كلما تقترب الأمور من وضعها الطبيعي في العراق وخاصة في بغداد أو المحافظات الخاضعة إلى نفوذ بعض الجماعات المنحرفة المسلحة، التي تشرع للإرهاب الانتقام بكل الوسائل المتاحة من سيارات مفخخة أو مفخخات ترصف قرب أكثر تجمعات الأسواق والمحلات التجارية غرضها حصد اكبر عدد من الأرواح البريئة،والغرض الرئيسي إشاعة الفوضى وتذكير العالم بأنهم ما زالوا يمسكون بتقرير مصير العراقيين وإرسالهم إلى المقابر وتأكيد نزعة إما أنا أو الدمار، أنها الحرب الداخلية على كل العراقيين، ورسائل إلى الحكومة بأنكم لم يكن باستطاعتكم إنقاذ الأبرياء، خاصة وان العراق مستهدف من قبل دول الجوار ومنظمات الإرهاب، ومشاكله كثيرة لا يمكن حلها بعصا سحرية أو عن طريق تأجيج الأوضاع وتعقيدها.

ولكن لو تمعنا جيدا، في طبيعة تلك الهجمات، وتوقيتها، ومباغتتها وخاصة مراكز الشرطة والسيطرات الأمنية في بغداد وفي كركوك وبابل والانبار، لوجدنا إن هناك دقة محسوبة إعلاميا، في توجيه الضربات الموجعة التي تلقاها رجال الأمن وعامة الناس البسطاء، وبأسلوب جبان وغادر،وخاصة الهجوم الأخير على كنيسة في المنصور وقتل حراسها، أو مدرسة طالبات في ببجي أو سوق خضراء الحلة، كل ذلك يشي بأن هناك تنفيذ قد رسم بدقة ليتصدر واجهة الإخبار عربيا لإيقاف زحف الزعماء العرب باتجاه بغداد، وبتواطؤ من عناصر مشتركة في مركز القرار، أنه إرهاب منظم، بل هو إرهاب موجه، الغرض منه، تعطيلُ و(فرملة) جهود المخلصين،في إعادة ترتيب البيت العراقي من الداخل.

إذا هي الحرب، لان ما يحدث من تكرار هذه الاعتداءات الجبانة والخبيثة بحق الأبرياء ما هي إلا إطلاق شعار الحرب بعد إن فقدت كل المبررات للحرب السرية ( المقاومين، المجاهدين ) التي كانوا يجاهرون بأنها موجهة للاحتلال الأمريكي، إما بعد إن ذهب الأمريكان خارج العراق، فما هو المبرر لهذه الانفجارات الإرهابية وهذا القتل العشوائي، طالما هناك برلمان وانتخابات وتقاسم السلطة من أعلى المراكز إلى الأدنى، أليس ذلك هو إعلان الحرب على كل عراقي يريد إن يعيش بأمن وسلام مثل غيره في كل إنحاء العالم، ثم من يقف وراء كل ذلك، القاعدة، أزلام النظام السابق، الخلافات السياسية، عملاء الدول المجاورة، إيران،أمريكا، إسرائيل، لقد تكررت مثل تلك الحوادث لكن الصمت هو الغالب، فيما القاتل المنحرف يلوذ بالصمت سوى في بعض الأحيان بيانات اغلبها مضللة،ولكن المستفيدين من تصاعد وتيرة الإرهاب اليوم هم الذين يحاولون إرهاق الدولة وإظهارها بموقف الضعيف العاجز امنيا لاسيما وهي تستعد لاستقبال الملوك والقادة العرب في بغداد في مؤتمر القمة العربية، إضافة إلى أن خصوم العملية السياسية برمتها، وخصوم السيد المالكي الذين يطمحون إزاحته عن رئاسة الحكومة في منافسة مخجلة وشرسة على السلطة، يدفع ثمنها الشعب العراقي. حيث كان من الأجدر من الذين ينافسون المالكي ويحاولون تشويه صورته وإزاحته، كان بإمكانهم دحر الإرهاب والعمل أفضل منه لو كانوا هم على رأس الحكومة.

إن تفجيرات الأخيرة الدامية لدليل قاطع على أن جهات سياسية أو على الأقل بعض الأجنحة فيها، لها ارتباط بالمنفذين، فما أن تحصل أزمة بين هذه الكتل ورئيس الحكومة، حتى يظهر فوق السطح حالة الانفلات الأمني، أنها تهديد بحرب أهلية، وفعلا يشهد تصاعد موجة جديدة من الإرهاب والمفخخات، هذه ليست تنبؤات ورجماً بعلم الغيب، بل عمليات إرهابية يخطط لها، وتنفذ بوحشية، لغرض ابتزاز الشعب والسلطة، نعم إن من يموت هو العراقي البسيط، لكن بالتالي إن الحكومة هي المستهدفة والنظام الديمقراطي وتحديث الدولة المستهدف الأكبر، حتى لا تكون مقارنة بين ما حدث ويحدث، بالتأكيد نحن لا نبرئ الحكومة من التقصير خاصة في اختراقات الإرهابيين للأجهزة الأمنية وغيرها من مؤسسات الدولة، وإهمال المسؤولين الأمنيين وعجزهم في الكشف عن الجريمة قبل وقوعها، والبلية كون من يعمل من داخل الحكومة والمنطقة الخضراء له ارتباط بتلك العناصر، لا بل منهم من يقوم بتنفيذ هذه العمليات، وسواء إن صدقت تلك التحقيقات مع عناصر مكتب السيد الهاشمي أو رتبت، فإنها بالتالي تكشف عن عمق الشرخ بين الفصائل السياسية التي تحكم بمقدرات العراق وشعبه وتذهب به إلى كرة نار متدحرجة ستحرق الأخضر واليابس.

أنا لا أريد أن اذكر الآخرين أو على الأقل الحكومة بما كان النظام السابق يعمله حينما يشعر بأنه مهدد من أشخاص أو جماعة ارتكبت فعلا تخريبا برأيهم، فقبل أن تصادر حياتهم يصادر معها حياة الأقربون وتهدم البيوت فوق رؤؤس ساكنيها، نحن لا نبغي هكذا، ولأنبغي هذا الإهمال في الحفاظ على أرواح الناس، لان الحزم والشدة مبررة حينما تتعرض البلاد والعباد إلى الإبادة الجماعية والحرب الشعواء والتخريب.