إنتقال البشر من عصور حياة الكهوف والغابات... الى عصر تشييد المدن والبلدان، وقبولهم بالعيش المشترك.. يعد نقلة حضارية كبرى للبشرية في تنظيم شؤونها والتأسيس للقوانين والأعراف والقيم التي تساعدها في تسيير حياتها نحو الأفضل.

والتفاعل الإنساني والمبادرة الى المساعدة وتقديم الخدمات لمن يحتاجها.. هو واجب أخلاقي قبل كل شيء، ودليل التحضر الذي وصل اليه الأفراد والمجتمعات في إحترام كيان الإنسان بغض النظر عن عرقه ودينه ولونه، اذ انه يضع مصلحة الإنسان كأولوية وغاية من دون إبتغاء الحصول على مردود أو مكاسب من وراء القيام بهذا الواجب الأخلاقي نحو الناس.

بينما نجد ان مفهوم الأجر والثواب الديني اذا جعلناه هو الدافع لمساعدة الناس سيضعف المشاعر الإنسانية ويتجاوزها الى غاية أخرى، اذ يصبح الهدف والغاية الحصول على الحسنات والثواب وليس الغاية مصلحة الإنسان المحتاج للمساعدة حيث تتراجع أهميته ويغدو مجرد وسيلة لايُلتفت الى كيانها ومشاعرها، ويمكن تشبيه الانسان المحتاج كما لو انه آلة صرف في أحد البنوك تُستخدم عند الحاجة لكسب الأجر والثواب!

واذا كان عمل الخير مدفوعا برغبة الحصول على الثواب والحسنات..سيكون محصورا على فئة واحدة هي التي تتطابق دينيا وطائفيا مع الشخص أو الجماعة التي تقدم خدماتها، وهنا سيدخل عامل التمييز العنصري الديني في الدوافع ايضار وسيحرم المحتاجين من اصحاب الديانات الأخرى ويوجه ضربة مضافة للدوافع الإنسانية.

ثم ستتقلص مساحة عمل الخير حتى داخل الدين الواحد والطائفة الواحدة اذا كان محركها الأجر والثواب وستنحصر في فئة المتدينيين حيث سيقدم فاعل الخير خدماته للشخص الذي يعتقد انه متدين ويحصل من ورائه على كمية كبيرة من الحسنات، وسيحرم المحتاجين الذين يمارسون حريتهم في اختيار معتقداتهم.

ان التعامل التجاري مع الله والدخول معه في صفقات تقديم الخدمات للناس مقابل ربح الحسنات والثواب منه.. عمل لايليق بقدسية العلاقة السامية التي تربطنا بالخالق العادل الرحيم الذي ساوى بين البشر في القيمة وطلب منا الإلتزام بمبدأ الأخوة الإنسانية وتجاوز الإنتماءات القومية والدينية واللون والطبقات.


[email protected]