استعرت نعت الحَكَم] من غلاف عدد مجلة quot; فالير أكتويلquot; الفرنسية، الصادر بعد الدورة لانتخابية الأولى، وعلى الغلاف صورة مارين لوبين، زعيمة حزب quot;الجبهة الوطنيةquot; اليميني الشعبوي.
كانت أكثرية التوقعات عن نتائج الجولة الأولى تذهب في البداية إلى توقع تصدر مرشح يسار اليسار ميلانشون، المرتبة الثالثة بعد هولاند وسركوزي، فإذا بحزب مارين لوبين هو الذي يحتل هذا الموقع بحصده لحوالي 18 بالمائة من الأصوات مقابل 11 بالمائة لميلانشون، و9 بالمائة للوسط- بايرو. وهكذا يصبح حزب مارين هو الحَكَم الفصل في النتائج النهائية، مما جعل سركوزي يعلن عن تفهمه للناخبين اللوبينيين وأسباب تصويتهم، كتصويت شكوى واحتجاج. وقد رد التهم بأن حزبهم ليس جمهوريا ما دامت الديمقراطية الفرنسية أجازت ترشح زعيمته. والمرشح الاشتراكي، من جانبه، قال أيضا إنه quot;يفهمquot; تصويت ناخبي هذا الحزب، ولم يذهب أبعد، ولكن مغزى تصريحه المقتضب هو أيضا التودد لناخبي مارين. ومع هذا، فإن الاشتراكيين وأجهزة الإعلام الفرنسية، والتلفزيونية خاصة، راحت تبذل كل المحاولات للتغطية على تصريح المرشح الاشتراكي والتركيز على موقف سركوزي لاتهامه بالانحياز لطروحات مارين لوبين، ونية عقد تحالف ما مع حزبها. وهو ما نفاه.
الباحث والكاتب الفرنسي quot;فرنسوا دي أورسيفالquot; يكتب تحت عنوان quot; السيف في الخاصرةquot; أن نتائج الانتخابات تعني أن فرنسا لا تزال quot;ميامنةquot; لا quot;مياسرة، وذلك إذا جمعنا مجموع أصوات المرشحين المحسوبين في خانة quot;اليمينquot; وquot;اليسارquot; ndash; علما بأن مصطلحات يمين ويسار ووسط في فرنسا غير دقيقة، وإنما هي مصطلحات تقليدية قديمة، لا تدل دوما على حقيقة طبيعة وبرامج ومواقف الأحزاب والتيارات المعنية. ونذكر بالمناسبة قول المفكر الفرنسي الراحل ريفيل، الذي كتب مرة أن تشرشل كان أكثر يسارية من ستالين، قاصدا الموقف من النازية التي هادنها ستالين فترة في اتفاق ثنائي.
يقول فرنسوا دي أورسيفال إن حملة سركوزي الانتخابية ليست هي التي شجعت اليمين بل إن فرنسا هي quot;ميامنةquot;.
في 2002 فاز شيراك وحلفاؤه بسبعة ملايين صوت في الدورة الأولى، وحصل جان ماري لوبين [ والد مارين] على خمسة ملايين ونصف المليون صوت، فيكون المجموع 12 مليونا ونصف المليون. وبعد خمس سنوات، حصد سركوزي والمرشحان الآخران المحسوبان على اليمين 12 مليون صوتا و700 ألف. ومع أصوات لوبين كان المجموع 16 مليونا ونصف المليون. أما في المرحلة الأولى من الانتخابات الحالية، فإن مجموع ما حصده اليمين- بمختلف تياراته واتجاهاته- هو 16 مليونا و700 ألف صوت؛ أي خلال عشر سنوات [ 2002- 2012 ] حصد اليمين 4 ملايين صوت جديد. أما الرابح الأكبر فهو حزب مارين حيث حصد خلال الفترة نفسها مليون صوت جديد. وهو رقم قياسي[ انظر الملحق رجاء]. والواقع أن جيلا جديدا من الحزب اللوبيني قد أجرى تعديلات هامة على الخطاب والمواقف. ولمارين نفسها دور كبير في ذلك. إن هذا التطور نشهده في دول غربية أوروبية أخرى، حيث أن أحزاب اليمين الشعبوي راحت تتخلى عن كل ما يدل على عنصرية،[ باستثناء الزعيم اليميني الهولندي الشعبوي]، وحيث أخذت تعنى بالمطالب الجذرية للمواطنين من بطالة وتدني القوة الشرائية والتطير من مؤسسات الاتحاد الأوروبي المتهمة بمس السيادة الوطنية، مع استمرار إثارة موضوع الهجرة، ولاسيما تحديات الجاليات الإسلامية في أوروبا. وهو ما تعرضنا له عدة مرات، ولاسيما في مقالنا عن كتاب المؤلف الأميركي كريستوفر كالدويل، الذي توقع منذ 2009 بأن التنازلات المستمرة لمطالب المسلمين المتصاعدة في أوروبا سوف تغير أوروبا مع الزمن.
إن الموقف من حزب لوبين والأحزاب الأوروبية المماثلة ليس في أبلستها ولا في اتهام جماهيرها وأنصارها بالنازية الجديدة، كما يفعل بعض اليسار الغربي وكتاب عرب، [مارين لوبين ليست مثل النرويجي الإرهابي بريفيك وهي تدين العنف]. وإنما الواجب تفهم أسباب انجذاب شرائح متزايدة من سكان أوروبا الأصليين نحو طروحات هذه الأحزاب. فمارين لوبين مثلا تقول علنا وبوضوح ما يخشى الآخرون قوله إلا بمواربة واستحياء، ولاسيما ما يخص الهجرة والأمن والمؤسسات الأوربية والأصولية الإسلامية. وطبعا هي تغالي في الطرح والحلول المقترحة كوقف الهجرة الشرعية في فرنسا، أو المطالبة بالخروج من منطقة اليورو وغير ذلك. ومع أن قسما من أصوات حزب الجبهة هذا صوت لسركوزي عام 2007، ولكن زعيمة الحزب تركز على مهاجمة سركوزي أكثر بكثير مما تهاجم اليسار، الذي يتهم بعض فصائله- كميلانشون- مارين لوبين بquot; المجنونةquot;quot; [ كيف يصوت أكثر من ستة ملايين فرنسية وفرنسي لمجنونة!!!]. وحسب بعض الاستطلاعات، فإن مارين قد تدعو لوضع أوراق بيض في صناديق الاقتراع في المرحلة الثانية، ولكن هناك توقعات بأن 14 بالمائة من ناخبيها سيصوتون لهولاند، و28 لسركوزي والبقية امتناع. والواقع أن هدف مارين لوبين هو تفكيك الحزب الديجولي لتصبح وحزبها القوة المعارضة الأقوى لليسار الحاكم، وتمهيدا ربما لنجاح ترشيحها في الانتخابات القادمة، مع التركيز حاليا على الانتخابات البرلمانية. ويذكر أن ميتران كان هو من أجرى عام 1986 تعديلا على قانون الانتخابات بما سمح لحزب الجبهة الوطنية هذا بدخول البرلمان وحصد 35 مقعدا. وهذا ما يتناساه الاشتراكيون. وكان هدف ميتران إضعاف الديجوليين في البرلمان.
لقد تابعت مقابلتيْ سركوزي وهولاند المنفصلتين مع التلفزيون الفرنسي قبل أيام، وكان هولاند قد رفض اقتراح سركوزي بإجراء 3 مواجهات تلفزيونية معا [ ستجري مقابلة مشتركة واحدة]. وجدت هولاند يتملص من إجابة صريحة في موضوع الهجرة. فقد سأله صحفي: quot; هل تعتبر أن الأجانب كثيرون في فرنساquot;، فكان جوابه: quot; من له إقامة شرعية منهم يبقى، والمهاجر غير الشرعي يجب ترحيله.quot; ورغم تكرار السؤال، فإن الجواب بقي نفسه. وكان على الصحفي أن يكون صريحا في ما يعنيه- أي هل يجب وضع ضوابط للهجرة الشرعية، عددا ومواصفات، كما يطالب سركوزي، أم لا؟ وكان موقف الصحفيين من سركوزي أكثر مجابَهة، ولحد الاتهام بالتواطؤ مع حزب مارين لوبين لتصريحاته مارة الذكر مع أن هولاند قال الشيء نفسه ولكن بصيغة مخففة جدا. وقد صار كل حديث عن ضبط الهجرة وتقوية إجراءات الأمن بمثابة مغازلة اليمين الشعبوي، والتواطؤ معه مع أن هذا ما يفكر فيه معظم الفرنسيين، ولاسيما الأكثرية الصامتة.
وتبقى المشكلات الأكثر إشغالا للفرنسيين هي مشاكل البطالة والعمل والقدرة الشرائية وارتفاعات أجور السكن وأزمة السكن عموما، وطبعا تحديات الهجرة أيضا. فثمة مدرستان أساسيتان : مدرسة التنمية أولا: والطريق هو رفع الضرائب مع زيادة الوظائف؛ ومدرسة التوفير في نفقات الدولة ومعالجة الديون والعجز أولا، كوسيلة عبور نحو التنمية، أخذا بالاعتبار حجم الديون والعجز [ 1700 مليار يورو]- وذلك كما مر في مقالنا الأول عشية المرحلة الانتخابية الأولى.
نعتقد أنه من الصعوبة بمكان عودة سركوزي للرئاسة إلا إذا حدثت مفاجآت ليست بالحسبان. فأولا جاء للرئاسة، وبعد أقل من عام انفجرت الأزمة المالية الأميركية والأوروبية، المستمرة ولو بحدة أقل. وثانيا، إن الجميع يركزون ضده، ولاسيما التلفزيون، ويضخمون أخطاءه، وينكرون منجزاته وتجربته. وثالثا بسبب بعض طباعه وتسرعه وشيء من النزق في بداية سنوات الرئاسة. فصار الحكم على شخصه أكثر من الحكم على البرنامج. كما أنه راح في البداية يكثر من مشاريع الإصلاحات- كما بينا في المقال السابق عن الانتخابات. وقد استطاع تنفيذ عدد من الإصلاحات المهمة، وتراجع عن المضي قدما في تنفيذ البعض الآخر، أو تنازل في صيغ توفيقية، أمام الاحتجاجات والإضرابات. وكان بعض مساعديه قد تنبؤا في البداية بأنه سيكون مثل مارغريت تاشر في صلابة الموقف، ولكن هذا لم يحدث. وكانت تاشر قد صمدت عاما كاملا أمام إضرابات عمال مناجم الفحم، وانتصرت برغم أن شعبيتها تدنت في البداية إلى 18 بالمائة فقط. لكن مما يحسب لسركوزي تجنبيه البلاد من حالات أزمات مالية واقتصادية حادة كالحالات الإيطالية والإسبانية، ولا نقول حالات البرتغال و اليونان وإيرلنده. ونقول ربما لو كان مرشح حزب سركوزي شخصية أخرى ذات كفاءة ومكانة لتغير الأمر- لا نعرف. كما أنه قد أزعج بعض أقطاب حزبه حين اتجه لطلب الكفاءات الوزارية من اليسار مثل كوشنر للخارجية، وهو أيضا ما قد أثار من صوت له من حزب لوبين سابقا. ويبقى موقف ناخبي الوسط، بايرو، الذي هو أيضا لا يرتاح لسركوزي وينتقده أكثر مما ينتقد اليسار. وكان في الانتخابات السابقة قد اتجه نحو دعم اليسار. وتتوقع التقديرات أن ناخبيه سينقسمون إلى قسم مع سركوزي وقسم مع هولاند والبقية امتناع.
أما بقدر ما يعني العرب والمسلمين والعالم العربي، فالمهم أن نظل السياسة الخارجية الفرنسية بقوتها الحالية انتصارا للشعوب العربية، لاسيما للشعب السوري المستباح. ومطلوب من الحكومات العربية والإسلامية ونخب واتحادات المسلمين في أوروبا الشجب العلني الجماعي القوي لكل عملية إرهابية إسلامية في فرنسا والغرب، ومعالجة التطرف الإسلامي وإدانته بقوة، وشجب تصعيد مطلب الجاليات الإسلامية والممارسات المناوئة لتقاليد وقيم المجتمعات الغربية، كالنقاب، والإصرار على عزل المرأة عن الرجل في المسابح، وفرض اللحم الحلال في المدارس والمعامل، والصلاة في الشوارع، وتزويج القاصرات، وجرائم ما يسمى بفسل العار، ألخ. هذه الممارسات والمطالب التصعيدية هي التي تغذي التيارات الشعبوية اليمينية، بل، والأخطر، أنها تشجع العنصرية السافرة المقرونة بالعنف، كحالة بريفيك النرويجي وأمثاله في أوروبا، ممن يبررون جرائمهم بحجة التحدي الإسلامي. وقد كان طارق رمضان على ضلال كبير حين دعا مسلمي فرنسا للتصويت ضد سركوزي، فموقفه لا يقوي هولاند ويستفز الفرنسيين، وقد ذكّرنا سركوزي بموقف رمضان من عقوبة الجلد ورجم المرأة وعدم إدانتهما. كما ذكّرنا كريستوفر كالدويل بإشادته المستمرة بسيرة ورسالة جده حسن البنا، واعتباره القدوة- أي تزكية هدفquot; الإسلام هو الحلquot;، كما نلاحظ عدم دقة كثرة من التقارير الصحفية التي تنشرها إيلاف [ وصحف عربية أخرى] عن فرنسا؛ فهي متحيزة جدا، وتخلط بين الرأي والتعليق وبين التقارير الصحفية التي يجب أن تعرض الوقائع كما هي. أما التعليق وإبداء الرأي فهذا يكون في مقالات مستقلة. ولا أدري ما هي اللباقة في وصف وزير داخلية فرنسا بquot; الشرطي الأولquot; في تقرير نشرته إيلاف؟! وكيف يمكن أن تعطي صورة دقيقة وموضوعية عن الحالة الفرنسية بمجرد الاستناد لآراء بعض زعماء الاتحادات الإسلامية وبعض المثقفين المغاربيين في فرنسا ؟!!!!
وإلى مقال تال بعد انتهاء الانتخابات في السادس من مايو- أيار- القادم.

[ * ملحقان؛
1 - مجموع ما حصل عليه اليمين بجميع مرشحيه في المرحلة اأولى هو التالي
سركوزي 9 ملايين و700000 ؛ ديبيون ndash; أينان 600000 ؛ لوبين 6 ملايين و400000 .
وتمثل على التوالي 27 وواحد بالمائة و1 بالمائة وثمانية، و 18 بالمائة. والمجموع حوالي 47 بالمائة . أما مجموع أصوات المرشحين اليساريين مع البيئة فهو يعادل 44 بالمائة.[ فالير أكتويل عدد 26 نيسان 2012 ]
ملحق 2
علق حسان حيدر في الحياة [ 26 منه ] على نجاحات مارين لوبين فكتب تفسيرا،
هناك نسبة متزايدة من الفرنسيين تشعر بالتهميش الاجتماعي وترى خطرا داهما في تزايد أعداد الفرنسيين من أصول عربية وإسلامية، وحتى أوروبية شرقية. كما ترفض العولمة والاندماج الأوروبي الذي يضطر فرنسا إلى المساهمة في إنقاذ اقتصاديات منهارة على حساب مواطنيها، وخصوصا حقهم في الضمان الاجتماعي. من الواضح أن الفرنسيين سئموا اليسار واليمين التقليديين اللذين لم يستطيعا تحصين البلاد من الأزمات، بل اكتفيا بمجرد إدارتها.quot; ونقول هنا من جديد إن من منجزات سركوزي مبادراته الجريئة أيام انفجار اشتداد الأزمة الغربية مما أنقذ فرنسا لكي تقع في أوضاع كحالة أسبانيا ولا نذكر غيرها. كما أن من أقحم فرنسا وأوروبا في نظام اليورو وشنغن هو ميتران والاشتراكيون الألمان.