في ذكرى مقتل أسامة، توالت المقالات الغربية التي تتحدث عن أسامة ورسالة أسامة وعن تأثير القاعدة. وحتى بعد عام على موته، وتضاؤل القاعدة وانحسار نطاق تأثيرها، لا يزال الكثير يرى أن رسالة أسامة تتمدد وتزدهر، والأغرب أن بعضهم ربطها بالربيع العربي، حيث علّل أن الربيع قد حقق الرسالة التي أرادها أسامة: بلدان يحكمها إسلاميون!. ويبدو من من تعليقات دارت أن البعض لا يزال يعيش حقبة الحرب على الإرهاب، وينسجم تفكيره مع فكرة نشر الهيمنة والامبريالية التي أرادها بوش في البلاد العربية والإسلامية. وهو فكر هيمنة لا يمكن له أن يعيش بلا عدو، ويذكّر بمقولة أحد الكتّاب: quot;الغريب في طبائع القوى، أن غياب العدو يحدث وحشة أكثر من وحشة يحدثها غياب الحليفquot;.
إن الظاهرة الإسلامية في الفكر والسياسة أكبر من أسامة ومن القاعدة. ووصول الإسلاميين إلى مراكز قوة سياسية هو نتيجة أظهرتها وجلّتها صناديق الاقتراع فقط، فهو وصول ظهرت بوادره منذ ثلاثة عقود، ولم يأت مفاجأة ولا انقلاباً على التاريخ.. بل أتى وفق سياقه الطبيعي، وخصوصا حين تبدت التوجهات السياسية الأخرى مفرّغة من الزخم والدعم الاجتماعي القادر على انجاح برامجها. وكان للإسلاميين تأثير في المشهد السياسي حتى في البلدان التي منعوا من العمل السياسي فيها، كمصر وباكستان.
لكن البعض في الغرب انطلق من فرضية أن الإسلاميين اختاروا طريق التصويت لأنه لم تعد لديهم قدرة على استخدام القوة. وهذا كلام غير صحيح. فالتجارب الإسلامية السياسية تنوعت على مدار عقود، واستبطنت التجربة الإسلامية السياسية مظاهر متنوعة كالتجربة الثورية والمؤسسية المدنية والفكرية الثقافية الحديثة وغيرها. ولم تخل مكتبة الإسلام السياسي من تنظير مستمر حول الحريات والديمقراطية والشورى. بالإضافة إلى إن فكر الحركات الإسلامية كان يطور نفسه من خلال تموضعه على الضد من الاستبداد، والخطاب السلمي التضامني الذي قدمته العديد من الحركات الإسلامية كان خادما للناس وقريبا منهم.. وحتى تلك التجارب التي نفت البعد السياسي من مسارها، كبعض أنواع السلفية، ركزت بدورها على الأسلمة الاجتماعية التي تلعب دوراً مسانداً اليوم في نجاح الإسلام السياسي.
ورغم الانطباع السلبي الذي خلفته تجربة الإسلام السياسي في السودان وإيران، إلا ان مسار الإسلام السياسي يُضاف إليه اليوم مُعطى الربيع العربي، كظاهرة لها تأثيراتها العميقة. فهي ظاهرة تدفع بقوة إلى صناديق الاقتراع، مما يعطي التجربة وجهاً جديداً، ولم يعد من الممكن لأحد أن يحول بين الإسلاميين والنجاح فيه إن اختارتهم الأصوات. علماً أن أميركا، ومنذ سنوات طويلة قبل الربيع العربي، قد ناقشت عبر مراكز أبحاثها كيفية الانتصار على الإسلاميين عبر صناديق الاقتراع، ولم يكن هناك من حلول مرضية!.
لا أميل إلى برامج الإسلاميين وليس بالضرورة أن أرى أنها ستنجح، بل لدي قائمة طويلة من الانتقاد والتشكك حيالها، ومن ذلك أنها حركات قد تختزل تراث الإسلام، وتفرّغ تجربته العريضة في سبيل دعم مواقف محدودة لها، بالإضافة إلى أن موقف الإسلامي الحركي ليس محسوما حول سؤال الدولة الحديثة والدولة الإسلامية!.. وهو ارتباك قد تظهر نتائجه في وقت قريب. ولكن في ذات الوقت من المهم الحرص على هذه التجربة وحماية كل نتائجها، بما في ذلك نجاح الإسلاميين، فالتشويه لها يمثل ضربة للهوية التي تقوم عليها مجتمعاتنا، وتشتّت الهويّة وتشرذمها، وعدم حماية تجربتنا الذاتية، هو ما يجعلنا نرى قوى غربية تقدم برامج تدخل تصل حتى إلى أمور التعليم والدين، وهو ما يستقطب مراهنتهم على تقسيم بلد وفرزه إلى أقاليم اثنية وطائفية، وتدخلهم في العراق مثال ذلك.
للغرب أن يتوجس من الإسلام السياسي بحسب رؤيته، وله أن يقلق كما أراد.. لكن لا نريد لتوتره أن ينتقل إلينا، فكل لديه سياق ثقافي مختلف، وما يراه كمشكلة بالنسبة له لا يمثل مشكلة لدينا. وهذه مشكلة تكون عميقة حين نلاحظ قدرة الغرب على التأثير في المنطقة، وعلى لعب دور في التجاذبات الساخنة التي تحدث في فترة ما بعد الربيع العربي.