كان كلام وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عن المجلس الوطني السوري وضرورة انشاء جسم تمثيلي أوسع يضم فصائل المعارضة السورية ولاسيما تلك المسلحة في الداخل صدمة كبيرة للمجلس، وبدرحة أكبر لتركيا التي احتضنت هذه المعارضة منذ البداية، إلى درجة ان تركيا حليفة الولايات المتحدة وفي رد فعل غير مباشر على الموقف الأمريكي اتجهت نحو روسيا مباشرة عندما وافقت على انشاء ترويكا مع روسيا ومصر لبحث مخرج للأزمة السورية.
السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا، لماذا تحدثت كلينتون عن عدم شرعية المجلس بعد ان دعمته طويلا؟ وماذا عن التوقيت الذي سبق اجتماع الدوحة للمعارضة السورية؟ وهل له علاقة بطرح مبادرات جديدة لتوحيد المعارضة السورية كتلك التي طرحها النائب السابق رياض سيف؟ وهل أمريكا تريد إبدال قطر بتركيا لقيادة المعارضة السورية في هذه المرحلة؟ دون شك هذه الأسئلة وغيرها تعبر عن استراتيجية أمريكية جديدة إزاء الأزمة السورية في المرحلة المقبلة وليس مجرد رأي شخصي للسيدة كلينتون التي ربما تغادر الإدارة الأمريكية في الأيام القليلة المقبلة.
في محاولة البحث عن أجوبة للأسئلة السابقة لا بد من التوقف عن المعطيات التالية :
1 - ان واشنطن باتت تخشى من تصاعد نفوذ الجماعات الجهادية والسلفية بتلاوينها في المعارضة السورية، وقد برزت مظاهر هذا الأمر في المعارك الجارية في حلب ومجمل الشمال السوري، وبعد حادثة مقتل السفير الأمريكي في ليبيا باتت واشنطن تخشى من صعود نفوذ هذه الجماعات في المنطقة ولاسيما في سوريا التي تشكل جغرافيتها المحاذية لإسرائيل مسألة أمنية حساسة للغاية.
2- ان واشنطن باتت تدرك وبعد نحو سنة من تأسيس المجلس الوطني السوري محدودية دور هذا المجلس وعدم قدرته على التواصل مع الجماعات المقاتلة على الأرض، فضلا عن ان الجماعات السياسية المعارضة الأخرى، وسط قناعة دفينة بأن المجلس يتحكم فيه الأخوان المسلمين.
3- ان واشنطن تدرك ان سقوط النظام في هذا التوقيت يعني وصول الأخوان المسلمين إلى الحكم، وهذا أمر يؤرقها أكثر من بقاء النظام، وعليه يمكن فهم المبادرات الجديدة لتشكيل هيئة أوسع تمثل أطياف المعارضة السورية على شكل تطوير للاستراتيجية الامريكية في المستقبل في مواجهة الجماعات الجهادية والسلفية، فواشنطن لا تريد تكرار تجربة العراق مع هذه الجماعات في سوريا.
4- ان تشكيل هيئة معارضة أوسع تمثل معظم أطياف المعارضة السورية من شأنها فتح الطريق أمام موقف أمريكي حاسم من الأزمة السورية وحتى التدخل عسكريا، ويبدو ان مجمل ما سبق له علاقة بمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
5- ان تطوير استراتيجية أمريكية إزاء الأزمة السورية على هذا النحو في المرحلة المقبلة يؤكد ان الحسابات الاستراتيجية للإدارة الأمريكية إزاء الأزمة السورية تختلف عن الحسابات التركية في النظر إلى سوريا المستقبل.دون شك، الحسابات الأمريكية السابقة قد تغير من طريقة التعاطي التركي مع الأزمة السورية بعد ان فتحت تركيا أراضيها للاجئين السوريين واحتضنت المجلس الوطني والجيش الحر وحولت أراضيها إلى ممر للجماعات الجهادية التي أتت من كل حدب وصوب لتقاتل في سوريا بعد ان قررت تركيا إسقاط النظام، وإذا كان لافتا بعد تصريحات كلينتون اختفاء التصريحات النارية لاردوغان وأوغلو بخصوص الأزمة السورية، فان مسار السياسة التركية يشي ربما بالتحول نحو روسيا أكثر وان تمسكت بالمجلس الوطني السوري. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف ستتعامل تركيا مع الأزمة السورية على الأرض بعد اليوم؟ وهل تشعر تركيا بخيبة عميقة من الموقف الأمريكي؟ وماذا لو كانت الاستراتيجية الامريكية المستقبلية تتضمن تسوية مع روسيا لحل الأزمة السورية؟ والأهم كيف ستكون تداعيات كل ذلك سبق على حكومة اردوغان التي تبدو وكأنها غير مدركة لحقيقة الصراع على الشرق الأوسط والاستراتيجية الأمريكية إزاءها؟
التعليقات