لم تكن نتيجة هدنة العيد التي طرحها المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي مخالفة للتوقعات، فهي انتهت دون تحقيق النتيجة المرجوة، ففضلا عن أنها جاءت في ظل ظروف صعبة لجهة الوقائع على الأرض أعلنت جماعات مسلحة ( جبهة النصرة ) مسبقا عدم إلتزامها بها، فيما اشترطها كل من النظام والجيش الحر بمجموعة من الشروط، كانت كفيلة بنسفها حتى قبل ان تبدأ، خاصة في ظل غياب الثقة التامة بين الجانبين، فكانت النتيجة معروفة. لكن ما حصل لا يعني نهاية الجهود الساعية إلى إيجاد مخرج مقبول ، فيكفي هنا القول ان الإبراهيمي نفسه أعلن وقبل ان تنتهي مدة الهدنة ان ما حصل لن يثنيه عن مهمته ومن عزيمته في العمل من أجل وقف العنف وإراقة الدم السوري، إذ كانت تصريحات الإبراهيمي التي جاءت خلال زيارته موسكو قبل ان ينتقل إلى الصين قبيل الجلسة المقررة لمجلس الأمن، بمثابة البدء بفصل جديد من الجهود على الجبهات السياسية بعد أن وضعت الهدنة الجميع أمام مسؤولية وقف العنف، ولما يجب ان يكون عليه الحل في المرحلة المقبلة. مع التأكيد، على ان النظر إلى هدنة تكون مدخلا للحل السياسي مسألة ليست سهلة أبدا في ظل تعقيدات الأزمة السورية وتورط العديد من الأطراف الإقليمية والدولية فيها وسخونة المشهد على الأرض ، فانه يمكن القول ان المشهد السوري بعد فشل هدنة العيد بات أمام مسارين. الأول : مسار التصعيد، إذ من الواضح ان الهدنة وعلى رغم عدم توقف العنف خلالها، كانت بمثابة تفكير بجولة أشد من العنف من قبل الأطراف المعنية خلال المرحلة المقبلة، ولعل تصريحات قائد الجيش الحر رياض الأسعد تكشف جانبا من هذا الأمر، فقد توعد بمفاجآت موجعة وتصعيد غير مسبوقة في الأيام المقبلة، مجددا ان لا تفاوض أو حوار مع النظام، وبالتأكيد هذا المنطق لا يختلف عن منطق النظام المستمر في عملياته العسكرية، على أمل ان يجلب ذلك الأطراف المعنية إلى طاولة الحوار معه، وترجمة هذا الكلام يعني زيادة وتيرة العنف في كل الاتجاهات . الثاني : ثمة من يرى ان المسار السابق مسدود الآفق ولن يؤدي إلى حل أو نتيجة، فالجماعات المسلحة ومهما بلغت من القوة غير قادرة على إسقاط النظام ما لم يحصل تدخل عسكري خارجي فيما يعرف الجميع ان الخيار الأخير غير مطروح على جدول اعمال السياسة الدولية، كما انه غير ممكن في ظل التناقض الحاد بين مواقف القوى الدولية والإقليمية المتصارعة على المشهد السوري حيث الموقف الروسي يشتد تمسكا بالنظام وورقة الفيتو حاضرة في مجلس الأمن، وعليه فان جولة العنف الجديدة المنتظرة حسب هؤلاء لن تعزز سوى من القناعة بجدية التفكير بالحلول السياسية، من خلال طرح هدنة جديدة تمهد للتفاوض والحوار بعد ان تنضج الجهود الجارية وربما انتهاء الانتخابات الأمريكية. في الحديث عن الجهود الجارية، لا بد من التوقف عن ما يمكن قوله المبادرة الروسية الجديدة لتفعيل وثيقة جنيف والسعي إلى جعل هذه الوثيقة قرارا دوليا عبر تبنيها في مجلس الأمن الدولي. فموسكو في إطار سياستها الرافضة للخيار العسكري والمتمسكة بالحل السياسي تسعى إلى جعل وثيقة جنيف خريطة للحل، خاصة وان هذه الوثيقة حظيت بموافقة معظم القوى الدولية والإقليمية والعربية ( الجامعة العربية ) على الرغم من الاختلاف بشأن الاتفاق على مفهوم العملية الانتقالية وطبيعة الهيئة الادارية المقترحة لقيادة المرحلة الانتقالية، والسعي الروسي هنا يركز على قوننة هذه الوثيقة دوليا و وضع الآليات والضمانات اللازمة لتحقيقها على أرض الواقع. الثابت ان الأزمة السورية بعد فشل هدنة العيد دخلت مرحلة جديدة، مرحلة لعل أهم ملامحها المزيد من العنف الدموي الذي قد يدفع باللاعبين أما إلى التفكير بتسوية ممكنة من خلال التوصل إلى اتفاق بشأن مرحلة انتقالية من وحي وثيقة جنيف وأما ترك الدم السوري ينزف وصولا إلى صوملة البلاد وتركها أمام مصير مجهول.