علت في القاهرة اصوات تقول ان احمد شفيق ومحمد مرسي لا يمثلان الثورة المصرية ولا حتى مصر. ذهب الاخوان المسلمون، الذين يرون في شفيق منافسا جدّيا على موقع الرئاسة، الى ابعد من ذلك عندما اعتبروا انه يمثّل خطرا على الثورة التي صارت هناك حاجة الى quot;انقاذهاquot;...ربّما كانت الحاجة الى انقاذ الثورة من الاخوان انفسهم الذين نجحوا في خطفها.
اذاً، من يمثّل الثورة ومصر بعدما حاز كلّ من شفيق ومرسي على نصف اصوات الناخبين في الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية وانتقالهما الى التنافس على الموقع الاوّل في مصر؟ من اين سيستمد الرئيس المقبل لمصر شرعيته اذا لم يكن ذلك من صناديق الاقتراع؟ اليس في تصرف الاخوان المسلمين نوع من التناقض مع الذات واساءة الى مرشحهم محمد مرسي؟
لا يمكن لاي طرف مصري او غير مصري ان يكون ضد الديموقراطية ومعها في الوقت ذاته. على من يقبل الاحتكام الى صناديق الاقتراع الذهاب في اللعبة الى النهاية. ولكن ما العمل عندما تكون اللعبة التي لا يتقن الاخوان غيرها، هي لعبة الوصول الى السلطة بايّ ثمن كان بغض النظر عن الوسيلة المتبعة.
ثمة فهم مغلوط للانتخابات لدى كثيرين في مصر. لكنذ الملفت في المشهد المصري، في ضوء ما حققه احمد شفيق في مواجهة المرشحين الآخرين، وجود بقية مقاومة داخل المجتمع. يظهر ان مصريين كثيرين استوعبوا، في ما يبدو، معنى سقوط البلد في يد احد الاحزاب الدينية، خصوصا نتيجة المشاهد المضحكة- المبكية التي كان مجلس الشعب الجديد مسرحا لها. تبيّن من خلال جلسات مجلس الشعب الذي سيطر عليه الاخوان والسلفيون ان لا امل يرتجى من الاحزاب الدينية، وهي في الواقع احزاب تتستر بالدين وتستخدمه بغية تحقيق مكاسب سياسية ليس الاّ.
لماذا كانت اذا الثورة؟ هل كان الهدف الوحيد التوصل الى صفقة بين الاخوان والمجلس العسكري يؤدي الى وصول الفريق الاوّل الى السلطة باي ثمن كان، خصوصا على ظهر الشبان الذين كانوا وراء اطلاق شرارة التحرك الشعبي الذي انهت حكم عائلة مبارك؟
ان الكلام عن انه لم تكن لدى احمد شفيق علاقة بالثورة المصرية ينطبق على الاخوان ايضا. هؤلاء قطفوا ثمار الثورة بعدما ايقنوا ان في استطاعتهم التوصل الى تفاهم ما مع المجلس العسكري المعترض على التوريث. كان واضحا في مرحلة معيّنة ان الجيش المصري تخلّى عن مبارك وانه لم يعد امام الاخير سوى الاستقالة في حال كان يريد من العسكر حماية منزله في مصر الجديدة وتأمين انتقاله مع افراد عائلته الى شرم الشيخ.
كانت كلّ خطوة اقدم عليها الجيش المصري في الاسبوع الاخير من كانون الثاني- يناير 2011 مدروسة بدقة. تمت كلّ خطوة بالتفاهم مع الاخوان الذين لم ينزلوا ميليشياتهم الى شوارع القاهرة بكثافة الاّ يوم الثامن والعشرين من ذلك الشهر وذلك بغية تحييد قوات الامن المركزي التابعة لوزرارة الداخلية تحييدا كلّيا.
في حال كان مطلوبا الآن اعطاء صورة عامة عما آلت اليه الاوضاع في مصر، يمكن القول ان الاخوان يسعون الى الانفراد بالسلطة معتبرين ان المجلس العسكري لا يقوى على اتخاذ قرارات حاسمة من جهة وانّ الشعب المصري صار اداة طيعة في يدهم من جهة اخرى. ربّما كان الكلام الوحيد الذي له معنى لجمال عبدالناصر قوله في تبرير المواجهة مع الاخوان المسلمين:quot;حاولت التعاطي مع الاخوان، ولكن بكلّ اسف وجدت فكرهم يتلخص في الوصول الى السلطة بايّ ثمن. لا يوجد اي مستقبل لديهم في رفعة الوطن واعلائه. وعندما انتقدتهم حاولوا اغتيالي. لا يوجد لهم امان على الاطلاقquot;.
قد يكون صحيحا ان المجلس العسكري لم يعد متماسكا كما كان عليه في الماضي، لكنّ الصحيح ايضا ان الامر الذي لا يمكن الاستهانة به يتمثّل في ان المؤسسة العسكرية تمتلك مصالح واسعة في البلد. فالمؤسسة المذكورة تسيطر عمليا على جزء لا بأس به من الاقتصاد ولن يكون سهلا اقناع كبار الضباط وحتى الجنود بالتخلي عن امتيازات معيّنة، تشمل الضمانات الاجتماعية والسكن، غير متوافرة للمواطن العادي.
الاهمّ من ذلك كلّه، ان المجتمع المصري ليس مستعدا بعد لتسليم مصيره للاخوان المسلمين الذين لا يمتلكون الى اشعار آخر اي تصّور لكيفية معالجة المشاكل التي تعاني منها مصر جراء ستين عاما من حكم مارسه نظام قام على فكرة القضاء على المجتمع المدني وقواه الحيّة.
في الواقع، ليس لدى الاخوان اي جواب واضح ومدروس عن كيفية انعاش السياحة او الحد من النمو السكاني العشوائي ورفع مستوى التعليم والخدمات. هل يمكن تصوّر ظهور فيلم مصري جديد يصوّر داخل البلد وليس خارجه، فيلم على علاقة بما هو حضاري في هذا العالم عندما يكون رئيس مصر من الاخوان او ما شابه ذلك؟
لم يجد قسم من المجتمع المصري امامه سوى المقاومة. لم تجد فئات واسعة من المجتمع سوى احمد شفيق تتمسّك به ليس كآخر رئيس للوزراء في عهد مبارك، بل كمسؤول مصري مارس السلطة، كما يجب ان تمارس، على حد تعبير الذين عرفوه عن قرب في كلّ المواقع الرسمية التي تسلمها كضابط ثم وزير ثم رئيس للوزراء لفترة قصيرة جدا. اكثر من ذلك، تعكس الشعبية التي يتمتع بها الفريق احمد شفيق توق المصريين الى الشعور بالامن والامان في بلدهم.
مصر لم تستسلم بعد. لم تستسلم بعد لايّ نوع من التخلف بدليل اقبال المواطنين على صناديق الاقتراع، تلك الصناديق التي يسعى الاخوان الى استخدامها للاستيلاء على السلطة والبقاء فيها الى الابد. في استطاعة كلّ من لديه ادنى شك في ذلك، الاكتفاء بالقاء نظرة على نموذج لممارسة الاخوان السلطة وكيفية التمسك بها، بايّ ثمن كان، في قطاع غزة الفلسطيني...