تلكم رسالة خامنئي للعراقيين من خلال لقائه بالسيد المالكي، الذي أنهي للتو زيارته لطهران.
ليست هذه هي المرة الأولى لإعطاء نظام الفقيه الشمولي، العنصري توجيهات لزعماء العراق. فمن قبل، قال محمود احمدي نجاد إن العراق يسير قدما على الخط الإسلامي الثوري. وسيق لخامنئي أن quot;نصحquot; زعماء عراقيين بوضع دستور quot;إسلاميquot;. ثم نصح- محذرا- من إبرام اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة.
زيارة السيد رئيس مجلس الوزراء العراقي تأتي بعد انتهاء القمة، التي كان اختيار بغداد لها موضع ارتياح سوري- إيراني، لاسيما وقد أعقبت قرار القمة عن سورية تصريحات للسيد المالكي تقول quot; ولماذا يجب أن يسقط المالكي؟!quot; وكأن شيئا ما لم يحدث. ثم اختار خامنئي بغداد لجولة المفاوضات النووية القادمة، وهو اختيار يعني الكثير من جهة الثقة الإيرانية المطلقة بحكومة العراق.
خامنئي ونجاد أمعنا في الإشادة بما سمياه quot;صمود العراقيينquot; في وجه الولايات المتحدة ، وخامنئي راح يتباهي بكون المالكي صار رئيسا للجامعة العربية!
خلال هذا الوقت، وبعده، ولحد اليوم ثمة أزمة سياسية داخلية مستفحلة في العراق، لإيران دور كبير في تأجيجها. ولم تبق قوة سياسية غير متخاصمة مع السيد المالكي، ولحد أن مقتدى الصدر أصبح يعرض تياره لتبؤ منصب رئيس مجلس الوزراء. فأي بديل!!!! أي بديل!!!! و قبل مدة هاجمت القوات الحكومية مقر الشيوعيين ومكان صحيفتهم. ثم تم اعتقال رئيس مفوضية الانتخابات ومساعده أياما، حتى اضطرت الحكومة للإفراج عنهما. ورئيس مجلس الوزراء يريد إلحاق البنك المركزي بمكتبه بعد أن ألحق به كافة الهيئات المستقلة الأخرى، التي ضمن الدستور المهلهل نفسه استقلاليتها.
بعض النواب الإيرانيين يدعون لتوحيد العراق وإيران؛ لكن تحت قيادة من ؟؟!! والحكومة العراقية متهمة على نطاق عربي ودولي بتصدير النفط والعملات الصعبة لكل من دمشق وطهران في تهرب من العقوبات الدولية.
إيران تصب الزيت على النار السياسية العراقية المشتعلة، وفي الوقت نفسه نسمع سلسلة تصريحات تفسر لنا بنية طرح استقلال إقليم كردستان على الاستفتاء الشعبي في الإقليم. ولو صح تفسير تصريحات الأخ رئيس الإقليم بنية الانفصال، فأعتقد أن ذلك لن يكون لصالح الشعب الكردستاني والعراق والمنطقة. ولكنني شخصيا لا أعتقد أن الأخ مسعود البرزاني يريد الانفصال حقا، ولكنها تصريحات غاضبة ورد فعل بسبب سياسات ومضايقات المالكي، والتهديدات العنجهية بطرد الأكراد من بغداد، وملاحقتهم وطردهم في مدن ديالى، وإغلاق منبر تلفزيوني للكرد الفيلية، وغير ذلك من إجراءات ومواقف لم نر حكمة فيها ولا مبررا.
إن النظام الإيراني يواصل استخدام ورقة الشيعة في العراق، [كما في لبنان والبحرين والكويت، وحتى مصر]، لأغراض بعيدة عن مصالح المواطنين الشيعة، الذين سبق وظهر بينهم العشرات والعشرات من خيرة الوطنيين العلمانيين والرافضين للطائفية وفتوى quot;حاكمية الشيعةquot; في العراق- شخصيات كانت تنطلق من مبدأ المواطنة، وتؤمن بأخوة العراقيين ورفض كل تمييز، ولم يكن أي منهم يصرح quot; أنا شيعي ثم عراقيquot;. ولا كانوا يعلنون أن أعداءهم العلمانية والحداثة بزعم أنهما ضد الدين، وتجب مكافحتهما- أي تحرض رجال الدين والعامة ضد كل من يريد الانفتاح والتطور العصري، ونبذ الطائفية، وفصل الدين عن الدولة. واليوم أيضا ثمة شخصيات سياسية ومثقفون من الشيعة العراقيين من المدرسة الوطنية العلمانية نفسها، ولكنهم مهمشون، بل ومغضوب عليهم.
بعيد سقوط صدام بأسابيع نشرت مقالا بعنوان quot; إيران تحرق شيعة العراقquot; وإن مواقف وتصريحات حكام إيران المرائية والمراوغة في مدح العراق، تكتيك للإمعان في جر العراق ونخبه السياسية، أكثر فأكثر، للبيت الإيراني، وتحت عباءة المرشد الفقيه. إنها مواقف وتصريحات لا علاقة لها بمصالح شعب العراق.
كلا، لا مصلحة لشعبنا في أن يظل العراق تابعا لسياسات وحسابات النظام الإيراني المتسمة بالعنجهية والتدخل في شؤون الآخرين، ونشر التناحر المذهبي، وتحدي المجتمع الدولي. ولا مصلحة لشعبنا، وأي شعب آخر، في أن يقتدي بالتجربة الخمينية، التي هي طبعة جديدة لسياسات الشاه العنصرية التوسعية، ولكنها شمولية ومغلفة ببرقع ديني. ولا مصلحة للعراق بمد اليد لجزار دمشق وهدر أموال العراق ونفطه قربانا لدمشق وطهران. ولا مصلحة للعراق وأمنه وسيادته وشعبه المنكوب في استمرار السياسات الحكومة الحالية، وتواصل الأزمة السياسية المستفحلة بينما المتفجرات تحصد المواطنين، وثلث العراقيين تحت خط الفقر، والثلث الآخر- وأكثر- هم مع مستوى الفقر أو فوقه شوية، علما بأن ميزانية العراق تتجاوز المليار دولار. كما لا أرى مصلحة كردية أو عراقية في انفصال إقليم كردستان اليوم والأكراد العراقيون سيكونون أول المتضررين لكونهم محاطين بأعداء حقيقيين ولو حاول بعضهم، كأردوغان، إبداء حسن النوايا لحسابات تركية خاصة.
العراق سائر نحو الهاوية، والطبقة السياسية لم تبرهن على الجدارة المطلوبة، والسيد المالكي- بسيره الحثيث نحو الحكم الفردي- يتحمل المسئولية الأولى عن هذه المأساة.