هل من ترابط ما بين سلسلة عدوانيات انفلتت في زمن متقارب في المنطقة وآسيا؟
ليس القصد فقط مواصلة القتل الدموي في سورية تحديا للضمير العالمي ولأبسط المبادئ الإنسانية، وبرغم مختلف المبادرات الدولية والعربية؛ إنما أيضا استهتار كوريا الشمالية بإطلاق صاروخها الباليستيكي الفاشل- [لحسن الحظ]. وتهديدات أحمدي نجاد للإمارات لتمسكها بعائدية الجزر الثلاث المحتلة إيرانيا منذ زمن الشاه.، وقد ورث نظام خميني هذا الإرث البغيض كما ورث العنصرية والتوسعية الفارسيتين الشاهنشاهيتين.
هناك أيضا انفلات البشير، المطلوب للعدالة الدولية، وانزلاقه الحربي وتهديداته بعصاه الأفعوانية بسحق الجنوب، بعدما اضطر للموافقة على انفصاله بعد عقود من الحرب العدوانية القذرة.
أجل، هل من علاقة بين هذه التحديات الصارخة للمجتمع الدولي، أو من ظرف مشجع لها؟
لكل حالة، بالطبع، ظروفها الخاصة وخصائصهما وتاريخها، ولكن ثمة مشتركين ورابطين أساسيين:
أولا، إن جميع هذه الأنظمة شمولية وتوسعية وعدوانية، سواء كانت باسم الماركسية، أو باسم الدين أو القومية. ويتبع هذا أن اللغة الوحيدة التي تفهمها هذه الأنظمة هي لغة القوة، وهي اللغة التي تمارسها هي مع شعوبها وجيرانها إن كانوا أضعف منها. وإن كل الآمال على تغيير طبيعتها، وعلى عدولها عن نهجها العدواني، هي بناء على رمال. وهذا لا يعني أنها لا تنحني لهذه الضغوط أو تلك، ولا تراوغ وتبدل التكتيك من حين لحين، وتمارس التقية، ولكن طبيعتها تظل ثابتة؛ وما يتبع ذلك من ثبات حقيقة أهدافها ونواياها. وهذا ما يصدق أيضا على جميع التيارات والقوى الإسلامية في المنطقة.
ثانيا، وهذا مهم جدا، هو وجود ظروف دولية تشجع هذه الانفلاتات والعنجهبات، التي يمكن أن نضيف لها هجمات طالبان الأخيرة، وانزلاق العراق نحو ديكتاتورية جديدة في الحضن الإيراني.
الوضع الدولي منقسم سياسيا بين quot;معسكرينquot;، إن صح التعبير: فهناك الصين وروسيا اللتان تقفان معا لدعم النظام السوري ونظام الفقيه لحسابات إستراتيجية وتجارية. والصين تدعم- فوق ذلك- كوريا الشمالية ونظام البشير.
وهناك أزمات الاتحاد الأوربي، المالية والاقتصادية، التي تجعل همه دولها الرئيسي هو الانكباب لحل هذه المشاكل الداخلية. وإذا كانت لفرنسا اليوم بعض السياسات الخارجية الجريئة [من سوريا وإيران مثلا]، فليس ذلك مضمونا مع حكم اليسار لو نجح الاشتراكيون. وهذا ما لا تجهله جميع هذه الدول المعنية.
أما الظرف الدولي الأكثر تشجيعا لهذه الانفلاتات العدوانية، فإنها سياسات إدارة أوباما المتراخية واليساروية، والتبسيطية، والمنطلقة من أوهام تغيير الأشرار بهذه الالتفاتة أو تلك. ومع أن هذه الإدارة اضطرت، وبعد ثلاثة أعوام من الحوار العقيم مع إيران، لفرض بعض العقوبات القوية، لكن هذه العقوبات ليست رادعة، كما أن أوباما يواصل إرسال رسائل التطمين لخامنئي، ومنها القبول بالتخصيب مع أن الإدارات الأميركية السابقة كانت قد أعلنت أنها توافق على أن يكون لإيران برنامج نووي للأغراض السلمية. ولم نسمع لحد اليوم رد فعل أميركيا على تهديد إيران لدولة الإمارات العربية؛ بل، لقد ووفق على الإملاء الإيراني باتخاذ بغداد مكانا للجولة الثانية من المفاوضات مع مجموعة 5+1، وكأن أوامر إيران يجب أن تلبى!!- [ هذا ودون أن نقف عند عواقب هذا الاختيار على العراقيين المساكين، من تضييق ومن هدر في الأموال بينما التفجيرات تواصل حصد الأرواح كل يوم].
على صعيد آخر، قدمت الإدارة الأميركية الحالية إشارات حسن الظن مرارا لكوريا الشمالية وأرسلت مبعوثين على مستوى عال، وراحت الصحافة القريبة منها تتحدث عن تطورات إيجابية مرجحة في سياسات هذا النظام. وجاء إطلاق الصاروخ ليبدد تلك الأوهام. وهكذا أيضا عن موقف أوباما من نظام البشير. فقد أرسل لهذا النظام مبعوثا خاصا على مستوى رفيع، لم يتردد عن مقابلة البشير نفسه، المطلوب للعدالة الدولية. وفي أحد تصريحات المبعوث الخاص قال إن السودان ليس في وارد quot; ربيع سودانيquot;! وكأن نظامه ديمقراطي! وها والبشير ينفر في بوق الحرب من جديد، ملوحا بعصا الأفعوان وكأن حرب عقود لم تكفه ولا دماء دارفور وعمليات الاغتصاب الجماعية لنسائها.
وبعد، فهل سوف تفرض هذه التحديات الخطيرة نفسها على المجتمع الدولي، والغرب خاصة، وبرغم كل الصعوبات،لاتخاذ مواقف أكثر واقعية وحزما وردعا لأن الأخطار المذكورة تهدد أمن العالم أمن الغرب نفسه، وكل العالم؟؟
إيلاف في 20 أبريل 2012