الحلقة الأولى

انطلقت الإدارة الأميركية من التعامل مع إيران من عدة أوهام، كما مر في مقالنا الأول، وبدأت بمد اليد بلا شروط خلال أكثر من عام، كان النظام الإيراني خلال ذلك يزداد تحايلا على المجتمع الدولي في مشروعه النووي، ويزداد قمعا للشعب وصل الذروة في انتفاضة حزيران 2009، التي لم ينبس خلالها أوباما بكلمة تعاطف واحدة مع المعارضة الإيرانية وجماهير إيران. وفي مقال سابق كتبنا التالي:
quot; إن معضلة أوباما الحقيقية هي ضياع البوصلة في السياسة الخارجية، وأوهامه بالقدرة على حل مشاكل العالم بسحر المنطق، وقوة البلاغة، ولغة الإقناع- أي سحر الدبلوماسية الرقيقة quot; الناعمةquot;. هذا الضياع يتجلى بشكل مركز في الموقف من إيران، وإصرار إدارة أوباما على ترك الوقت، فتستغله إيران في الطريق للقنبلة.quot; وكان لتعدد اجتهادات مساعديه، وخصوصا نائبه جوزريف بايدن [ الذي كان معروفا بتعاطفه مع النظام الإيراني]، دور في تلك المواقف والسياسات. ولا ننسى دور الحماس والانبهار المفرطين لتسلمه الرئاسة، خصوصا في العالمين العربي والإسلامي، من موقع النكاية بالجمهوريين.
لقد اعتبر نظام خامنئي- نجاد- باسداران يد اوباما الممتدة بلطف ضعفا واسترضاء من موقع الضعف، وهذا هو شأن الأنظمة الشمولية القمعية التي لا تفهم غير منطق الردع والقوة وتعتبر اللين الدبلوماسي ضعفا من الجانب الآخر.
وبعد التجربة المرة، اضطرت الإدارة الأميركية، بعد حوالي عامين، للجوء لسلاح العقوبات، التي، إن كانت تؤثر لدرجة ما على النظام الإيراني، فإنها غير كافية لردعه وعزله دوليا.
ويبدو أن الإدارة الأميركية لم تختر حتى اليوم السبيل المؤدي لعزل إيران، ومنعها من حيازة القنبلة، ومن مواصلة انتهاك حقوق الإنسان والأقليات في إيران، ومن التدخل في شؤون الدول الأخرى، ومن تصدير الإرهاب وصنعه. وكما يقول الأستاذ الراشد، فإن الضجة الأميركية والتهديدات حول خطة اغتيال السفير السعودي هي بلا مفعول حقيقي، ومن quot;بشائرquot; ذلك أن الإدارة الأميركية أجرت اتصالا بالحكومة الإيرانية لإبلاغها استنكارها وتحذيرها من أنها تعتزم ملاحقة السلطات الإيرانية بخصوص محاولة الاغتيال. ورغم التكذيب الإيراني للاتصالات، فإن رئيسة المكتب الصحفي في وزارة الخارجية الأميركية نولاند أكدت الخبر في تصريح لوكالة تاس. وقالت quot; مرة أخرى أود التأكيد على أننا التقينا بالإيرانيين، ومحاولتهم لنفي ذلك تدل على مدى صدقهم عادة في مثل هذه الأمور.quot;
لا بأس في لقاءات دبلوماسية لغلق أبواب الحجج، ولكن على أن يكون ذلك بلا أوهام. فالرد الحقيقي- في رأينا- هو في طلب اجتماع لمجلس الأمن لمحاسبة النظام الإيراني، ليس فقط حول المحاولة، بل كذلك حول تماديه في النشاط النووي المريب. والرد الحقيقي أيضا هو في تعضيد ودعم مختلف أطراف المعارضة الإيرانية، ولاسيما المعارضة العلمانية الديمقراطية المناضلة لتغيير النظام أصلا. ونقول بالمناسبة إن استمرار أميركا في اعتبار مجاهدي خلق منظمة إرهابية، خلافا للموقف الإيجابي للاتحاد الأوروبي، إنما يخدم النظام الإيراني.
إن ما يتكرر في الولايات المتحدة هو، أنه ما أن تتسرب معلومات استخبارية، مؤكدة أو مرجحة، عن الطابع العسكري للمشروع النووي الإيراني، حتى يصدر حالا، على لسان خبراء أميركيين أو في مقالات، ما يصب في التلطيف والتخفيف من تلك المعلومات مع أن وزير الدفاع الحالي سبق وأن أدلى أمام الكونغرس شهادة ترجح الطابع العسكري للمشروع. واليوم، تثار تساؤلات عما إذا كانت خطة الاغتيال مصادقا عليها من رأس النظام الإيراني أم هي من اجتهاد بعض قيادات الحرس الثوري وبلا قرار من أعلى. وهذا التساؤل غير منطقي لأن أية خطة اغتيال في إيران، وبهذا الحجم، لا تعتمد وتنفذ بدون قرار من خامنئي نفسه.
لا تزال لدى إيران أوراق قوية، في مقدمتها حلفاؤها في النظام العراقي، وحزب الله في لبنان، وعلاقاتها القديمة الجديدة بالقاعدة، والأزمات المالية الكبرى في أميركا والاتحاد الأوروبي، والسند الروسي والصيني، وعلاقاتها بالإخوان المسلمين في مصر ودول عربية أخرى، وخلاياها النائمة في الخليج، وأموالها الضخمة التي تصرف على العملاء والأنصار وعمليات الإرهاب بلا رقابة شعبية برلمانية، أيا كانت.
صحيح أن الانتفاضة السورية، التي تشارك في قمعها إيران، ليست لصالح النظام الإيراني، الذي أقام تحالفا إستراتيجيا مع نظام الأسد. وهذا الموقف يجعل المعارضة العلمانية والديمقراطية السورية تدين السلوك الإيراني وسلوك حزب الله، ولكن بإمكان إيران المناورة حتى في حالة سقوط النظام السوري، وذلك بإيجاد جسور التفاهم مع الإخوان المسلمين السوريين، الذين هم أيضا- كبقية الإخوان- مناورون بارعون، ويقيمون التحالفات ويفكونها حسب مصالحهم وطموحاتهم. وليس بعيدا أن تعمل إيران- في حالة سقوط نظام لأسد،- على إيجاد لغة تفاهم مع النظام السوري الجديد فيما لو كان للإخوان دور كبير في حكومته وبرلمانه، وهو ممكن. فكل شيء مباح في بازار الدبلوماسية الإيرانية. أما إذا صمد النظام السوري، فستكون إيران أول الرابحين في المنطقة، مثلما كان انتصار شعبي مصر وتونس بإزاحة حاكميها السابقين، المناوئين للخمينية والإسلاميين، لصالح إيران أيضا، وتلك من المفارقات السياسية. وهو أيضا ما سيكون المردود عند رحيل الرئيس اليمني. وهكذا تؤدي سياسات أنظمة الاستبداد، أي لنتائج متعارضة في بعض الأحيان.
صحيح أن هناك منافسة إيرانية- تركية على كسب القوى الإسلامية العربية قي بلدان الانتفاضات وغيرها، ولكن إيران لا تقل قدرة وتعدد أوراق في هذه المنافسة برغم التباين المذهبي الذي لم يمنع إيران من استخدام القاعدة ودعم عملياتها.
نظام الفقيه سوف يستمر في الغطرسة وتصدير الإرهاب وطموح القنبلة ما لم تتخذ أميركا والاتحاد الأوروبي ووكالة الطاقة النووية ومجلس الأمن مواقف تؤدي فعلا لعزلة النظام الإيراني، وخنقه، وردعه، وتدعيم نضالات الشعب الإيراني من أجل الحرية والديمقراطية. وهذا يتطلب أيضا مواقف واضحة وجريئة من الدول الخليجية المهددة من إيران والسعودية بالذات، بدلا من المواقف المترددة والمتناقضة لحد اليوم، ولدرجة دعوة نجاد لاجتماعات مجلس التعاون!!
كما نود أخيرا الإشارة لمقترح رئيس البرلمان العراقي السيد النجيفي حول عقد مؤتمر عراقي- إيراني- تركي ndash; سعودي، لنقول إن رئيس البرلمان العراقي قد تجاوز الحد، ونسي أولا أن العراق بلا إرادة مستقلة في السياسة الخارجية، وهو في مركز ضعف وأزمات؛ وثانيا إن هذا المشروع يعطي مصداقية لدور إيران التخريبي الهجومي في الوقت الذي ترتفع فيه الأصوات دوليا لعزل هذا النظام. وعلى السيد النجيفي الاهتمام بوضع برلمانه العتيد بدلا من إتيان مبادرات غرائبية كهذه المبادرة، وعليه طرح مشروع قرار على البرلمان يطالب حكومة المالكي بتقديم دعوى ضد النظام الإيراني لمجلس الأمن على استمرار الاعتداءات المدفعية الإيرانية وانتهاك سيادة العراق.
إيلاف في 21 أكتوبر 2011