المجتمع الدولي مطالب بتحرك مختلف إزاء الوضع في سوريا |
شارك في المقال: محمّد العبدالله، باسم بوغرّة، منى الطهاوي، أندره غلوكسمان، باراغ خنّا، فيليكس ماركارد، عبد الوهاب مدب، برتنده ثورستن:تشكّل تقارير التنمية الإنسانية العربية التي تصدر بانتظام منذ العام 2002 برعاية من الأمم المتحدة مادّة معدّة للقراءة مثبطة للهمّة.
يكفي النظر إلى بعض الإحصائيات الواردة فيها لإدراك عمق الدرك الذي هبطت إليه المجتمعات العربية بتأثير من الأسرة الدولية والزعماء العرب.
حتّى مدّة وجيزة، كان عدد الكتب المترجمة سنويًّا إلى اللغة العربية (التي تُعدّ 350 مليون ناطق) أقلّ بأربع مرّات من تلك المترجمة إلى اليونانية الحديثة، وهي لغة ينطقها 15 مليون شخص من حول العالم تقريبًا. أمّا على الصعيد الاقتصادي، فالأرقام متهاوية أيضًا، إذ كانت الصادرات المصرية في العام 2003 متساوية تقريبًا بصادرات كوستا ريكا، على الرغم من أنّ عدد سكّان مصر يفوق عدد سكّان كوستا ريكا بعشرين ضعفًا. وخلال العام نفسه، فاقت الصادرات التايلندية صادرات مصر بعشرة أضعاف، على الرغم من أنّ عدد سكّان كلّ من البلدين يكاد يكون متساويًا.
في الحقيقة، تعاطت الأسرة الدولية مع الدول العربية على أنّها محطّة وقود كبيرة، فتحمّلت الأنظمة الاستبدادية، طالما أنّ هذه الأخيرة تضمن الاستقرار والنفاد غير المحدود إلى ثرواتها النفطية. غالبًا ما كان هذا الاستقرار يُذكر كتبرير للعلاقات بهذه الأنظمة التي كانت توصف بخطّ الدفاع الأخير ضدّ الأصولية الإسلامية.
لا شكّ في أنّ التطرّف يشكّل خطرًا دينيًّا حقيقيًّا في المنطقة وأنّ إبقاءه تحت السيطرة أمر ضروري لكنّه، وخلافًا لتوقّعات عدد من الخبراء، لم يكن محرّك الربيع العربي.
في الواقع، كان الحفاظ على وضع راهن مشبوه مع هذه الأنظمة الدكتاتورية في وقت بقيت شعوبها صامتة وخانعة شيء، في حين أنّ الموقف السلبي من انتفاضة الشعب السوري دفاعًا عن حرّيته شيء مختلف تمامًا. فالغرب المرتبك فاته قطار الربيع العربي التاريخي لأنّه نسي ndash; أو تناسى ndash; أنّ بعض الطموحات تتميّز بعالميّتها.
وقد يبلغ هذا التناسي الفادح حدّ الإجرام إن استمررنا في التغاضي عن هذه الحقيقة. منذ انطلاق الثورة السورية، قتل نظام بشار الأسد ألف وأربعمئة شخص وسجن أكثر من عشرة آلاف آخرين يعذّبون بنزع الأظافر وحرق الأعضاء التناسلية وتشويهها وتمديد العمود الفقري وبسط الجسد على العجلة بهدف جلده.
تحلّت عائلة أوقف أحد أبنائها البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا أثناء تظاهرة في درعا في نيسان/أبريل الماضي بالجرأة لأن تنشر صورًا مروّعة لجثّة ابنها حين أعيدت إلى العائلة بعد شهر من توقيفه. أصبح حمزة الخطيب رمزًا لنضال الشعب السوري ضدّ نظام بشّار الوحشي وعصابة آل الأسد الذين لا يعرفون الرحمة. هكذا، انكشف عري الملك حتّى بالنسبة للذين كانوا يأملون في أنّ ابن quot;جزّار حماهquot; مختلف عن والده.
اتّخذت الحكومة التركية التي تواجه تدفّقًا غير مسبوق للاجئين السياسيين عبر الحدود النفيذة خطوة استثنائية بامتياز حين ندّدت بالقمع بشدّة، معتبرة إيّاه quot;غير مقبولquot; وشاجبة quot;الأعمال الوحشيةquot; التي يقترفها النظام بحقّ المتظاهرين المسالمين. كما كانت الحال في بودابست (1956) وبراغ (1968) وساحة quot;تيان آن مينquot; (1989) وغروزني (2000)، تسحق الدولة بوحشية المعارضة المدنية.
أجرت صحيفة quot;ليبراسيونquot; الفرنسية مقابلة مع أحد اللاجئين الموجودين حاليًّا في تركيا، وعددهم 13500 شخص، وصف فيها الوضع ببساطة: quot;رئيسنا يقتلنا. نحن بحاجة إلى مساعدة العالمquot;. لكنّ الأسرة الدولية، في ما خلا بعض الاستثناءات، لا تزال ترفض أن تقدم على هذه الخطوة. ينتابنا الروع فنندّد ونعبّر عن سخطنا، لكنّنا لا نتحرّك لسبب ما قد يكون نسبوية أخلاقية قديمة الطراز أو باسم سياسة واقعية قصيرة البصر.
لا يغفل لنا جفن حتّى حين تتدفّق مشاهد مروّعة إلينا عبر وسائل الإعلام الاجتماعية تمامًا كما لم يغفل لنا جفن حين مسح حافظ الأسد مدينة حماه في العام 1982، فخلّف عشرات الآلاف من الضحايا كتحذير من مغبّة معارضته.
بعد التدخّل الغربي المخطط له لإنقاذ بنغازي من براثن جنود القذافي، حان الوقت لنتوقّف عن الاهتمام بـquot;فرض قيمناquot; أو بمحاولة مراوغة لضمان الاستقرار الجغرافي السياسي، فهذه أعذار مرفوضة. لا يجوز أن نتخلّى عن قيم عالمية قبل أن تكون غربية. هل نحجب نظرنا عن هذه المجزرة بسبب دعم إيران لسوريا وحزب الله من خلالها؟ متى نبلغ حدّ العذاب الذي لا يحتمل؟.
حان الوقت لأن تنشط الأسرة الدولية، وفي طليعتها الشعوب العربية والمصرية والتونسية، في مساعدة الشعب السوري. سبق لجامعة الدول العربية أن عبّرت عن quot;قلقها وغضبهاquot; ويمكنها أن تصل إلى توافق في هذا الشأن. على بشّار ونظامه أن يرحلا. لكنّ الشعب السوري لا يستطيع أن يتغلّب بمفرده على جيش كامل التجهيز وعلى ميليشيات أحمدي نجاد ونصرالله التي دخلت في المعادلة الآن. بين quot;لا شيءquot; وتدخّل عسكري ليس جزءًا من الحسابات الحالية، هناك وسائل ديبلوماسية واقتصادية وسياسية كثيرة للضغط على دكتاتور جزّار، لكن لم يجرِ حتّى التفكير بها في هذه المرحلة. هل هذا مقبول؟.
على الرغم من فظاعة جرائم بشّار الأسد ضدّ الإنسانية، لا يزال لهذا الأخير حلفاء أقوياء جدًّا في الأسرة الدولية، وبخاصة روسيا والصين، اللتين تمنعان أي شجب لهذه المسألة في مجلس الأمن. وقد بلغ الأمر حدًّا دفع بالمتظاهرين السوريين لأن يرفعوا رايات بالروسية والصينية تشجب تواطؤ هاتين الدولتين. إلى متى يقبل الرأي العام بأن يشاهد الدبابات والمروحيات والقنّاصين تفتك بالجماهير المسالمة؟ لا ينبغي أن يتمتّع بشّار أو داعموه بأيّ حصانة معنوية أو ديبلوماسية. فالجريمة هي جريمة والتغاضي عنها لم يعد واردًا.
محمّد العبدالله، الناطق باسم لجان التنسيق المحلي في سوريا
باسم بوغرّة، كاتب رسائل بلوغ
منى الطهاوي، كاتبة عمود دولي
أندره غلوكسمان، فيلسوف
باراغ خنّا، مستشار سابق للرئيس باراك أوباما وكاتب quot;How to Run the Worldquot;
فيليكس ماركارد، مؤسس quot;تجمّع العشاء حول الأطلسيquot;
عبد الوهاب مدب، كاتب quot;ربيع تونسquot; (Tunis Spring)
برتنده ثورستن، كاتب و مؤسس مشارك لجاك و جل السياسية
التعليقات