في ظل التشابكات المعقدة التي يعيشها الشارع العربي وفي ظل فوضى التحليلات وغابة الأفكار وبعيدًا عن الشعارات، تُطرح وبشكل ملح قضايا quot;تبعية quot; هذه الثورات ومن يقف ورائها، وسواء كانت عصيانًا مدنيا سلميًّا نابعًا من شعور شعبي طاهر ملّ الأنظمة المكلّسة أم كانت quot;مدبرة quot; مخطط لها، فإن القفزة النوعية التي حققها الوعي العربي والنضج السياسي المتسارع الذي تبلور خلال الأشهر الأخيرة يترك بما لا مجال للشك فيه بأن الشعوب باتت على قناعة تامة بأن أزماتها ومشكلاتها لا تحل عبر الآخرين.

وفي وقت تسعى فيه السلطات إلى إعطاء شعوبها quot;جرعات مهدئة quot; من quot;الترقيعات الطفيفة quot; التي لا ترقى لمستوى quot;الإصلاحات quot; والتي هي أدنى من الحقوق المدنية بكثير، نجد أن وعي الشارع قد تجاوز الرؤساء بعد أن غادرت الشعوب واقعها البئيس نحو واقع مفترض مما انعكس عبر تعامل الأفراد مع آنتهم المُعاشة بشكل مغاير.

ونقطة التحول المحوري الذي نلمسها بشكل واضح في جميع الدول العربية سواء التي نجحت ثوراتها أم تلك التي لازالت تعاني هي انه أصبح للحياة السياسية لونا بعد أن تبلورت للشعوب فرصة حقيقية لخلق معنى الديمقراطية والحرية ومكافحة الفساد الذي يتجلى بثالوث النظام وهو تحالف السلطة والمال و الإعلام الرسمي.

وربما المستقبل سيكشف لنا عن حقيقة هذا الإبداع عبر جيل سيقلب معادلات طالما كانت كمسلمات، جيل آمن أن الحقوق لا تُسْتَجْدَى لأن الحلول بيديه لا بأيدي الآخرين الذين لهم مصالحهم وحساباتهم مما سيؤدي بطبيعة الحال إلى الخروج عن عقلية التبعية العمياء والمؤامرة المحاكة، فالأنظمة تتهم معارضيها بquot;التبعية quot; للخارج وان هناك مؤامرة تُحَاك، علمًا أن الوقائع كَشفت أن quot; الأنظمة quot; كانت عميلة بامتياز وأنها سرقت خيرات البلاد ومقدرّات العباد.

إذن فالسلام والعدالة نصنعها نحن ولا تُستجدى عبر أروقة السياسة المتأنقة كما أن الحرية والعدالة لا تُطلب من صُنَّاع الحروب والمجازر.
أمر آخر تبلور عند شريحة الشباب المعارض هو انه لا توجد مقدسات جامدة بل البرغماتية هي المطلوبة على الدوام مما فتح الباب على تحالف الأقليات مع الاكثريات فيما تسعى الأنظمة المهترئة على الدوام بإظهار نفسها على أنها حامية للأقليات المسيحية وغيرها عبر التلويح بفزاعة الإسلاميين في حين أبدت التيارات الإسلامية المعتدلة حرصها على مدنية الدولة كون العصر يفرض تراجع دور المؤسسات ذات الطابع الشمولي بما فيها الدينية المتشددة.

أخيرا، أن ننتظر أن تُقدم لنا الحلول أمر في منتهى الحماقة، فالحرية معنى يُعاش والمعنى يُخلق، والديمقراطية الحقّة هي تجربة تُختبر ويعيشها الأفراد تتيح فرصة قبول الآخر كما هو، فهي ليست وصفة آلية تُقدم للشعوب بالحديد والنار.

إن الخوف على مصير الثورات أمر مشروع وان تُصادر الثورات من قبل انتهازيين يركبونها سواء من متطرفين إسلاميين أو من quot;معارضين خشبيين quot; يريدون إعادة إنتاج النظام والاستبداد عبر مسميات أخرى أمر وارد، ولكن كل هذه التخوفات يجب أن لا تمنع من دعم حق الشعوب بالعيش بكرامة وان تترجم خياراتها الديمقراطية وحرياتها على طريقتها. وان الخوف من النتائج السلبية للحراكات الشعبية لا يعني القبول بالاستبداد، إذ لا شيء أسوأ من ثلاجة أنظمة شمولية مخابراتية احترفت القمع والإجرام.

وبالنظر في الملف السوري نجد الضغوطات الدولية التي مارسها المجتمع الدولي على نظام السوري قد أخفقت كلها عام 2005 بينما دماء أطفال درعا والظلم اللاحق بالأبرياء أيقظ ثورة شعبية حقيقية يعجز النظام عن إخمادها لأنها كامنة في قلب كل مواطن سوري، وان كانت الثورة والتبعية لا تجتمعان فان طلب حماية دولية ndash; والذي لا نؤيده بطبيعة الحال- لا يعني التبعية بل هو مجرد واجب إنساني على الشعوب تحمله منعا لإراقة الدماء.

http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com/