في عام 1990، تم في الأردن تشكيل لجنة لصياغة quot;الميثاق الوطنيquot; لتنظيم الحياة السياسية، كما تراها السلطة. وفي السنوات الخمس اللاحقة (منتصف 1993)، تراجعت العملية الديمقراطية، وانتكست التشريعات الجديدة انتكاسة قوية، وصدر تعديل لقانون الانتخاب عام 1993 ، للحد من القدرة التنافسية لأحزاب المعارضة.
القمع المستمر للحريات
تم إلغاء قانون المطبوعات الذي صدر في 1993. وتم إغلاق أكثر من 13 صحيفة أسبوعية. ووضعت السلطة عام 1998 قانوناً جديداً للمطبوعات تم تقليص حرية التعبير فيه.
ومن الجدير بالذكر، أن الحريات الصحافية في الأردن كانت تاريخاً من القمع الشامل، كما قال الباحث الأردني نزيه أبو نضال، الذي أضاف أن صيغة مراقبة المطبوعات، التي صدرت على شكل قانون عام 1948، لا تزال سارية المفعول حتى الآن. فموجب المادة الثالثة من هذا القانون يحق لمراقب المطبوعات والنشر أن يحجز، ويفتح، ويفحص جميع المراسلات أو بعضها، وكذلك جميع الطرود. وبذا، حُرم المواطن الأردني من الاطلاع على مختلف المؤلفات، وعلى آلاف الصحف والمجلات التي تصدر في الخارج. (الحريات الصحافية في الأردن: تاريخ من القمع الشامل، ص 153. ومن الجدير بالذكر أن هذا البحث قد أُعد عام 1985 لتقديمه في ندوة quot;لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية في الأردن).
قوانين للحياة الديمقراطية
منذ عام 1989، كانت هناك ثلاثة قوانين ناظمة للحياة السياسية الأردنية:
- قانون الأحزاب.
- قانون الانتخابات النيابية.
- قانون المطبوعات والنشر.
وكان قانون المطبوعات، هو الأكثر إثارة للجدل بين الديمقراطيين، والمحافظين التقليديين. وقد مرَّ قانون المطبوعات بعدة مراحل، منها مرحلة عام 1993 عندما صدر قانون ليبرالي، ثم صدر قانون مؤقت. وبررت السلطة صدور هذا القانون، نظراً إلى quot;التردي في عمل الصحافة بما كان سيؤدي - لو لم يعالج الخلل ndash; إلى انهيار قيم المجتمع، وإثارة النعرات، والذهاب بهيبة الدولة ومؤسساتها.quot; كما يقول الباحث الأردني حسين أبو رمان (quot;قراءة أولية في انتخابات الأردن النيابية 1989 quot; ، ص 117). ثم صدر قانون قمعي عام 1997، كما يقول الباحث الأردني الآخر، باتر محمد علي وردم ( دراسات حالة حول أداء منظمات المجتمع المدني في الأردن، ص 79).
التبرير الديني للقمع
وقد اعتمدت السلطة ndash; كعادتها - في ذلك على المشاعر الدينية والقيم الأخلاقية، في تبرير اصدار هذا القانون المؤقت، وهي تلعب دور الوصي على أخلاق الشعب، وشعوره العام. وكانت الصحافة الأردنية في هذه الحالة هي الضحية، رغم صدور تعديلات جوهرية على هذا القانون عام 1999، لم تكن كافية في رأي القوى الليبرالية الحقيقية الأردنية.
طوق العبودية في رقبة الشعب
ومن المعروف، أن الأردن خضع منذ 1967-1989 للإحكام العرفية (طوق العبودية في رقبة الشعب الأردني)، مما أعطى للنظام سلطات استثنائية لتكبيل الحريات العامة، ومن بينها حرية الرأي والتعبير. ففي عام 1973 تمَّ سنّ قانون جديد رقم 33 للمطبوعات والنشر. وكانت مظاهر تكبيل الحريات الصحافية في هذا القانون تتمثل في:
1- الحكومة وحدها ndash; بناء على تعليمات من المخابرات العامة- هي المخولة بمنح، أو عدم منح، أي امتياز جديد للصحف.
2- الحكومة وحدها هي المخولة، بتعطيل وسحب امتياز أية صحيفة، ودون حاجة لذكر الأسباب.
3- لا يمتلك المتضرر حق السؤال، أو الشكوى، أمام أية جهة كانت، بما فيها القضاء.
4- أجازت دائرة المطبوعات والنشر لنفسها الحق، بعد طباعة الصحيفة أن تأمر بمنع توزيعها، لأي سبب يرتئيه الرقيب، الذي أصبح يقيم في الصحيفة نفسها منذ عام 1973، ويقرر نوعية (المانشيت) وحجمه ولونه، والمقال الافتتاحي وحجمه. ويقرر الخبر الذي يجب نشره على الصفحة الأولى.
5- انتهك هذا القانون نص وروح الدستور ndash; على علاته ndash; والأدهى من ذلك، أن تعليمات المخابرات الأردنية، تأتي لتنتهك حتى قانون المطبوعات على سيئاته. فرقباء المخابرات لا يكتفون بإصدار الأوامر للصحف بالتدخل حتى في زاوية بريد القراء، وبمنع أي نقد من أي نوع، واعتباره عملية تخريب يقوم به متسللون. كما لا يكتفون بمطالبة المؤسسات الصحافية بتزويدها بكشوف كاملة، لأسماء العاملين فيها لتمريرها على (فيش) المخابرات، للتأكد من شخصيات العاملين، ولكن دائرة المخابرات، تقوم بالتدخل في كل صغيرة وكبيرة، في الصحافة، لإلغاء وجودها نهائياً.
6- منع نشر أي خبر يتعلق بالعائلة المالكة، أو الجيش، أو الشرطة والأمن العام. ولا بُدَّ من أن تكون أخبار هذه الجهات آتية من وكالة الانباء الأردنية الرسمية (بترا). وبذا، تسرح العائلة المالكة في الوطن، وتمرح، كما تشاء دون رقيب، أو حسيب!
من رقابة محدودة الى رقابة شاملة
وهكذا يبدو واضحاً، أن الرقابة المحدودة السابقة على حرية التعبير، تحوّلت من رقابة محدودة إلى رقابة شاملة، على كل حرف تنشره الصحف، وليس فقط الرقابة على الأمور المتصلة بالسلامة العامة، أو بأغراض الدفاع المدني.
وفي 1996، قامت quot;انتفاضة الخبزquot;، وقامت مظاهرات شعبية في مدينة معان عام 1998. وقامت السلطات خلال عشر سنوات، في هذه المرحلة (1989-1999)، بإفراغ العملية الديمقراطية من مضمونها الفعلي، وتحويلها إلى مجرد واجهة تجميلية. وأعلنت 80 شخصية سياسية واجتماعية مقاطعة الانتخابات النيابية إلى جانب مقاطعة أكثر من نصف الأحزاب لها. وفي هذه المرحلة كذلك، وفي عام 1998 كُشفت مظاهر الفساد، وتردي الأداء، مع انفجار فضيحة المياه الملوثة، واتضح زيف معدلات النمو الاقتصادي المتحققة، حيث تبين أن الأرقام الحقيقية للنمو كانت سالبة، كما قال الباحثان الأردنيان هاني حوراني وحسين أبو رمان (تطور المجتمع المدني في الأردن، وواقعه الراهن، 2004).
عام جديد مبارك على الجميع.. وكل عام وانتم جميعاً بخير.
السلام عليكم.
التعليقات