الحلقة الاولى

يتساءل مراقبون عن قواعد إ دارة الصراعات الداخلية في المنطقة العربية وهي تشهد هذا الغليان الهائل، ويسجل هؤلاء المراقبون في سيا ق هذا التساءل بأن هذه المنطقة شهدت أكثر من 76 (حالة صراعية)، تتوزع بين كونها دولية واقليمية وداخليه، وذلك منذ غزو العراق عام 2003، وقبل أن يطل علينا ما يسمونه الربيع العربي، ورصد لجغرافية المنطقة العربية من الجمهورية الإسلامية الموريتانية /من جهة المحيط الاطلنطي / وحتى جمهورية الصومال الديمقراطية / من جهة المحيط الهندي / سيكشف عن مساحة صراع متعدد الالوان والاشكال والهويات، ويمكن أن يلاحظ على هذه الصراعات كونها ومنذ زمن ليس بالقصير تتجه بشكل عام أن تكون صراعات داخلية، اي بين مكونات الشعوب، دينية ومذهبية وعرقية، وتشير بعض التقارير المهمة هنا، أن عدد الصراعات الداخلية ارتفع إلى 84 صراعا من مجمل الصراعات التي تجتاح المنطقة ـ السياسة الدولية عدد 189 ـ، وليس من شك إن هذه الصراعات الداخلية مدعومة عالميا واقليميا، ويمكن أن يُلحظ أيضا إن عنصرا مهما دخل في صلب هذه الصراعات، كثرة الاطراف المشاركة، فهناك أكثرمن 15 طرف داخل في حلبة الصراع في العراق، واطراف كثيرة في الصراع الاهلي في الصومال، وهناك حوالي خمسة أطراف أو أكثر في الصراع الدائر في الساحة الفلسطينية، وعشرات الاطراف في لبنان، واكثرمن 150 قوة في مصر، وهكذا، الامر الذي يستدعي المزيد من الفوضى، والمزيد من تعقيدات الموقف، وكل طرف من هذه الاطراف له أجندته وسلاحه وعقيدته القتالية وانظمته الامنية واعلامه الخاص به، ولكن ما هي طبيعة هذه الصراعات ؟ هل صراعات من أجل القوة والنفوذ والمصلحة ؟ والواقع حتى لو كانت هذه البواعث هي التي تكمن وراء هذه الصراعات الداخلية،إلاّ أنها في تطور مريع باتجاه طبيعة أخرى، يمكن ترجمتها بمعادلة بسيطة ولكنها في غاية الخطورة، إنها صراعات من أجل الوجود، فالكثير من الصراعات بدأت تظهر ما ورائها من نزعات انفصالية، بل رفع شعار الانفصال علنا، وسواء كان القائمون على هذا الصراع على حق أو باطل، فإن هوية الصراع هوية وجودية لا حقوقية عامة، يضاف إلى ذلك، إ نها صراعات مسلحة، ولم يعد السلاح صعبا للحصول عليه، وربما يساهم ذلك بعدم حسم الموقف، مما يطيل بامد الصراع طويلا، بل هناك من الصراعات الداخلية استمر لاكثر من ثلاثين سنة، الصراع داخل السودان قبل انفصال الجنوب، الصراع في الصومال بدا منذ ان سقط سياد بري ولحد هذه اللحظة، اكثر من ثلاثين سنة تقريبا، الصراع في لبنان يتجدد، الصراع داخل العراق بين الشمال والجنوب، يتجدد،ولم يبل، ولان المنطقة كلها دخلت مرحلة الفوضى،ولوجود مطامع دولية كبرى، فإن الصراعات الداخلية هذه مرشحة للاستمرار، وسوريا مرشحة لحرب أهلية طويلة الامد، والحقيقة البارزة في هذه الصراعات والمؤسفة حقا، القسوة، فإن اي طرف قلما يتسامح مع الطرف الآخر، هناك القتل الجماعي، وهناك التهجير، وهناك الاقصاء، كل الوان الحقد تجلت في هذه الصراعات، وهذا يعني ان المنطقة العربية دخلت مرحلة الثار القومي والديني والمذهبي، ويتساءل مراقبون ومحللون عن حل لهذه الصراعات،والجواب،أن الحل يكمن فيما إذا أرهق جميع الاطراف، اي التعب المشترك،الذي يضطر الجميع للجلوس حول طاولة حوار، وهذا لا يحصل دون أن يكون هناك تكافؤ بالقوة والمنعة والممكنات، فهل هذا ممكن ؟ وفيما حصل هذا النوع من الحل فإنه سرعان ما يُنقض ويتهاوى بفعل تسارع الاحداث في المنطقة، وتدخل الدول الكبيرة، رغم أن بعض رواد المدرسة الواقعية يرجعون ذلك إلى ميل الانسان العدواني، فإن واقع الحال يشير إلى أن للدول الكبرى دورا كبيرا في إدامة هذا الصراع، وتزييف أو تفريغ كل ممكن من ممكنات الحل، هنا قد يشخص سؤال عن دور الدولة في إدارة هذه الصراعات ؟ هناك نظرية تقول إن المجتمع في المنطقة العربية اقوى من الدولة، اي العشائر والاحزاب والطوائف والقوميات اقوى من السلطة، وبالتالي، فإن المجتمع هو الذي استوعب السلطة بل الدولة،ولم تستوعب الدولة المجتمع، وهذه معضلة كبيرة، تحول دون تكوين وتكون الدولة القوية، ومما يتمخض عن ذلك عجزها عن ادارة الصراع بين فواعله وعناصره ومكوناته.
العراق يمثل صراعا داخليا خفيا، مصر تشهد بكل وضوح معارك جانبية بين المسلمين والمسيحيين بشكل عام، الصومال حرب اهلية مزمنة، اليمن حرب أهلية متعددة الاطراف واحتمال عودة منطق اليمنيين، ليبيا تجاذب عشائري ربما يتبلور، سوريا معارك طاحنة ذات لون طائفي واضح، فلسطين المحتلة أكثر من سلطة،وبينهما صراع شبه دائم،السودان الجنوبي مرشح لمقاتل اهلية طاحنة، مالي تحولت إلى بؤرة توتر ارهابي...
ولا حل في الافق، وربما تتسع الدائرة اكثر وأكثر... ويصعب على أي محلل سياسي أن يخرج بنتيجة واضحة سوى القول بان المنطقة مقبلة على حروب داخلية اكثر ضراوة...