عودة وشيكة لمفاوضات تضييع الوقت والخداع الإيراني حول المشروع النووي. ورغم تأكيدات متتالية من وكالة الطاقة نفسها على الطابع العسكري للمشروع الإيراني، فإن إدارة أوباما تضع رأسها في الرمال، وتشجع على مزيد من مفاوضات تضييع الوقت بين النظام الإيراني وبين مجموعة 5+1. فلولا الهرولة الأميركية منذ 2009 نحو ما سمي بالحوار الانفرادي، وبلا شروط،، وإرسال الرسائل تلو الأخرى من أوباما لخامنئي، لما تكررت هذه المفاوضات العقيمة ولاتخذت الوكالة والمجتمع الدولي-[ على الأقل المجموعة الأطلسية]- موقفا رادعا يضع حكام إيران أمام أحد خيارين لا غير: إما الانصياع حالا لمطالب الوكالة ومجلس الأمن بالتخلي عن المسيرة العسكرية للنووي، وإما اتخاذ إجراءات رادعة لا تستثني استعمال القوة.
أوباما يتباهى بالعقوبات النفطية، التي، رغم إضرارها بالنظام الإيراني، فإنها ليست رادعة، وخصوصا وللنظام الخميني عشرات الطرق للتهرب من العقوبات النفطية. وقد نشرت رويترز مؤخرا تقريرا مثيرا عن ذلك، فاضحة مختلف الأساليب والطرق الإيرانية لتهريب النفط الإيراني وتسويقه وإنزال سعره وتنويع المشترين. وها هو أحمدي نجاد يعلن متفاخرا بقوله: quot; يريدون فرض حظر على نفطنا. مخزوننا من الذهب والعملات الأجنبية لا مثيل له في التاريخ. لدينا مخزون من العملات الأجنبية يمكّننا من إدارة شؤون البلاد في سهولة، ولو لم نتمكن من بيع برميل واحد من النفط طيلة سنتين وثلاث. quot; [ الحياة في 11 نيسان 2012 ]
طبعا، هذه مباهاة مفتعلة ومنتفخة تخفي القلق من الأضرار الفعلية التي يتعرض لها الاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات، ولكنها، في الوقت نفسه، دليل آخر على العناد والإصرار الإيرانيين على المضي قدما في المشروع لنووي العسكري مهما كلف الأمر، ومهما كانت النتائج على الشعب نفسه.
حكام إيران يدركون جيدا أن الدولة العظمى زمن أوباما [ الذي يواصل الإعلام العربي النفخ في الثقة به] ليست في وارد اتخاذ مواقف حازمة رادعة، لا تجاه خطر كوريا الشمالية ولا تجاه الخطر النووي الإيراني، المقترن بعمليات وسياسات التخريب في المنطقة وبتصدير الإرهاب وتشجيعه وبدعم جريان الدم في سورية. فما يهم أوباما هو انتخابه مجددا، وهو كما يظهر يرسل رسائل تطمين شفهية، مرة لميفيديف حول الدرع الصاروخية في حالة إعادة انتخابه، ومرة يطمئن النظام الإيراني من خلال وسيطه المفضل أردوغان. وبينما تؤكد وكالة الطاقة النووية على الطابع العسكري للمشروع كل يوم، فإن إدارة أوباما تسارع لاستخدام المغالطة بتدوير المسألة هكذا: quot;إيران لم تقرر بعد إنتاج القنبلة. وهناك خلافات داخل إيران حول الموضوع.quot; وهي تواصل التحذير من كل هجوم على المواقع النووية الإيرانية وكان العالم كله سوف تشعله إيران ووكلاؤها وحلفاؤها.
يذكر المرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني كيف أن حكام إيران استخفوا بجيمي كارتر[ مرشد أوباما وأستاذه السياسي] وعرفوا مدى ضعفه، فواصلوا حجز الرهائن. وعندما هدد ريغان إيران بحزم بأنها سوف تدفع ثمنا غاليا لتصرفاتها الإرهابية، أطلقت الرهائن يوم تنصيب ريغان في 20 يناير 1981. فقد عرف خميني ومريدوه بأن ريغان جاد لا يلقي الكلام على عواهنه.
إيران تستغل مواسم الانتخابات الأميركية والفرنسية، والصعوبات الأوروبية، المالية وغيرها، ولديها أوراق كثيرة، منها العراق ولبنان [حزب الله] والحوثيون وبعض أطراف المعارضة البحرينية، والإخوان المسلمون الصاعدون؛ كما بإمكانها استخدام القاعدة نفسها لصالح أغراضها. ولكن مهما كانت فاعلية هذه الأوراق والإمكانات وتأثيراتها المخربة، فإن إيران لن تصمد إذا قررت الولايات المتحدة حتى لوحدها اتخاذ موقف رادع يضع إيران أمام خيارين لا غير: إما الانصياع وإما الصدام. وقد كتب عادل درويش في الشرق الأوسط ما يلي:
quot;مسيرة الجمهورية الخمينية نحو تطوير السلاح النووي تقف اليوم على حافة اللاعودة. واللاعودة هنا تعني تطور سيناريو يعجز فيه العالم عن منع إيران من امتلاك السلاح النووي [ خيار المتشددين بهوس أيديولوجية تبرر مسح دول من على الخريطة]؛ أو الهيمنة على الخليج بابتزاز الدول العربية نوويا والتحكم في تدفق بترولها وأسعاره، وإحلال شمولية ولاية الفقيه محل الحكومات المدنية [ خيار المعتدلين من حكام إيران]-...quot;- علما بأن لا اعتدال بين هؤلاء فيما يخص طموح القنبلة.
أميركا والدول المفاوضة الأخرى تريد تطمينات ووعودا إيرانية عن حسن النوايا! وكأن مفاوضات السنوات من 2006 ولحد اليوم لم تبرهن على أساليب نظام الفقيه في التلاعب والمناورة وكسب الوقت؛ بل إن التصريحات النووية الإيرانية الأخيرة نفسها تشكل تحديا لدول التفاوض والوكالة بالمباهاة بالمضي في التخصيب بنسبة 20 بالمائة والقدرة على التخصيب بنسبة بحدود 90 بالمائة. وقد صرح علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، بأن quot; الدول المتغطرسة بقيادة أميركا وأوروبا ستقبل بعضوية إيران في النادي النووي.quot;[ رويترز في 6 نيسان 212 ]. ومضى ليضيف أنه رغم التهديدات والعقوبات، فقد أحرزت إيران تقدما كبيرا في قدرتها النووية وأتقنت جميع مراحل التخصيب، من استخراج خام اليورانيوم في المناجم الإيرانية، إلى إنتاج الكعكة الصفراء [ مسحوق اليورانيوم المركز]، وبناء أجهزة الطرد المركزي وضخ غاز سادس فلوريد اليورانيوم فيها.[ نفس المصدر].
النوايا الإيرانية مكشوفة ولا تحتاج لاختبار جديد: سواء من التهديدات بغلق مضيق هرمز أو دعم النظام الدموي في دمشق أو الهيمنة على العراق ولبنان وغزة و ودعم المتطرفين في اليمن والبحرين.
في سلسة مقالات عن سياسات أوباما الخارجية توصلنا إلى أن هذه السياسات، المشبعة بالمثاليات لحد التبسيط، والمتصفة بضعف الإرادة، وبتناقض مواقف وتحليلات من يحيطون بالرئيس الأميركي [ لاسيما ليونة مفرطة لنائب الرئيس بايدن تجاه إيران]، هي التي تشجع إيران على المضي قدما في طموحاتها النووية والعبث بأمن المنطقة.
والخلاصة: إما أن تجد إيران في وجهها موقفا غربيا موحدا حازما - [مدعوما بموقف خليجي واضح وجرئ ما دامت دول الخليج هي المهددة قبل غيرها]- وتدرك أن المسألة جد لا هزل، فتعود لجادة العقل، وإما أن تتلقى درسا قاسيا وفاصلا، يؤدي، في الوقت نفسه، لزعزعة النظام السوري بقوة، وإلى تداعيه بسرعة. ولكن المؤلم أن الواقع يقول شيئا آخر ما دامت السياسة الأميركية ماضية في نهج التشبث بالأوهام. كما أنه، إذا كان النظام الإيراني أكثر تحسبا وتحوطا وقدرة مناورة من نظام صدام، ويعرف الانتقال من حالة لأخرى بمهارة، ما بين تصعيد وتلطيف، فإن هوس الغطرسة والتمدد، وطموح الانتقال بإيران لمصاف الدول الكبرى النووية قد يوقعانه في فخ الصدام، فتكون نهايته. ولا ننسى أنه في داخل النظام الإيراني يلعب فريق quot;الحجتيّةquot; دورا قويا، وهو الفريق الذي يرى أنه كلما عم الخراب، قرب موعد ظهور الإمام الغائب! أما إذا بادرت إسرائيل وحدها لتوجيه ضربة للمفاعلات الإيرانية، فهل ستستطيع الولايات المتحدة الوقوف على الحياد؟؟