ما الذي يعنيه الشرق الاوسط جغرافيا وسياسيا؟
لقد ظهر هذا المصطلح بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها، وتم ترسيمه جغرافيا بشكل نظري بين إيران الواقعة غرب آسيا حتى آقاصي شمال أفريقيا المشارف على المحيط الأطلنطي، وما بين البعدين يستقر عمق جغرافي واقتصادي وديني مكثف، أقصد الجزيرة العربية بالتواصل الحيوي مع العراق، الذي يُعدًّ بوصلة التفاعل بين شرق العالم الاسلامي وغربه، و يمتدد شمالا ليشارف دولة الخلافة العثمانية من جهة انتمائها الاسيوي المتاخم للدول العربية، ولكن هذا الامتداد ياخذ حريته الانسيابية باتجاه آخر، يتمتع بثروة هائلة نفطيا وبشريا واثنيا، أقصد حوض النيل بشمال سودانه ملتحما بام الفراعنة وارض السلام، مصر الكنانة والازهر الشريف، ليلامس تقريبا مياه البحر المتوسط، وكأن البحر الاحمر ليس حاجزا بين حاضرتي الاسلام مكة والازهر بل عامل تكامل وتوافق وتواصل!
هذا هو الشرق الاوسط باوجز عبارة رغم أنه خاضع لكثير من التاويلات السياسية تبعا لمبدا الصراع في العالم، فلم تعد الجغرافية هي التي تعرِّف الاقليم والوطن كما هي السياسة في كثير من الاحيان.
كان هنري كيسنجر يقول أن الشرق الاوسط جغرافية صغيرة وتاريخ محتشد، فيما هو حقيقةٌ جغرافيةٌ كبيرةٌ متواصلة وتاريخ متنوع، واليوم يشكل بؤرة الصراع العالمي، وما يحتويه من صراع وطني داخلي وصراع اقليمي، إنما في نطاق صراع عالمي مخيف، والسؤال هو : تُرى أين تسيرالمقاديربهذا العالم الشرق الاوسطي في ظل هذا الصراع المنتشر في كل اوصاله؟
ليس هناك من تصور واضح لدى الاستراتيجيين العالميين لما سيؤول إليه واقع هذه الجغرافية الهائلة، لان عوامل الصراع كبيرة وكثيرة ومعقدة ومتداخلة، ولذلك مثل هذه المنطقة من الصعب التكهن بصورة مستقرة لها سوى صورة واحدة هي ( عدم الاستقرار )!
هل ستُقسَّم سوريا؟
هل ستتشكل الدولة الكردستانية الكبرى؟
هل العراق بطريقه إلى التشظي والتبعثر؟
الحرب بين شمال السودان وجنوبه هل هي مرشحة للاستمرار؟
ماذا عن مستقبل العلاقة بين المسلمين والاقباط في مصر؟
وماذا إذا كانت هناك حرب إسرائيلية إيرانية؟
هل حقا أن المملكة العربية السعودية مرشحة للتداعي الداخلي؟
يقولون أن الحرب الإيرانية / الإسرائلية قد تهييْ الشعوب الايرانية للتحرك والتمرد، هل هذا صحيح؟
شرق الاردن، هذه الإمارة المصطنعة هل بدات تدشن ما يسمى برياح الربيع العربي؟
لبنان على فوهة بركان مجرد أن يتداعى الحكم الأقلوي في سوريا، ماذا ينتظر هذا البلد الذي مازال يعاني من حربه الاهلية التي بدات منذ سنة 1975!
اليمن حيث لم يهدا أوار الحرب الداخلية هل ستعود ( يمنين )، شمالي وجنوبي؟
الوضع الداخلي في ليبيا لم تتحدد إلى هذه اللحظة معالم مصيره، وهناك نزعة انفصالية ربما تتبلور في قابل الأيام، فماذا ينتظر هذا البلد وهو يخرج توا من نير حكم فردي تسلطي ديكتاتوري مدمِّر.
هذا المشهد المضطرب لا ينفصل بطبيعة الحال عن جملة معالم خطيرة اخذت تتحكم وتتلاعب وبالمنطقة...
أولا : تصاعد موجة الإسلام السياسي المتشدد، وعلى راس هذه الموجة السلفيون والصوفيون.
ثانيا : تصاعد حدة حركة الاثنيات القومية والدينية والمذهبية في كل المنطقة.
ثالثا : تصاعد حدة الخلافات والاختلافات بين دول الجوار، بصرف النظر عن اسباب هذه الخلافات والاختلافات.
رابعا : دخول قوى عالمية جديدة الى المنطقة بعمق وفاعلية ونشاط، وفي المقدمة روسيا والصين، وقد تجلى أثر ذلك على نتائج القتال في سوريا بين الجيش السوري الحر والحكومة السورية.
خامسا : دخول المنطقة حلبة الصراع النووي، أو بداية الدخول إلى ذلك، وفيما تمكنّت ايران من انتاج قنبلتها الذرية العسكرية كما يقول الغربيون واسرائيل سوف تتمرس كل دول الخليج العربي بسلاح ذري فتاك طبقا لمبدا توازن القوى.
سادسا : بدات تنشا مشاريع اقليمية ذات نكهة امبراطورية، مثل مشروع العثمانية الجديدة والفارسية الجديدة أيضا.
قبل اكثر من خمسين سنة تقريبا عثرت على كتاب بعنوان ( خنجر إسرائيل )، والكتاب عبارة عن وثائق حلف بغداد حصل عليها الصحفي الهندي كرانجيا، بعد انقلاب أو ثورة 14 تموز العراقية سنة 1958، وكان من ضمن الوثائق خطة اسرائيل للاعوام التالية، من دون تحديد سقف زمني لهذه الاعوام، والخطة تتحدث عن تقسيم العراق إلى ثلاث دول، ولبنان إلى خمس دول، وسوريا إلى ثلاث دول، وإلى شن حروب مباغتة على مصر وسوريا، وقبل اربعين سنة تقريبا اطلعت على كتاب بعنوان ( الصراعات المحتملة في الشرق الاوسط ) تأليف كتاب استراتجيين غربيين، وقد زود الكتاب القاريء بخريطة الصراعات المحتملة في الشرق الاوسط خلال خمسين سنة تقريبا، وقد رسمت الخارطة الحروب الحدودية بدائرتين متقاطتين، واشارت إلى حرب ايرانية / عراقية، وأشارت إ لى الحروب الداخلية بدوائر متداخلة، وكانت الدول المرشحة لهذه الحرب لبنان وسوريا والعراق والسودان، فهل نستفيد من ذلك أن كل ما يجري الآن كان مخطَّطا له مسبقا؟ وفيما كان ذلك صحيحا، هل يمكن للدول والقوى التي خططت لكل هذا ان تسيطر عليه وتسيِّره كما تريد وتشتهي؟
الغريب، ان كتاب خنجر اسرائيل اختفى من الاسواق العراقية، كان ذلك بعد حرب عام 1967!