مصر كبيرة و عظيمة، نعم لان شعبها حي و ثقافتها واعية و تاريخها غني، و ياليت تتم محكامة قادة عرب اخرين قتلوا quot;روح و انفاس شعوبهم quot; و سرقوهم و افلسوهم و شتتوهم و هجروهم ورهنوا مقدرات الوطن للبنوك الدولية و السياسات الاستعمارية الصهوينية، و هم في نعيم السلطان باقون مع شلة حرامية بمسمى حكومات ديمقراطية و انتخابات حرة وهمية و صحافه سقفه السماء ادعاءً.

مصر العظيمة رفضت ذلك و شعبها الابي الحي ثار على الظلم و الفساد و المجسوبية، و باتت محاكمة مبارك مفتاح الثورة لاجل الحرية في المنطقة العربية، ليس فقط اسقاط نظامه، رغم تناقضات الحكم و الاسباب الموجبة.

المحكامة من وجهة نظرية فكرة طيبة و رائعة لكل من تسول له نفسه التلاعب بالشعب و مقدارته و لكن من ناحية عملية يخلتف البعض على قراراتها التى اتت عرجاء دون مساواة و فتحت باب الاعتراضات و التشكيك.

تاريخيا و من بعد، شهدت اروقة المحاكم الدولية قضايا مشابهه بعد ثورات الشعوب منها الرئيس quot;انطونيسكواquot; في رومانيا، الجندي الروماني الذي ترقي بناتصارته الحربية ووصل الى رتبة مارشال، وزيرا للخارجية و الدفاع و رئيس وزراء ثم اصبح رئيسا لرومانيا، ثم اعدم 1946 لارضاء ثورة الحزب الشيوعي و امتصاص غضب الشارع الثائر في مواجهة حزب جبهة النهضة الوطنية المطالب بتبرئته بصفته شخصية وطنية ورئيس الحزب و الدولة، و بطل معارك الحرب و السلام مع الحلفاء اثناء الحرب العالمية الاولى. و تم اعدامه و مساعديه و زوجته quot;ماريا quot;.

و تاريخيا عن قرب، شهدت تركيا محاكمة الرئيس محمد سلال باير، اطول مدة في تاريخ تركيا حكما، و اصله بلغاري انضم الى حرب الترقى و الوحدة، و اصبح نائبا في البرلمان العثماني، وزيرا للاقتصاد، ثم مديرا للبنك العثماني، ثم الساعد الايمن لعصمت انونو، ثم رئيسا للوزراء،و اسس الحزب الوطني مع اندريس حاصدا 408 مقعد من اصل 487 مقعدا في البرلمان، و انتخب بعدها رئيسا لتركيا لعشر سنوات حيث قامت ثورة شعبية افضت به الى محكمة عسكرية حكمت على منرديس بالاعدام و عليه بالسجن مدى الحياة عام 1961، بعدها بثلاث سنوات تم الافراج عنه و اعداة كامل الحقوق السياسية و عرض عليه ان يكون عضوا في البرلمان مدى الحياه و ان يرشح رئيسا لتريكا من جدي و لكنه قرر الاعتزال و توفي عن عمر 103 عاما.

التاريخ يحمل قصصا كثيرة من المحاكمات لرؤساء دول امثال ذو الفقار على بوتو الذي اعدم شنقا، و ملك بريطانيا تشارلز الاول 1649 الذي اعدم بفصل الرأس بالمقصلة، و جونجو رئيس الصين 1946 رميا بالرصاص، و امير عباس رئيس وزراء ايران رميا بالرصاص، و لكن ايضا هناك روؤساء تمت محكامتهم و حبسهم ثم الافراج عتهم و تبرئتهم مثل كوريا هونج 1988 او الحكم بالاعدام ثم تغيير العقوبة الى السجن مدى الحياة مثل فرانس فيتشي رئيس الفليبين و غيرهم.و يبقى الرئيس المخلوع صدام الذي اعدم على يد ابناء شعبه، و القذافي الذي قتل بيد ابناء شعبه من العلامات الفارقة في ثورات شعبية غاضبة.

اسباب المحاكمات كثيرة، و متشعبة، متنوعة، و معها و بها تأتي قرارت محاكم لتكييف الاوضاع، منها القرارات السياسية في الاحكام لتهدئة الشارع، و منها قانونية بناءً على مخالفات دستورية، و منها اقتصادية جرمية، و غيرها و لكن قضية مبارك هي خليط من quot;الخل و الخردل quot; و سلطة الموسم القضائية.

quot;مباركquot; هو شبيه جامع لكل من الرئيس الروماني انطونيسكوا و محمد سلال باير التركي، فهو القائد الذي امضى اطول فترة حكم في مصر، و هو القائد العسكري، و هو الذي قاد معارك حربية من خلال سلاح الطيران، و هو رئيس حزب الاغلبية، و هو الذي شاركته زوجته حكم و ادارة مصر. و في النهاية يقدم quot;قربانا quot; لتهدئة الشارع المصري الذي يرى فيه كل اسباب خراب مصر و سرقتها و فسادها و اجرامها متانسيا له كل خدماته و فترة رئاسته و ما قدم من مشاريع و افكار.

في نظر الشارع المصري هو خائن و عميل للامريكان و فاسد و ابنه quot;جمالquot; حول مصر الى مزرعة سياسية و اقتصادية نهبت مصر و ثرواتها و منحت فئة قليلة كل خيرات مصر بلا حق و بلا اخلاق و بدون مراقبة.

الحكم على الرئيس مبارك بتهمة quot;الشروع في قتل quot; المتظاهرين مع وزير داخليته حبيب العادلي بالسجن مدى الحياة في نفس الوقت الذي يحكم على مساعدي وزير الداخلية بالبراءة لعدم توافر الادلة ان المتظاهرين قتلوا من قبلهم او بتعليماتهم او برصاص الامن، يفتح باب الاستئناف لتبرئة مبارك بلا ادني شك في الاستئناف، لان بذلك التناقض يكون الرئيس مبارك مظلوم!

اقصد هنا الشق القانوني، حيث من غير المعقول ان يقدم مواطنيين الى المحكمة بتهمة واحدة هي quot;الشروع في قضايا قتل المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير quot; فيحكم على بعض منهم بالسجن المؤبد بحجة quot;الاشتراك فى جرائم القتل المقترن بجنايات الشروع في قتل أخرينquot;، و يتم الافراج عن الاخرين رغم نفس الادلة، و تفس الشهود و نفس التهم، و نفس القرائن، لتقول المحكمة ان تبرئة الاخرين جاء بعد فحص ستين الف ورقة و ووثيقة و ان النتائج كانت البراrsquo;ة حيث quot;أنه إذا لم يتم ضبط جميع مرتكبي جرائم القتل والشروع فيه أثناء الأحداث أو حتى بعدها فلا يوجد قطع أو يقين فى اتهام هؤلاءquot;.

و السؤال القانوني الذي يفرض نفسه هو هل تم ضبط جميع مرتكبي جرائم القتل و الشروع فيه اثناء الاحداث في حالة مبارك و العادلي و عدم القبض في حالة مساعدي وزير الداخلية ؟، خصوصا و ان المحكمة الموقرة اكدت في بيناتها عند تبرئة مساعدي وزير الداخلية quot; أن كافة التقارير الطبية المرفقة بأوارق التداعي وإن صح ما أثبت من إصابات لا تصلح دليلا على شخص محدثها.. كما خلت أوراق التداعي من مستندات أو معلومات كدليل جازم قاطع يثبت للمحكمة بما تطئمن اليه من ارتكاب أي من المتهمين الواقعةquot;.
اين هو الدليل القاطع لادانة الرئيس مبارك، و حبيب العادلي وزير الداخلية؟

يعتقد البعض ان الرئيس مبارك حمى مصر من الاقتتال عندما اختار تسليم السلطة للعسكر، و لو كانت نوايه البقاء في الحكم لمنح حق اطلاق الرصاص و القنابل المسيلة للدموع للجيش و بقي في منصبه بقوة السلاح مثل حالات اخرى مشابهه في دول عربية مجاورة تستخدم القنابل المسيلة للدموع و الرش بالماء و الرصاص المطاطي في مواجهة التظاهر السلمي المنادي quot;يالاصلاح quot; و تدعي الديمقراطية و حرية الكلمة.

ان ما حدث في المحكمة هو قرار quot;سياسي quot; لتهدئة الشارع في الوقت الذي يدفع بالبرأة في الاستئناف، و هو الطريق الخلفي الامن لمسار الثورة بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية.

لننتظر الانتخابات الرئاسية و بعدها الاستئناف الرئاسي في اروقة المحكام هارد لاك يا ثورة.


[email protected]