في مبادرة فرنسية مفاجئة، قام ميشيل روكار، الزعيم الاشتراكي الفرنسي، ورئيس الوزراء الأسبق، بزيارة طهران لثلاثة أيام، وحيث قابل وزير خارجيتها ومسئولين مهمين آخرين.
الزيارة تتم قبل أيام من بدء الجولة الجديدة من المباحثات النووية الدولية مع إيران في بغداد، ومع التبدل السياسي في فرنسا لصالح اليسار.
المنقول عن المقربين للرئاسة الفرنسية، بحسب الأنباء الصحفية، أن الزيارة شخصية، وأن الرئيس فرانسوا هولاند لم يكلف الزائر بأية مهمة رسمية. غير أن هذا يبدو منذ الوهلة الأولى مفاجأة: إذ ما هو الغرض الشخصي لروكار؟ ولماذا الآن، أي بعد النجاح الرئاسي الاشتراكي، وعشية مؤتمر بغداد؟؟ا
برغم المآخذ على سركوزي، الذي تواصل كثرة من التعليقات والمقالات والتقارير العربية تشويه كل سنوات ولايته ووصمه بكل سوء -[ أحد تقارير إيلاف يذهب إلى أن quot; الشعب الفرنسي لفظ سركوزيquot; مع أن من صوتوا له هم حوالي 17 مليونا تقريبا ومن صوتوا لهولاند 18 مليونا]- فإن مما يحسب له موقفه الحازم وشديد الوضوح من مخاطر النووي الإيراني ومن السياسات الإيرانية في المنطقة. وكانت السياسة الخارجية الفرنسية هنا أكثر حزما ووضوحا من مواقف اوباما المترددة والمتذبدبة والمائعة منذ بداية ولايته.
إن المفاوضات القادمة لن تحل معضلة الهوس الإيراني بالسلاح النووي، سوى إعطاء النظام الإيراني مناسبة جديدة للمناورة وكسب الوقت. وإن التصريحات المتتالية لكبار المسئولين الإيرانيين تؤكد ذلك. فهي تصر على عدم التخلي عن التخصيب بنسبة 20 بالمائة، وترفض لحد اليوم زيارة بعض المواقع النووية الهامة والسرية. وهي تصريحات متضاربة ما بين الشد والجذب، ولكنها تصر على رفض مطلب التخصيب، وعلى رفع العقوبات. وبالنسبة لهذه العقوبات، فإن لإيران عشرات الطرق والأساليب للتحايل عليها ولاسيما ما يخص العقوبات النفطية، التي نجد دولا حتى كالهند لا تلتزم بها، فضلا عن موقف حكام العراق المساند للنظامين السوري والإيراني.
وفضلا عن الخطر النووي والصاروخي الإيراني، إقليميا ودوليا، فإن إيران تواصل تصعيد تهديداتها للخليج، ولاسيما لدولة الإمارات العربية والبحرين، وتتدخل على المكشوف في اليمن لتمويل وتشجيع أعداء الوضع الجديد وعقد مؤتمرات لهم بتمويل منها. وهو ما كشفه المسئولون في اليمن. كما أن تدخلها في العراق يتفاقم، امنيا وسياسيا وتجاريا ومذهبيا [ تريد تنصيب شهرودي بديلا عن السيستاني]. وهكذا عن تسللها حتى لمصر وتشجيع الطائفية فيها كما تفعل علنا في البحرين والكويت ولبنان. وزيارة روكار تتم والمجازر مستمرة في سورية وهدنة أنان على كف عفريت. وليس خافيا الدور الإيراني الصارخ في دعم النظام السوري الجزار، مثلما في استغلال القاعدة وطالبان لشن عمليات الإرهاب في المنطقة وفي أفغانستان.
إن مصلحة فرنسا و الاتحاد الأوروبي والعالم، ومنها منطقتنا خاصة، هو تشديد الخناق والحزم تجاه نظام خامنئي- باسداران- نجاد، وليس إحداث ثغرات خطيرة في المواقف منه. والاشتراكيون الفرنسيون يخطئون لو تصوروا أن مشكلة إيران هي فقط مع الولايات المتحدة، أو أن الرخاوة والليونة على طريقة اوباما سوف تغيران من طبيعة النظام الإيراني، العدوانية والتوسعية، أو تقلبان سياساته رأسا على عقب باتجاه التعايش السلمي والفعل البناء لصالح السلم والأمن واحترام سيادة الآخرين. ومن مصلحة الرئيس الفرنسي الجديد، الذي نعيد مباركة فوزه وتمني النجاح له، أن يعزز ويقوي من سياسة فرنسا الحازمة تجاه النظام الإيراني المتمرد على الإرادة الدولية منذ قيامه، وتجاه كل نظام مماثل وكل قوى التخريب والإرهاب والتطرف، أيا كانت جنسيتها وهويتها. والرئيس فرنسوا هولاند مدعو لعدم الرضوخ لضغوط بعض العناصرquot; الملائكيةquot; من داخل حزبه، أو ضغوط اليسار المتطرف. وإذا تصور بعض اليساريين الفرنسيين أن مشاكل فرنسا المالية والاقتصادية يمكن أن تحل بإتباع سياسات خطرة كهذه، فإن تصورهم مجرد وهم وقصر نظر.
إيلاف في 14 أيار 2012