في تصريح مثير للغاية لمبعوث المجتمع الدولي الى سوريا أمين عام الامم المتحدة السابق كوفي انان أكد فيه ان الاوضاع في سوريا دخلت مرحلة اللاعودة، التصريح يفيد بشكل واضح أن الازمة السورية اصبحت عصية على الحل، مما يعني بان فصول دموية مرعبة تنتظر هذا البلد الجريح، والتصريح جاء بعد مذبحة الحولة الفاجعة، حيث دقت اسفينا ابديا بين الحكومة والمعارضة بصرف النظر عن المسؤول الحقيقي عن هذه المجزرة البشعة.
التصريح مثير حقا لان كوفي آنان خبير بالوضع الدولي بشكل عميق، وعرف عنه الصبر والأناة والمثابرة، وبالتالي، لم يكن تصريحه جزافا، ولا يمكن تجاهله من قبل اي محلل سياسي مهتم بالشان السوري.
تصريح أنان هذا ليس بعيدا عن الخطوات المتسارعة التي أتخذتها بعض الدول الكبرى بسحب ممثليها الدبلوماسيين من دمشق، امريكا وفرنسا واسبانيا وكندا واستراليا، وفي هذه الاثناء بدا ت فرنسا تلوح بعدم استبعاد خيار التدخل العسكري في سوريا، مشترطة بذلك موافقة مجلس الامن، وفيما كانت ادارة اوباما تحذر من التدخل العسكري في الشان السوري، موضحة اسباب ذلك، حيث قد تترتب على الموقف هذا تداعيات خطيرة تمتد الى دول الجوار من حروب أهلية وطائفية، حدا للهجة الامريكية الجديدة تتطابق مع اللهجة الفرنسية، فقد بات خيار التدخل العسكري مطروحا على الطاولة بالشرط الآنف، ومهما قيل عن استحالة اجماع مجلس الامن على ذلك، فإن التلويح بامكانية التدخل العسكري وحده من قبل فرنسا وامريكا يعتبر تطور نوعي في موقف هاتين الدولتين الكبيرتين.
في هذه الاثناء هناك سعي في أروقة الجامعة العربية لاحالة القضية السورية الى الامم المتحدة، اي على ذمة البند السابع، وهو الامر الذي كانت تلح عليه بعض الدول العربية، خاصة قطر والسعودية، مما يعني أن موضوع التدخل العسكري في سوريا آخذ بالاشتداد!
في هذا السياق يشير بعض المهتمين بالشان السوري وممن له عرافة عميقة بالسياسة الامريكية، من أن امريكا بقيت بعيدة عن شان البلقان، باعتبار ان القضية البلقانية شا ن اوربي، وقد اصرت بالنأي عن القضية البلقانية، ولكن وجدت نفسها بعد زمن ليس با لقصير بان الشان البلقاني يدخل في صميم اهتمامها، فتدخلت فعلا، وحسمت النتيجة، الامر الذي اثار ثائرة روسيا الى الآن، فقد خلق التدخل الامريكي في هذه المنطقة الملتهبة بالصراعات العرقية والدينية واقعا جديدا، قلب المعادلة راسا على عقب، وكان من اهل نتائجه تفكيك النفوذ الروسي فيها، وما زال المسلمون هناك يتذكرون (الفضل) الامريكي عليهم، وانطلاقا من هذا الواقع يستنتنج كثير من عارفي السياسة الامريكية، ان التدخل الامريكي في سوريا آت وإنْ بعد مدة!
التخوف الذي تبديه الاطراف المهتمة بالشان السوري هو الحرب الاهلية، هذ ا ما يعلنه صراحة الغرب، وفي تصريح آخير لوزير خا رجية المملكة العربية السعودية انصب في هذا المنحى، وهؤلاء يتخوفون من الحرب الاهلية في سوريا لكونها تنتقل وبسرعة مذهلة الى الدول المجاورة، خاصة ا لعراق ولبنان، وتلقي بضلالها على رقعة العالم الاسلامي كله، وهذا ليس في صالح أحد .
الحرب الاهلية في سوريا موجودة بشكل من الاشكال، وإن لم تكن بتلك السعة، فالاخبار تتحدث عن قتل على الهوية هنا وهنك في البلد، والشعارات الطائفية لها مكانها من هتافات بعض المعارضين، ولكن التخوف هو اتساعها بحيث تشكل الهوية الحقيقية لما يجري في سوريا .
السؤال المطروح هنا، هل سوف تسمح القوى الدولية والاقليمية المهتمة بالشان السوري بتفاقم الوضع في سوريا حتي يصل الى مستوى الحرب الاهلية الشاملة؟
هذه القوى تؤكد مخاوفها من هذه الحرب كما اشرت قبل قليل، لانها تهدد مصا لحها بالنتيجة النهائية بشكل من الاشكال، ولذلك ليس من المعقول أنها سوف تسمح بها، ولكن كيف السبيل لايقاف هذا الاحتمال المخيف للجميع؟
يرى بعضهم ان الاطاحة بحكم بشا ر الاسد يضع نهاية لهذا المصير المحتمل، فيما يرى بعضهم أن الاطاحة بحكم بشار الاسد سوف يزيد النار ضراوة!
في مثل هذه الامور يتحكم مبدا أهون الشرين، وكثير من المحلليين السياسيين يرون ان الاطاحة بحكم الرئيس الاسد هو أهون الشرَّين!
فهل حان وقت التدخل العسكري في سوريا باعتباره اهون الشرين؟ خاصة وقد تأكد ان المعارضة غير قادرة على حسم النتنيجة لصالحها؟
هناك اخبار تفيد أن الامريكان يبذولون مساع حثيثة لاقناع الروس بالتخلي عن بشار الاسد، فهي هي خطوة على مشروع التدخل العسكري؟
يقول عارفون بالامور ان الامريكان ينتظرون المزيد من تعقيد المشهد السوري كي يبرروا مشروع التدخل، وهذا يعني أن فصول دموية خطيرة تنتظر سوريا ...
ليس هناك شيء واضح، رغم التصريحات الجديدة لامريكا وبعض دول اوربا، اي امكان التدخل العسكري في سوريا وارد بشرف اجماع مجلس الامن ...
الشيء الوحيد الواضح هو ان سوريا مقبلة على مزيد من الدم، وهذا بدوره يجر عواقب كثيرة، من اهمها المزيد من التجاذب الطائفي في العالم العربي والاسلامي، وقد بدات بوادره تتضح في العراق ....
كتبه وآلامه تصدع الجبال
- آخر تحديث :
التعليقات