اليوم تشيع جنازة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرط الكرازة المرقسية الذي انتقل إلي الأجاد السماوية منذ ثلاثة أيام..
حزنت مثل كثيرون غيري من المصريين بالمهجر لوفاته، لآنه كان يمثل قمة من قمم التسامح الديني والخلقي ويؤمن بالانفتاح علي الثقافات الأخري ويسعي دائما لترسيخ مبادئ العيش المشترك لكافة المجتمعات الانسانية، وفي مقدمتها مصر..

حزني العميق يقابله ثقة لا حد لها انه يستحق من كل مصر الثناء والدعوات لأنه وعلي إمتداد حوالي 42 عام من جلوسه علي كرسي البطريركية نجح في ادارة الكثير من المعارك التى حيكت ضده، دون أن يلجأ لأسلوب التعصب وإشعال الفتن.. وأبعد نفسه عندما تعرض للصدمات، عن المواجهات الدامية مع الدولة أو مع رموز الكنسية ممن كانوا يختلفون معه في الرأي.. وإرتفع بسمو بالغ عن منازلة قلة من أقباط المهجر حاولوا كثيراً منازعته علي المستويين الديني والسياسي، من منطلق ان من حقهم الاختلاف معه في الرأي.
هو المصري نظير جيد روفائيل..

من مواليد عام 1923، تخرج من كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1947..
بعدها تخرج من الكلية الحربية، وخدم بالقوات المسلحة لفترة محدودة شارك خلالها ضمن الفريق الطبي الذي صاحب القوات المسلحة المصرية عام 1948 في حربها ضد قوات الصهانية الغاصبة فوق أرض فلسطين..

مارس التدريس في مدارس الاحد بعد تخرجه من الكلية الأكليركية، وفي عدد من المدارس الأخري.. في نفس الوقت كان مسئولاً عن تحرير مجلة quot; مدارس الاحد quot;..
هو المصري انطونيوس السرياني..

الذي إكتسب هذا الاسم بعد ان رُسم راهباً لكي يتولي مسئولية دير السريان عام 1954..
ثم رسم قساً عاما بعد ذلك بأربع سنوات، مما أهله لأن يحظي بمنصب أسقف المعاهد الدينية والتربية الكنسية.. وبعدها أصبح عميد الكلية اللاهوتية التى تخرج منها.. ذلك المنصب الذي ظل يشغله حتى إختير بابا لكنسية الإسكندرية..

هو المصري شنودة الثالث..
الذي إنتخب في شهر نوفمبر 1971 لشغل الكرسي البابوي بمصر..
ترتيبه بين بابوات كنيسة الإسكندرية رقم 117، ولكنه الرقم الأول في قلوب غالبية شرائح المجتمع المصري بسبب مصريته الخالصة أولاً ولمواقفه القومية ثانياً ولتسامحه وبعده عن التعصب ثالثاً..
مواقفه المصرية الخالصة كثيرة تتدرج من حرصه الشديد علي أطفاء نيران الفتن الطائفية كلما اشتعلت بفعل فاعل.. ومن حرصه الشديد علي التعامل بشفافية مع قيادات المؤسسة الدينية الإسلامية والإنفتاح علي قوي التيار السياسي الإسلامي.. ومن علاقاته غير المحددة بكل رموز المجتمع المدني المصري علي إختلاف توجهاتهم..
مواقفه القومية تمثل عنصر جذب ومحبة لا يمكن لمنصف ان ينكرهما عليه..
ونقصد تحديداً رأيه الرافض بقوة لإتفاقية السلام مع إسرائيل عندما رفض مصاحبة الرئيس أنور السادات إبان زيارته لإسرائيل عام 1977.. وموقفه الثابت من عدم قيام المسيحيون المصريون بالحج إلي القدس قبل أن ترحل عنها قوات الاحتلال الإسرائيل الغاشمة..
ولما لم ينتقد مظاهرة الأقباط المصريون في المجهر التى استقبلت السادات عام 1979 بالهتافات المعادية، أوقفت أجهزة الأمن عظته الأسبوعية مما دفعه تحت ضغط الرأي العام المسيحي إلي إلغاء احتفالات أعياد الميلاد في نفس العام..
وفي خطوة موازية لإعتقالات سبتمر عام 1981 التى وضع بموجبها السادات أكثر من 1500 مصري معارض في السجون، حٌددت إقامة البابا في دير ابشوي بوادي النطرون..
أما دعواته للتسامح والعيش المشترك فلا تٌعد ولا تٌحصي، عبر عنها في كتابته الأسبوعية التى كانت تنشرها له صحيفة الاهرام.. وضمنها كثيراً من عظاته الأسبوعية التى ظل يلقيها حتي قبل اسبوعين فقط من وفاته..
سمه ما شئت.. نظير جيد أو اطونيوس السرياني أو شنودة الثالث، فهو في الأصل مصري حاز بشخصيته وعمق تفكيره مكانة كبيرة ومحترمة في الداخل والخارج عمقت من معاني جلوسه علي كرسي كنيسة الاسكندرية القبطية الأرثوذكسية.. وحاز بمواقفه العقلانية محبة راسخة في قلوب الغالبية من المصريين..
كثيرون هم المرشحون لخلافته، فالكنيسة المصرية بخير وستظل..
لكننا نأمل أن يكمل من سيأتي بعده مسيرة المحبة والتسامح والعيش المشترك التى هي عنوان المسيحية في منظورها المصري منذ مئات السنين..

bull;استشاري اعلامي مقيم في برطانيا [email protected]