب طويلة.
رجب طيب أردوغان وفي أول رد فعل له على تشكيل (الحركة الوطنية الكردية في سوريا)، حذر نظام الرئيس السوري بشار الأسد من quot;وجود مؤامراتquot;، وهو كان يقصد إجتماع الأحزاب السياسية الكردية في القامشلي وإتفاقها على توحيد موقفها وخطابها والعمل معاً من أجل إنتزاع الحقوق الكردية في الدولة السورية ( في إطار النظام الحالي، أو أي نظام قادم). فأردوغان يفضل نظام الأسد القمعي الذي يقتل آلاف المدنيين على وجود سوريا ديمقراطية يحظى فيها الكرد بكامل حقوقهم ويعدون دستوريا quot;القومية الثانية في البلادquot;. سوريا يكون فيها الكرد مؤثرون في السياسة ومشاركون في صنع القرار، مرفوضة في عرف أردوغان، لكن سوريا يكون الكرد فيها مشتتون وضعفاء وبعضهم يعمل لحساب أردوغان وجماعة (فتح الله غولان) ويتآمرون على كلا أو أحد الحاملين الإستراتيجييّن: ثورة الشمال وحكومة الجنوب، يمكن قبولها والتعامل معها من موقع تعامل السيد مع العبد الذليل. أردوغان يريد إستبدال نظام بشار الأسد الذي عمل على إلحاق سوريا بالسياسة التركية وتنازل عن كل الملفات الكبرى، بنظام آخر أكثر خنوعاً وعمالة، وتنفيذا للأجندة التركية.
نعرف بأن من يتصل مع أردوغان ويرضى على نفسه الذل والخيانة والعار هم في واقع الأمر شخصيات معزولة وليس لها أي وزن سياسي أو إعتباري داخل الساحة الكردية السورية، والبعض منهم يطير فرحاً حينما تتصل به واجهات إستخباراتية لتبلغه quot;رغبة الحكومة التركية في إٍستشارته والتشاور معه حول التطورات في سورياquot; أو تدعوه لمؤتمر ما، ونعرف كيف أن البعض من المثقف البائس يكاد يطير من الفرح وهو يستعد لرحلة سياحية لتركيا على حساب حكومة أردوغان، لكن الهدف هنا هو ليس نوعية هذه الشخصيات أو ثقلها في المشهد الكردي السوري، بل عددها. وهو مايكفي لبرهان الإختراق الذي نجحت فيه الإستخبارات التركية في حضرة (غرفة العمليات الخاصة) التي يشرف عليها أردوغان ونوابه، في اطار متابعتهم اليومية للإنتفاضة الشعبية السورية.
وبالموازاة مع مع هذا الإختراق التركي، بدأ بعض الفارين من صفوف حزب العمال الكردستاني ببث أخبار كاذبة ومغرضة على مواقع الكترونية تستهدف حزب الإتحاد الديمقراطي وتزعم وجود علاقات بينه وبين النظام السوري. وهذه الأخبار مقبوضة الثمن وتصب في إطار الحرب النفسية التي تقوم عليها دوائر حزب العدالة والتنمية الآن، وتستهدف تشويه سمعة التنظيم الأكثر قوة وتأثيراً بين الكرد في سوريا، والذي مايزال النظام السوري يحتجز المئات من أنصاره وأعضائه في السجون، وكان قد قتل العديد من كوادره القيادية في السنوات الماضية، تماشياً مع سياسته المعادية لهوية وحقوق الكرد وتلبية لأوامر من الحكومة التركية نفسها. وهذا الإسلوب يماثل الإسلوب القائم في كردستان الشمالية: حيث دأب الفارون وعملاء أردوغان من الكرد على القول بأن هناك إتفاقاً بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي لتصعيد الأمر، وذلك لquot;منع أردوغان وحزبه من نشر الديمقراطية وحل القضية الكرديةquot;. وكان هذا الإفتراء تبريراً قدمه هؤلاء لتغطية عمالتهم وتعاونهم مع أردوغان ومؤسسات حزب العدالة والتنمية ضد حقوق الشعب الكردي. وكان هؤلاء مع أردوغان حينما وقع مذكرة التوغل العسكري في اقليم كردستان العراق لمحاربة ثوار حزب العمال الكردستاني. وكانوا معه حينما رفض الإعتراف بتدريس اللغة الكردية في المدارس الرسمية. وكانوا معه حينما رفض مشروع الحكم الذاتي الموسع. وكانوا معه حينما شن حملة اعتقالات طالت الآلآف من الساسة الكرد. كما اشتغلوا في فضائية ( TRT6) التي أسسها حزب العدالة والتنمية باللغة الكردية، وصاروا يدافعون عن quot;مشروع أردوغانquot; باللغة التي لايعترف بها أردوغان، مقابل بعض المال، وهم يكذبون على الناس ويدعّون بانهم أصحاب مشاريع قومية، بينما هم ممنوعون في ذلك المنبر من التلفظ بمصطلحات محظورة في الإعلام التركي مثل quot;الشعب الكرديquot; وquot;كردستانquot; تحت طائلة الطرد من العمل...
رجب طيب أردوغان لايرغب في رؤية وضع كردي في سوريا شبيه بالوضع الكردي في العراق. هو يعرف بأن الشعب السوري بات يتقبل الكرد أكثر من أي وقت مضى بعيد التظاهرات الجماهيرية التي عمت المناطق الكردية وتضامنت مع المدن السورية المحاصرة، وحملت شعارات وطنية صرفة، مؤكدة على وحدة مصير كل السوريين. أردوغان لايريد رؤية الكرد والعرب وهم متفقون فيما بينهم. لذلك فهو لم يتردد على وصف الإجماع الكردي بquot;المؤامرةquot;، محذراً الأسد منها.
الأوضاع في كردستان الشمالية تتجه إلى التأزم. هناك بوادر صراع كبير يلوح في الأفق. أردوغان يريد الإنتصار في الإنتخابات البرلمانية القادمة، معتكزاً على اصوات القوميين الأتراك، الذين بدأ يغازلهم على حساب الكرد مؤخراً. وهو يريد تمرير دستور دائم للبلاد لايعترف فيه بهوية وحقوق الشعب الكردي، وعرض هذا الدستور على استفتاء شعبي لكسب المشروعة الديمقراطية. حزب العمال الكردستاني منح أردوغان مهلة لحل القضية الكردية تنتهي في 15 حزيران القادم، أي بعد إنتهاء الإنتخابات وقبل الشروع في الاستفتاء على الدستور، متوعداً تركيا بquot;حرب شاملة وثورة أكبر من ثورات مصر وتونس في حال إصرارها على محاربة الكرد والمضي قدماً في عدم الإعتراف بهمquot;.
الحزب الحاكم في تركيا بات الآن يحضر نفسه للمواجهة مع الكرد. فالجيش التركي قتل الأسبوع الماضي 12 مقاتلا كرديا ومثلّ بجثامينهم، وهو الآن يشن حملة ترويع واعتقالات في أغلب الولايات الكردستانية لخلق البلبلة والإضطراب بغية التأثير على نتائج الإنتخابات القادمة. كذلك يحضر حزب العمال الكردستاني نفسه للرد وإعلان العصيان العام وخلق أكبر قدر ممكن من الإنتفاضة التي من المخطط لها أن تعم كل تركيا وليس فقط كردستان. وكان حزب السلام والديمقراطية ( الذي يٌوصف بانه الجناح السياسي للعمال الكردستاني) قد نجح في توحيد صفوف القوى السياسية الكردية وخلق إئتلافاً واسعاً لخوض الإنتخابات القادمة، وطرح مشروعاً قوميا مشتركا لحل القضية الكردية، قاطعاً بذلك الطريق على حزب العدالة والتنمية في شق الصف الكردي، وابراز نماذج كردية معادية لخط العمال الكردستاني، للحد من مشروعية المطالبة بالحقوق القومية والإدارية للكرد في اقليم كردستان الشمالية.
أحزاب الحركة الوطنية الكردية لن تسمح لحزب العدالة والتنمية بالتدخل في شأن الكرد في سوريا، وسوف تعمل على عزل البعض من المعزولين أساساً ومن المفلسين سياسياً على التأثير في الأحداث وتمرير أجندة الحزب الحاكم في تركيا المعادية لهوية وحقوق الشعب الكردي بشكل عام.
حركة التحرر الكردستانية ستكون بالمرصاد لأردوغان وحزبه، وكما نجحت في إفشال مخططاته في كردستان الشمالية وإستطاعات إنتزاع كل الولايات الكردية من سيطرته ووحدت الأحزاب والقوى الكردية المختلفة تحت سقف وطني واحد وإحتضنتها، ستنجح أيضاً في إفشال خططه المعادية للكرد في سوريا. لن تقبل حركة التحرر الكردستانية بمحاولات حزب العدالة والتنمية الإستحواذ على المعارضة السورية ونشر أزلامها من بعض الكرد ليكونوا عيوناً وأدوات لها للنيل من ثورة الكرد في الشمال والحد من تأثيرهم في سوريا. وليعلم أردوغان بأن مخططه الرامي لدفع القوى المعارضة السورية لمواجهة الشعب الكردي وحراكه السياسي، وذلك بإعلانهم يوماً حزب العمال الكردستاني وحليفه في خانة quot;المنظمات الإرهابيةquot;، ستفشل حتماً. على أردوغان وأذنابه أن يعلموا بأن الكرد سيستخدمون كل الطرق لمنع إقصائهم من أي معادلة تغيير في سوريا. سيستخدمون كل السبل السلمية وغير السلمية للدفاع عن شعبهم وحماية وجوده في وجه مخطط أردوغان والمتعاونين معه، سواء كانوا من الخونة الكرد أو من بعض قوى المعارضة السورية.
حزب العدالة والتنمية إستخدم نفس هذا الإسلوب الإستعماري مع اقليم كردستان الجنوبي ( كردستان العراق)، فتواصل مع القوى التركمانية والعربية ومدّها بالأموال والسلاح وعقد لها المؤتمرات الكبيرة بغية إيجاد صيغ عمل مشتركة بينها وتوحيد مواقفها، وكل ذلك لكي يسد الطريق عن دور كردي مؤثر. كما إستطاع شراء ذمم بعض المرتزقة الكرد وأسس لهم حزباً سياسياً تحت إسم ( حزب الحرية والعدالة الكردستاني) للوقوف بوجه الأحزاب الكردية القومية هناك ومحاولة الطعن في شرعية الحكومة الكردستانية. كما ووضع مخططاً لإضعاف الإقليم استراتيجياً، بإنشاء معبر حدودي آخر، عن طريق سوريا تلعفر، وهو مايٌحقق هدفين: إضعاف الحزب الديمقراطي الكردستاني وإيجاد دور مؤثر للتركمان في تلك المنطقة، لكن تهديد رئيس الإقليم مسعود البرزاني بمنع هذا المخطط بكل الاساليب والطرق، بما فيها السلاح والعمليات العسكرية، أثنى أنقرة عن فكرة هذا المشروع العدواني.
من المهم الآن المضي قدماً في توحيد الخطاب الكردي. من المهم الإتصال مع ثورة الشمال وحكومة الجنوب والإستفادة من الظهيّرين الإستراتيجييّن للكرد في سوريا. من المهم كذلك فضح النماذج الكردية التي إرتضت العمل مع أردوغان وحزبه مقابل إغراءات مادية أو معنوية. الكرد في سوريا هم جزء من الحراك المعارض لحكم عائلة الأسد وشبيحته الذين يقتلون المدنيين العزل الآن. الكرد يريدون حقوقهم ولن يقبلوا بتحول البعض وكلاء لأطراف اقليمية معادية لكل الأمة الكردية والعمل من أجل تحجيم دورهم في سوريا القادمة. اقصاء الكرد يعني سوريا غير مستقرة. وليعلم الجميع بأن أردوغان الذي يدعو إلى العدالة وحقوق الإنسان والديمقراطية في سوريا، هو نفسه عجز عن تطبيق مثل هذه القيم والشعارات في بلاده وذلك رغم عقد من إستلامه الحكم، بل أن بلاده باتت تقترب من حرب أهلية مدمرة الآن، وكل ذلك بسبب رفضه للحوار ورهانه على الحرب والقمع، إضافة إلى نزعته الديكتاتورية الفردية وطغاينه وعداءه الشديد لحقوق وهوية الشعب الكردي.
التعليقات