بالتأكيد وبدون أدنى شك، أن تمكين المرأة السعودية من ممارسة حقوقها السياسية هي خطوة في الإتجاه الصحيح. ومن جهة أخرى سيوجه هذا القرار ضربة موجعة للتيار الديني المتشدد في المملكة في الوقت الذي يشكل فيه إنتصارا ً للتيار الليبرالي فيها. أن هذا القرار سيؤدي إلى تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة في المملكة العربية السعودية بالخصوص والمنطقة بشكل عام. لايخفى على أحد بأن وراء هذا القرار أسباب موضوعية عديدة سأوجزها بثلاث:

الأول داخلي وهو حركة ونشاط التيار الليبرالي في السعودية من خلال خطاب قوي يدعو إلى الإنفتاح وتبني قيم الحرية والمساواة والحقوق المدنية، حيث يقف خلف هذا التوجه إعلام ليبرالي موجه بشكل جيد ذو طابع اجتماعي وثقافي ويتبنى هذا الإعلام رجال أعمال وأثرياء سعوديون. ولاننسى بالذكر دور المرأة السعودية وجرئتها بالمطالبة بحقوقها، كحق قيادة السيارة إذ يشكل الجزء الأكبر من هذا الحراك الليبرالي. العامل الثاني خارجي دولي إذ تتعرض المملكة العربية وبعض الدول الإقليمية لضغوطات كبيرة تدعو إلى تغيير مناهج التعليم وتعميم قيم حقوق الإنسان والحرية والمساواة، وغالبا ً ماتأخذ تلك الضغوط طابعا ً سياسيا ً بالدعوة المباشرة من قبل سياسيين معروفين أو من خلال الإعلام الغربي نفسه، إذ يمكن أن نسمي العامل الثاني برد الفعل على هجمات الحادي عشر من سبتمبر. أما العامل الثالث فهو خارجي أقليمي إذ لايمكن للبيب أن يتغافل عن حقيقة أن العالم العربي يمر بتحولات كبيرة من الناحية السياسية والإقتصادية والإجتماعية، ومنها طبعا ً الثورات التي أطاحت بثلاث روؤساء وربما تطيح بآخرين. فالإنفتاح على الفئاة المهمشة في المجتمع، ومنها المرأة طبعا ً، هو عمل ذكي يختصر الكثير من الوقت والجهد، ويخفف الإحتقان الذي تعيشه المجتمعات في المنطقة ويجنب الحكومات خطر التغييرات المفاجئة الغير محسوبة النتائج. لكن السؤال المهم هو: هل يكفي تمكين المرأة في السعودية من ممارسة العمل السياسي في تقدم وتطور المجتمع السعودي بالخصوص والخليجي بالعموم؟ بالتأكيد لاتكفي تلك الخطوة وإن كانت بداية جيدة على أي حال.

علينا أن لاننسى بأن المجتمعات العربية، وبالخصوص مجتمعات الخليج العربي، هي ذكورية بإمتياز ذات طابع أبوي باترياركي، والمرأة في هذه المجتمعات مسلوبة الحقوق مع مضاعفة في الواجبات، إذ ماتزال المرأة في دولنا تعامل على إنها بشر من الدرجة الثانية. فالمرأة العربية مازالت تسبح بحمد الرجل ولاتخرج من تحت عبائته، فهي في حمايته وتعيش تحت كنفه وتستظل بظله الطويل، فظل رجل ولا ظل حائط على حد قول المثل المصري. إن الثقافة السائدة التي ورثناها من أبائنا والتي تكرسها نوعية المسلسلات والبرامج التي تبث من أغلب القنوات الفضائية العربية تتفق مع صورة الرجل القوي البطل الذي تحتمي به المرأة الضعيفة التي تنشد فيه الحب والعطف والحنان الذي لم يسعفها الحظ بأخذه من أبيها بفعل ذلك المجتمع الأبوي الذكوري. يقدم هذا المشهد بشكل رومانسي رائع يغذي خيال فتياتنا وشبابنا ليجعل منهم كما يريد هذا الإعلام. لكن الرومانسية حال وفي الواقع حال مختلف. إذ تخضع المرأة لسطوة الأخ الكبير إذا غاب الأب ومن ثم تنتقل تلك السلطة للزوج بمساعدة التقاليد وتلك المسلسلات التي هيئتها لذلك الدور وهي راضية فيه. لكن الحقيقة هي أن المرأة لاتملك أبسط حقوقها بل تتعرض للعنف الجسدي والنفسي مع قبول المجتمع لذلك وقبولها هي في أحيان كثيرة.

ربما يعتقد الكثيرون بأن دخول المرأة السعودية في مجلس الشورى سيغير وجه المملكة بشكل جذري ودراماتيكي، لكن ذلك بالتأكيد سوف لن يحدث بسرعة وسهولة إذ يحتاج لوقت طويل. فأمام المرأة في السعودية وباقي الدول العربية طريق طويل من أجل الحصول على الحقوق المسلوبة، أما قرار مشاركة المرأة في السياسية فبالتأكيد إنه قرار تاريخي ولكن يبقى خطوة أولى في ذلك الطريق الطويل. فكثير من النساء العربيات وفي كثير من الدول العربية لهن حق المشاركة السياسية منذ عقود عديدة لكنهن بالكاد يدخلن البرلمانات إلا من خلال الكوتا وهي الحصة التي ضمنها الدستور لعد مقاعد النساء في البرلمان.

إن المشكلة في دولنا العربية، والسعودية منها طبعا ً، هي مشكلة ثقافية اجتماعية راسخة في بنية المجتمع وفي طبقاته الاجتماعية وفي موروثه الثقافي والتاريخي وبقيميه التي تضع المرأة في الدرك الأسفل من المجتمع. أن ماهو مطلوب هو السعي لإحداث تحول إجتماعي ثقافي إضافة للسياسي وذلك من خلال دعم قرارات معينة، كالسماح للمرأة في السعودية من قيادة السيارة ورفع الوصاية عنها بالخصوص في موضوع المحرم في السفر. وهذا الدعم بحاجة لتمكين المرأة اجتماعيا ً وثقافيا ً بما يلائم التحولات الكبيرة في المنطقة نحو الحرية والديمقراطية. أن المرأة العربية لاتستحق دور الضحية الذي وضعها فيه تراثنا الثقافي والتاريخي وجسدته مسلسلاتنا وبرامجنا، بل تستحق أكثر من ذلك بأن تعامل على إنها إنسان من الدرجة الأولى وليست جارية أو سلعة حالها كحال أي سلعة معروضة في السوق.

عماد رسن
[email protected]