الاتفاق الذي تمّ بين ما أطلقت على نفسها (اللجنة العربية الخماسية المعنية بالأزمة السورية) مع وزير الخارجة الروسي سيرجي لافروف، يوم السبت العاشر من مارس 2012 في القاهرة، وتمّ الإعلان عنه في بيان مشترك للجنة الخماسية وروسيا إثر جلسة مباحثات مغلقة بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة العربية. واللجنة العربية خماسية أي أنها تضمّ خمسة دول عربية (مصر، قطر، السودان، سلطنة عمان، والجزائر) وترأس الاجتماع الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الذي سلّم بعد ذلك رئاسة مجلس وزراء الخارجية العرب إلى نظيره وزير الخارجية الكويتي صباح الخالد الصباح، والطريف أنّها لجنة خماسية واتفقت مع وزير الخارجية الروسي على خطة من خمسة نقاط. والنقاط الخمس كالتالي:
وقف العنف في سوريا
إنشاء آلية مراقبة محايدة
رفض التدخل الخارجي في الشان السوري
إتاحة الفرصة لوصول المساعدات دون إعاقة
والدعم القوي لمهمة كوفي أنان لإطلاق حوار سياسي بين الحكومة والمعارضة
والملاحظ أنّ هذه الخطة العربية الروسية من خلال نقاطها الخمس المذكورة، جاءت كل نقطة منها بحاجة إلى خطة لتفسيرها وشرح مضمونها الذي من الصعب إن لم يكن من المستحيل الاتفاق على وجهة نظر واحدة بشأنها. فمثلا بشأن (إنشاء آلية مراقبة محايدة)، هل من الممكن الوصول إلى هذه المراقبة المحايدة بعد أن جرّبت الدول العربية فكرة (المراقبين العرب) وأثبتت فشلها التام بسبب تأييد بعض أعضائها لقمع النظام خاصة رئيسها الجنرال السوداني محمد الدابي، وإعاقة النظام الأسدي لعملها من خلال وضعه كل تفاصيل تنقلها وتحركها، وكان قد استقبل المراقبين العرب بفبركة تفجيرات عبر سيناريوهات ساذجة مكشوفة، وفيديوات قديمة كذّبها لبنانيون ظهرت صورهم في هذه الأفلام الأسدية. وأية آلية محايدة في ظل نظام قمعي لا يحترم أبسط حقوق الإنسان السوري، وهو يستمر في هذا النهج المتوحش رغم مرور عام على ثورة الشعب السوري ضد بقائه.
أمّا الحوار السياسي،
فهو غير مفهوم عندما يكون الحوار بين الضحية والقاتل، خاصة أنّ هذا النظام لا يهدف من أي حوار إلا لبقائه، إذ لا يكفيه أنّ هذه العائلة حكمت وتحكمت في الشعب السوري 42 عاما فقط حتى الآن. والسؤال الموجه للمدافعين عن هذا النظام والداعمين للحوار معه هو: أي عقل أو ضمير يقبل استمرار الأب وابنه في الحكم والقمع والسرقة هذه المدة؟ ألا يخجل هؤلاء المدافعون عن النظام من هذه الممارسات التي لا تليق بالشعب السوري أو أي شعب آخر؟. إنّه بهذه الطريقة الديكتاتورية يستنسخ النظام الشمولي في كوريا الشمالية حيث الولد الشاب الذي أصبح رئيسا قبل شهور قليلة خلف والده، ووالده كان قد خلف والده، وهكذا يستمر الحكم في عائلة واحدة إلى أن يقمعها الشعب ويطردها.
ولماذا التدخل الخارجي لدعم النظام مسموح؟
المدهش في هذا السياق أنّ كافة النداءات والمطالبات الرافضة للتدخل الخارجي لا تقصد سوى التدخل العسكري الخارجي لمساعدة الشعب السوري في إسقاط ورحيل هذا النظام القمعي، ولكنّها تتغاضى ولا تأتي على ذكر الدعم والتدخل الخارجي الداعم للنظام خاصة من النظام الإيراني و ذراعه اللبناني حزب الله، ويستمر هذا الدعم بالسلاح والمرتزقة وكافة أنواع المساعدات التقنية والمخابراتية، وكذلك التزويد بالسلاح من النظام الروسي الذي هو متأهب دوما مع نظيره الصيني لاستعمال حق الفيتو ضد أي قرار لتجريم نظام الأسد ومساعدة الشعب السوري على التخلص منه. فلماذا التدخل العسكري الخارجي لدعم النظام الأسدي حلال، والتدخل العسكري الخارجي لدعم ثورة الشعب السوري حرام؟. فعلا إنّها ازدواجية علنية لم يأت أي بيان عربي على ذكرها، فلم نسمع بأية إدانة عربية رسمية للدعم الإيراني والروسي والحزب الإلهي للنظام الأسدي.
فقط الموقف القطري والسعودي والتونسي
ضمن هذه الازدواجية التي تصل حد اللامبالاة بمعاناة الشعب السوري حيث ما يزيد على 8500 قتيل حتى اليوم، يتميز فعلا الموقف القطري الذي عبّر عنه الشيخ حمد بن جاسم في خطابه في مجلس وزراء الخارجية العرب حيث أعلن صراحة أنّه (آن الأوان للأخذ بالمقترح الداعي إلى إرسال قوات عربية ودولية إلى سوريا)، داعيا في الوقت ذاته إلى الاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي للشعب السوري، و (أنّ زمن السكوت على ما يحدث في سوريا قد انتهى، ولا بدّ من تنفيذ قرارات الجامعة العربية). وكذلك الموقف السعودي الذي عبّر عنه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الذي أعلن أيضا بصراحة إن quot;ما يقوم به النظام في سورية هو في الحقيقة مذبحة ولا يمكن استمرار ما يحدثquot;، مضيفا أنه quot;إذا بقي الوضع على حاله سينهار الكيان القائم وكل إنسان يقتل يضعف هذا الكيان، ولا يمكن لهذه القيادة أن تبقى إذا زادت الأمور سوءاquot;، مضيفا (أنّ الأوضاع في سوريا بلغت حدا يتطلب التحرك بسرعة لإعطاء الشعب السوري بصيص أمل).
بصيص الأمل هذا في قبول الأسد المقترح التونسي،
الذي عبّر عنه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي في نهاية شهر فبراير الماضي حول منح تونس اللجوء السياسي لبشار الأسد والمقربين منه، أي أن يرحل عن سوريا وشعبها كما رحل طغاة سابقون مثل زين العابدين بن على وحسني مبارك هربا أو خوفا، قبل أن يلحقه مصير معمر القذافي الذي هو مصير كل الطغاة الذين يرفضون سماع شعار الثورة (إرحل يا...) وفي سوريا (إرحل يا بشار). وهو وضع يحير العقول، أتمنى من مؤيدي هذا الطاغية والمصفقين له الإجابة على سؤال: كيف تفسّرون قبول شخص ما من عائلة ما، أن يحكم هو ووالده شعبا ووطنا طوال قرابة نصف قرن، ويرفض سماع صراخ الشعب إرحل..إرحل!!!.
ويبقى الموقف الروسي مخزيا بكل المقاييس،
حيث مقترحات سيرجى لافروف الضبابية لا تهدف إلا لإطالة عمر النظام الأسدي الوريث في سوريا، وهو شبيه لتدوير الرئاسة في روسيا بين بوتين وميدييف، حيث شهدت انتخابات هذين الرئيسين المزيد من الانتقادات الروسية والمظاهرات المنددة بالتزوير الذي من خلاله أعطى بوتين قبل خمس سنوات رئاسة الجمهورية لميدييف وتسلّم هو رئاسة الوزراء، وألان يعود بوتين لرئاسة الجمهورية وميدييف رئيسا للوزراء، فهو تدوير لا يختلف عن التوريث الأسدي، لذلك لا يدافع عن أي نظام إلا شبيهه في البنية والسلوك والممارسات. وما لم تنجح فيه الجامعة العربية ودولها إل 22 لن تنجح فيه مهمة كوفي عنان، فهو من اجتماع إلى اجتماع غير مخف أنّ مهمته صعبة غير معروف نتائجها. فكلها حتى الآن محاولات تعطي هذا النظام فرصا لالتقاط الأنفاس ومواصلة قتل الشعب السوري.
لذلك يبقى الشعب السوري وحيدا في مواجهة آلة القمع الأسدية، ولا حل أيا كان نوعه إلا من خلال هذا الشعب الصامد الذي لم يجد مراقبو الصليب الأحمر أي مواطن منه في حي باب عمرو، إذ وجدوا الحي خال من السكان تماما بعد أن قام النظام القمعي بتنظيفه تماما من سكانه قبل ان يسمح بدخول ممثلي الصليب الأحمر...نظام يثبت كل يوم أنّ شعاره (أنا أو الشعب السوري) فلنرى قرار وشعار الشعب السوري في مواجهة ذلك.
[email protected]
التعليقات