فرحة العيد وطقوسه السنوية البهيجة بأهازيجه وأراجيحه عند الصغار تبدأ في الواقع بساعات طويلة قبل صباحه. اللحظات المفعمة بالإثارة هي تلك التي تبدأ مع انتهاء العائلة من التسوق و العودة الى البيت بعد شراء حاجات العيد من الأطعمة الشهية، لوازم الضيافة من الحلوى، السكاكر و الملابس الجديدة. عند الوصول الى المنزل ينهمك الوالدين بتفقد ما اشتروه فيما يهرع الصغار لاختبار ألبستهم الجديدة مرة تلو الأخرى أمام المرآة ثم طيها بعناية فائقة ووضعها تحت الوسادة و وجوههم البريئة مغمورة بمزيج من لهفة الانتظار ونشوة السعادة فيما تشرد أذهانهم في غبطة بما سيفعلونه مع بزوغ فجر العيد.

العيد السوري هذا العام سيكون مختلفا تماما عن سابقاته، أطفال الداخل سيتلقون هداياهم من أجواء الوطن قد تكون قنابل عنقودية، براميل متفجرة أو مفاجآت أخرى. في مخيمات اللجوء سوف يبقون متكورين على أنفسهم راقدين من أثر نوبات السقم المرافقة لموجات أواخر الخريف، هلع برد الشتاء القادم وسوء التغذية. في الشتات لن يكون العيد سوى تذكير بهول المصيبة التي تعصف بالأهل.
السيد الابراهيمي بدأ مهمته من حيث بدأ سلفه وليس من حيث انتهى، استراتيجية اضاعة الوقت ليس الا. بعد انقضاء ما يزيد على الشهرين من الزمن لتسلمه زمام المبادرة، قام بالعديد من الزيارات لمعظم الدول المعنية بالشأن السوري والتي سبقها اليه عنان، تفتقت قريحته مؤخرا بأن طالب بهدنة خلال عيد الأضحى المبارك، لعل وعسى أن تكون تلك فاتحة خير لهدنة أطول يمكن خلالها جلب أطراف النزاع الى طاولة الحوار وبالتالي ايجاد مخرج من الأزمة بطريقة سلمية. الفكرة من حيث المبدأ جيدة لكنها لا تتناسب مع طبيعة النزاع السوري! يقولون عادة : أن فهم السؤال يعدّ نصف الاجابة وهذا ينطبق على ما يجري في سورية حيث أن فهم المعضلة السورية هو نصف الحل. الهدنة هي عملية ايقاف مؤقت ومشروط لإطلاق النار بين أطراف متناحرة يعترف كلّ بالآخر، هذه الفرضية غائبة في الصراع الدموي الدائر طبقا لرؤية النظام للوقائع على الأرض، فهو يقاوم جماعات ارهابية مسلحة لا يمثلون الشعب السوري ولا المعارضة في شيء، فكيف سيعقد هدنة مع إرهابيين؟
كان على الأخضر الابراهيمي انطلاقا من هذه المعطيات أن يوفر الجهد والوقت فان لم ينجح في اقناع نظام البعث على الاعتراف بالمقاومة المسلحة، لن ينجح في عقد هدنة أيضا.

فرمز حسين

بعد أكثر من عشرون شهرا على استمرار نزف الجرح السوري لم يعد هناك أدنى شك بأن النظام لن يغير أسلوبه في التعاطي الأمني مع الأزمة طواعية، هذا يعني أن لا هدنة في سورية الا بالقوة أي بفرض وقف الزامي لإطلاق النار وإرساءه عن طريق تواجد قوة دولية مسلحة على الأرض. هذا الشيء يعيدنا مرة أخرى الى موقف المجتمع الدولي المعطوب بحكم الفيتو الروسي الصيني، لكن ماذا عن الولايات المتحدة؟ هل ستستمر في موقفها السلبي من النزاع في سورية؟

أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة برنستون ومديرة التخطيط السياسي السابقة في العلاقات الخارجية الأمريكية ان ماري سلاتر في مقالة نشرت ترجمتها في صحيفة داغنز نيهيتر السويدية بتاريخ 2012-10-22 بعنوان :باراك أوباما يخطأ في الاختيار، تقول : ينبغي على الولايات المتحدة أن تقوم بمسؤولياتها تجاه التطورات في سورية. التدخل في الشأن السوري محفوف بالمخاطر لكن عدم التدخل أيضا له مخاطر. وتردف قائلة:
انظروا فقط الى سورية. ان كل ما يحدث هناك كان متنبأ به ومتوقعا : حربا بالوكالة بين ايران والسعودية المزيد من الانحياز للطائفية والتفرقة بين الاثنيات، جماعات أصولية تحل بدل معتدلين يتم اسكاتهم، دول مجاورة تتزعزع استقرارها، دخول ارهابيين وإغراق البلاد في حمامات دماء لا تتعافى منها بعشرات السنين. فصائل المعارضة تتوسل في الحصول على الأسلحة التي تمكنهم من اسقاط طائرات الأسد و الاحتفاظ بالمناطق المكتسبة بعد المعارك الضارية، تأمين سلامة المدنيين ولكي يفهم الأسد صراحة بأن العالم لا يجاريه ويتفرج فيما هو يخنق شعبه.

وتردف سلاتر: في صباح كل يوم يعرض الخبراء على أوباما جميع المؤامرات المحتملة التي قد تهدد أمن الأمريكيين. هو يعرف بأن جميع الأسلحة التي تستطيع اسقاط طائرة حربية سورية، يمكن أيضا استعمالها من قبل ارهابي لضرب طائرة ركاب أمريكية. أوباما واثق بأنه يتصرف بشكل صحيح بأن يتوخى الحيطة والحذر وينتظر حتى يحرق الصراع السوري نفسه بنفسه وبذلك يقلل من المخاطر على حياة الأمريكيين.

وتقول سلاتر : لا يتحدث احدا صباح كل يوم في الغرفة البيضاوية عن الشعب السوري.

عيد الأضحى المبارك هذا العام أيضا سيمر كئيبا. على أطفال سورية التسلية ببقايا القنابل العنقودية، واستخدام دبابات النظام المحطمة كأراجيح لهم الى حين!



مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم

[email protected]