المفكرة مخصصة لتسجيل انطباعات كتاب وملاحظاتهم في ما يمر أمامهم من أحداث عربية وعالمية، أو من مصادفات مع العابر والزائل... يكتب حلقة اليوم عثمانالعمير:

لست أدري، لماذا حدد القدر ميعاده مع شكري غانم، في مياه الدانوب الأزرق!
هل كتب علي بالذات ان أتذكره كل ما مررت بالدانوب، سهرت على الدانوب، تخيلت الدانوب، تلمست زرقة الدانوب، واستمعت الى يوهان شتراوس يعزف... الدانوب؟
سُحقا لهذا الدانوب، الذي كنت اخطط لامخر عبابه هذا الصيف، الى حد العزم، واقطع مسافته حتي الفولجا، ها هو وجه متألق، متحضر، تذهب روحه داخله.
عرفت الدكتور شكري غانم مطلع التسعينيات من القرن الفارط. عرفني عليه الصديق العزيز صالح الحجاج، وكان آنذاك ملحقا عسكريا للسعودية في لندن، فيما شكري يعمل في الأوبيك، ويهرب من هدوء فيينا الى وجه لندن الصاخب. كانت المرة الثانية التي أتعرف فيها على ليبي مثقف بعد الدكتور أحمد ابراهيم الفقيه، وربما رشاد الهوني.
كان مليئا بالتوقد والحياة، أما مخزون السخرية عنده، فلم يكن يتوقف. اذكر انه كان يملأ مجلسنا بالتنكيت على سئ الذكر معمر القذافي، قراراته الغريبة، ومعاناة الليبيين معه. بعد عقد ونصف صار وزير نفط، ثم رئيس وزراء، ثم عاد الى النفط من جديد، حتى هرب من البلاد ليعود الى فيينا.
اثناء ذلك قررت ممارسة (النفي الاختياري العاطفي) عن أصدقائي، لقد علمتنا ديار التوحش والتصحر، الذل والتذلل، وزعماؤها المتساقطون (لحسن الحظ) واحدا تلو الاخر، بل ومجتمعاتها الظلامية، ان نتجاهل بعضنا، ونتعلم التناسي، والتطنيش.
مرت سنوات، حتى فاجأني هاتف من القاهرة، صالح الحجاج، وهو ذاته دكتور شكري، كما هو لم يتغير، السخرية نفسها، جاذبية الكلام، ودفء العواطف. صرت اسأل عنه وأحلم برؤيته، وحين اندلعت الثورة صرت اتسقط أخباره حتى خرج من ليبيا، وكنت أمني النفس بلقاء، حتى نزيل هذه الكارثة.
سيدي شكري، لم تتعلم الاختفاء!
كيف ذبت في النهر؟
كنت ظاهرا وظاهرياً.
كنت كجلمود صخر...
حطه السيل من علِ