بثت قناة quot;أون تي فيquot; برنامج quot;بلدنا بالمصريquot; حلقة 24/5/2011 فضيحة تعليمية وإنسانية، لـإنسان يحمل لقب quot;مدرسquot; يضرب أطفال حضانته بطريقة لا آدمية تخرج عن نطاق القسوة العادية التي اعتدنا عليها في التعليم في مجتمعاتنا العربية (مرفق رابط الفيديو في نهاية المقال لمن لم يشاهده).. وقد استوقفني في هذا الفيديو ثلاثة أمور:
bull;رغم رفض الضرب أو الإيذاء البدني كطريقة للتعلم أو العقاب سواء في المنزل أو المدرسة، لكن لا أحد ينكر أن العقاب الجسدي موجود في معظم مدارسنا العربية، وهذا أمر أسبابه متشابكة ما بين التكوين النفسي للمعلم، وتنشئته الأسرية، وقصور القوانين، وشخصية التلميذ، والتواطؤ المجتمعي والأسري الذي يعتبر الضرب أحد وسائل التأديب وكون المدرس بديلا للأب عليه أن يؤدب ويربي.

لكن ما نشاهده في هذا الفيديو هو سادية وانحراف نفسي يمارسه هذا اللإنسان على أطفال أبرياء كفيل بأن ينشط في داخلهم الفشل والعدوان والانحراف وكراهية التعليم وربما كراهية ذواتهم أيضا. فهو يضربهم ويتفاخر بذلك (يشمر عن ساعديه كأنه مقبل على ذبح خروف العيد) ويرفع صوته كأنه يلقنهم درسا عمليا في طرق التدريس الحديثة. إضافة إلى ما تناثر من معلومات عنه على المواقع والصفحات المختلفة بأنه حاصل على دبلوم صنايع أو معهد كفاية إنتاجية، أي غير مؤهل ليكون معلما، ما يدخلنا في متاهات إدارية وقانونية ورقابية عن سبب السماح لمثل هذه النماذج بتربية وتعليم أطفالنا، وإسناد الأمر إلى غير أهله!

ولا شك أن هذا النهج التعليمي المريض مرفوض حتى لو قام به شخص تربوي في مدرسة معترف بها. ولن أتحدث هنا عن غياب الضمير المهني أو الإحساس بالأبوة لأنه من المفترض أن التنشئة والتربية لا تترك لضمير الإنسان وحده، وإنما تحكم بقوانين رقابية مفعلة لا تقبل اللف والدوران خصوصا إذا ارتبط الموضوع بعصب المجتمع ومستقبله وهم الأطفال.

bull;الأمر الثاني الخطير وجود أشخاص آخرين في هذا الفيديو أقرب إلى التواطئ وقبول ما يجري، وهم:
-الرجل الذي صور الفيديو ويبدو صوته واضحا ومتضامنا مع المدرس ويضحك كلما صرخ طفل من الألم، كأنه يشاهد مسرحية كوميدية!
-امرأة منقبة تجلس على يمين المدرس، هي إما أن تكون زوجته وشريكته في quot;الحضانةquot;، أو موظفة فيها، أو أم لأحد الأطفال التلاميذ.. وفي كل الأحوال لا يبدو سكوتها مفهوما وعدم اعتراضها على الضرب غير الإنساني للأطفال، وكيف استطاعت أن تحيد عاطفتها الأمومية في هذا الموقف ولصالح من؟!
-كذلك في نهاية المقطع رجل لا تُعرف دواعي وجوده في المكان ودون أي رد فعل يصدر عنه؟!

bull;الأمر الثالث المهم: أين أهالي هؤلاء الأطفال؟! هل من المعقول أنهم لا يعلمون شيئا عن ضرب أبنائهم؟ هل لم يقم أي طفل بإبلاغ أسرته أو أن الآباء لم يلاحظوا آثار الضرب على أجساد أطفالهم؟ أم أنهم يعرفون وليس لديهم اعتراض؟! وكيف يقبل أب أو أم أن يتعلم طفله بهذه الطريقة العنيفة وغير التربوية، وأن يقدم ابنه كبش فداء لشخص لمعاق أخلاقيا ونفسيا وإنسانيا؟!

لا شك أن غياب دور الأسرة والمجتمع المحيط بهذا المدرس، هو الأكثر خطورة والذي يثير تساؤلات كثيرة حول قبولنا كأفراد ومجتمع لكثير من الممارسات اللاإنسانية في حقنا وحق أولادنا دون أن نكلف أنفسنا عناء أخذ موقف إيجابي رافض لمثل هذه النماذج المشوهة من البشر والتي تتحين الفرصة للتنفيس عن مركبات النقص لديها في فلذات أكبادنا، مغلفة تلك الممارسات بثوب التربية والتعليم والخوف على مستقبل ومصلحة أولادنا.

أي مستقبل هذا الذي ينتظر طفل شوهت في داخله نماذج السلطة؟! أي مستقبل لطفل تلقى تعليمه الأولي في مقار تعذيب وليس في مكان تربوي وتعليمي مجهز؟ لا شك أننا نحتاج للحزم أو القسوة أحيانا في اتخاذ كل ما يلزم لإيقاف هؤلاء المضطربين عند حدهم.

إن هذا الفيديو جزء لا يتجزء من تشوه مجتمعي كامل، يحتاج إلى جهد ووقت ووعي وثقافة إنسانية شاملة تخرج بنا إلى عالم إنساني.. فالتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي ترنو إليه مجتمعاتنا العربية لن يكتمل أو تظهر ملامحه الإيجابية ما لم نحقق تطورا واضحا في وعينا وثقافتنا بشكل عام، فالأزمة الحقيقية هي أزمة وعي وثقافة تراكمت عبر عشرات السنين جعلتنا نري أنماط التفكير الشاذة باعتبارها quot;العاديquot;، فقط لأنها متعارف عليها ومتداولة!

ولعل بداية تصحيح مثل هذه المسارات، بإلقاء القبض على هذا المدرس ومحاسبته ومعرفة من سهل له فتح هذه quot;الحضانةquot;، ومن تهاون في الرقابة عليها.. فإذا أخذنا من كل مشكلة تواجهنا، مؤشرا على اضطراب أكبر استطعنا أن نضع حلولا جذرية لها، بدلا من الاكتفاء بالتعاطف والانفعال المؤقت أو اعتبارها حالة فردية. فللأسف هناك مئات إن لم يكن آلاف الأشخاص على شاكلة هذا quot;المدرسquot; في مجالات مختلفة، أو على الأقل متعاطفين مع أسلوبه.

وإذا كان من السهل علينا أن ننتقد ديكتاتوراً واحداً يقود شعبه إلى الهلاك، فإن المهمة بالغة الصعوبة في مواجهة آلاف الديكتاتوريين الصغار الذين يتلذذون بحفلات تعذيب لا ينتبه إليها أحد!
_____________________________________
رابط الفيديو: http://www.youtube.com/watch?v=iwYL_mqIhqo

د. رضوى فرغلي

مُعالجة نفسية