هذا ما يدركه المتابع القريب من ملف الصراع العربي الإسرائيلي بلا كبير عناء..
تتنبأ وسائل الإعلام الإسرائيلية أن يشن نتنياهو هذه الحرب في شهر اكتوبر القادم! قبل موعد إنتخابات الرئاسة الأميركية في اوائل شهر نوفمبر الذي يليه، وذلك من منطلق أن الهجوم علي إيران وتدمير منشآتها النووية هو quot; الأمر الذي الوحيد يهم رئيس وزراء إسرائيل بالدرجة الأولي quot; كما جاء في صحيفة معاريف ( 11 ابريل الحالي ) حتى لو وصف كبار الملحللون في الغرب حالته هذه بالهوس..
1 - فهو لا يعنيه من الذي سيفوز في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، ولكنه حريص علي استغلال فرصة الإنكباب الداخلي في عموم هذه الولايات بالإضاف إلي الكثير من العواصم المرتبطة بواشنطن علي متابعة التنافس بين الحزبين الكبيرين ( الجمهوري والديموقراطي ) في انتظار ما ستسفر عنه من نتائج..
2 ndash; لقناعته أن إنتظار الضوء الأخضر من جانب واشنطن اوباما أو غيره بعد شهر اكتوبر القادم، لن يحقق له أهداف الضربة الوقائية التى يخطط لها quot; لإنقاذ شعب إسرائيل من الكارثة التى يمكن أن يتعرض لها فيما لو إمتلكت إيران السلاح النووي quot;..
3 ndash; لأنه يري نفسه الوحيد القادر علي القيام بهذه المهمة quot; المقدسة quot; التى تحقق الأمن والسلام لشباب المستقبل في إسرائيل.. والتي من شأنها ان توفر الأرضية الصلبة لإستكمال مسيرة الديموقراطية فيها..
4 ndash; لأن التأخر في القيام بهذه المهمة المقدسة يعني الاستسلام quot; لتحليلات quot; يراها غير منطقية ومعطلة لرسالته الأساسية بصفته رئيس الوزراء المسئول عن أمن شعبه وحماية سيادة الدولة التى يدير شئونها، والتي يأتي علي رأسها أمنها القومي..
5 ndash; وحتي لو ضحت إسرائيل في سبيل ذلك كما تقول بعض التقارير بـ 500 أو 650 مقاتل، فهذا أهون بكثير من إلتزام السكون في إنتظار دمار شعب بأكلمه
وأخيرا..
هو لا يهمه ما يقوله الخبراء الأمريكيون من أن أوضاع الملف النووي الإيراني لا زالت حتي هذه اللحظة تحت السيطرة لأن هذه قناعتهم.. اما هو فيعرف عن يقين حجم الخطر الذي يتهدد دولة إسرائيل وعلي استعداد quot; لإزالته quot; مهما كلفه ذلك من مال ودماء وخراب ودمار..
رؤية نتنياهو هذه كما تعكسها وسائل الإعلام الإسرائيلية ويتابعها المحللون السياسيون في الغرب، هي التى ستهيمن علي أجواء الجولة الجديدة من المفاوضات بين إيران ومجموعة الستة الكبار ( أعضاء مجلس الأمن الدائمون + ألمانيا ) التى بدأت اليوم ( 13 إبريل )..
من هنا إتفقت غالبية التقارير الأوربية علي أن هذه الرؤية quot; لا تعزز مطالب الثقة بين الجانبين ولا توازن بين المصالح المشتركة للطرفين ndash; الأممي والإيراني ndash; بغية التوصل إلي مخرج

للمسار المسدود بينهما منذ بعضة شهور فيما يتعلق بملف إيران النووي..
واشنطن تدرك بسبب موقعها علي الخريطة العالمية أن من أهم أسباب الإخفاقات السابقة علي مستوي التفاوض مع الجانب الإيراني، عدم إعتراف الطرف الأممي بالوضع الإستراتيجي والإقليمي لطهران علي كافة المستويات quot; خاصة القضايا العربية quot;.. أما إسرائيل فلا يعنيها هذا الإدراك لأنها لا ترضي بأن يشاركها اي طرف عربي أو إسلامي قمة التحكم والهيمنة التى تصمم علي الإنفراد بها إلي ما لا نهاية..
واشنطن تدرك بسبب موقعها علي الخريطة العالمية أن التحالف مع طهران سيؤدي حتماً إلي تخفيف الضغوط التى تتعرض لها سياساتها في المنطقة بعد تجربتها في كل من أفغانستان والعراق.. وموقفها الحالي من الأزمة السورية.. وعدم إطمنانها لنتاج ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، وإسرائيل لا يعنيها هذا كله فهي تتبني أسلوب الحرب الوقائية في كافة الأحوال..
لهذه الأسباب مجتمعة..
نجحت حكومة نتنياهو ndash; مؤخراً - في الضغط علي المستشارة الألمانية انجيلا ميركل لكي تبيع لها بثمن رمزي الغواصة النووية السادسة، برغم الإنتقادات التى جاءت علي لسانها فيما يتعلق بسياسات إسرائيل الإستيطانية في الضفة وحول مدينة القدس.. وبالرغم مما جاء في تقرير لمحلل البي بي سي في برلين ستيفن إيفانس ndash; نهاية شهر يناير 2012 - حول تزايد معدلات quot; معاداة السامية quot; في المجتمع الألماني، وفق الدراسة التى نشرت هناك منذ فترة وجيزة والتى تؤكد أن quot; من بين كل خمس مواطنين ألمان، هناك واحد علي الأقل لديه معاداة كامنة لليهود quot;..
وحاول هو ndash; نتنياهو - شخصيا أن يُملي إرادته علي الرئيس الأمريكي عندما قال أمام المؤتمر السنوي لمنظمة أيباك في واشنطن مؤخراً quot; أن اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة سيساند بالكامل الرئيس الأمريكي الذي يساهم في وقف تطلعات إيران النووية التى تهدد إستقرار وأمن العالم quot;.. وبدلاً من أن يبارك الرئيس أوباما هذه المطلب العنصري الشاذ تعمد أن يرسل رسالة واضحة للقيادة الإيرانية ndash; عن طريق روسيا وتركيا - مفاداها أن المفاوضات التى بدأت اليوم تمثل quot; فرصة أخيرة لمنع شن حرب ضدها quot;..
الحقيقة التى يجب الإشارة إليها هنا..
أن اسرائيل لا تملك مقومات شن حرب علي إيران دون مساعدة ومساندة من سلاح الجو الأمريكي، لأن الأمر ليس بالسهولة التى يدعيها نتنياهو من أجل كسب تأييد الرأي العام داخل بلده.. فإذا كان لديه المائة طائرة مقاتلة اللازمة لتنفيذ الهجوم.. إلا أنه في أمس الحاجة إلي طائرات أمريكية لتزويد هذه الأسراب بالقود في الجو..
أن إسرائيل لا تملك الحجة التى سترد بها علي مجتمعها الداخلي إذا تعرض الألآف من أبنائه للقتل علي يد الصواريخ الإيرانية أو أسلحة حزب الله المنطلقة من الجنوب اللبناني.. أو التفجيرات التى يمكن أن تقوم فصائل المقاومة الفلسطينية داخل حدود الدولة اليهودية..
انه لا إسرائيل ولا أمريكا يملكان الرد الناجع علي العطل الذي من المؤكد أنه سيصيب مضيق

هرمز ولو بصفة مؤقتة، عندما تتأثر به مخزونات الطاقة في عدد كبير من الدول التى تستورد علي فترات متقاربة النفط الإيراني لدفع عجلة الإنتاج في ميادينها المختلفة..
أن الأوضاع الإقليمية والعالمية اليوم، ليست هي نفس الأوضاع التى كان عليها الحال عام 1981 عندما قامت إسرائيل بتدمير المنشأت النووية العراقيه.. ولا هي التى كانت عليها عام 2007 عندما قامت بتدمير ما إشتبهت في أنه نواة لمنشآت سورية نووية واعدة، اليوم هناك ميل أكثر لإتاحة فرصة للأساليب السياسية والدبلوماسية أن تؤدي إلي نتائج إيجابية.. ولسياسات الحصار الإقتصادي أن تؤتي ثمارها..

من هنا نتفق مع الرأي القائل أن ما تضخه آلة الإعلام الإسرائيلي هذه الأيام يقع ضمن سياسيات الإبتزاز لحكومة طهران ومحاولة لتحطيم ما تستعد به من مقومات دبلوماسية وسياسية للتفاوض مع الستة الكبار..

محاولة للترهيب والترغيب في نفس الوقت.. الترهيب مما قد تتعرض له إمكانياتها كدولة من خراب ودمار، وما سوف يتعرض لها شعبها من قتل وتشريد وضحايا.. وترغيب في أن الإنصياع لما تفرضه عليها القوي الدولية من وعود، هو لصالح شعبها وأمنها وإستقرارها خاصة إذا وافقت علي الإكتفاء بنسبة تخصيب لليورانيوم لا تتعدي حدود الثلاثة والنصف بالمائة..

وفي نفس الوقت يظل هاجس إقدام إسرائيل علي هجوم فاشيستي عنصري خسيس، قائماً.. خاصة لو إخذنا في الإعتبار إمكانية قيامها بهذه المهمة القذرة عن طريق القواعد العسكرية التى تستأخرها من دولة اذربيجان الأقرب للأراضي الإيرانية.


bull;استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]