يعتقد المعارضون لرئيس الوزراء نوري المالكي أن سحب الثقة عنه يمثل نهاية للقلق من عودة الاستبداد، ويبرر المدافعون موقفهم بأنه يندرج ضمن منطق الدفاع عن الاستقرار. مشهد مأزوم يتنازعه قلقان كلاهما يبدو مبررا.
تتأرجح معركة سحب الثقة بين خيارين؛ استبداد السلطة او تحويلها الى الحلقة الاضعف. هي معركة البحث عن نصر quot;مبينquot;. ما قبل هذه المرحلة لن يشبه ما بعدها، يؤسس المنتصر فيها لمزيد من قوته واحكامه ونفوذه في بلد يفتقر للمؤسسات الرادعة والحامية. البلاد بفعل الادارة السيئة للسلطة والازمة والخلافات وصلت الى خيارات احلاها مر.
الحكومة تشكلت بصيغة المشاركة، لكن ادارتها تتجه نحو مزيد من الانفراد، الدائرة الضيقة المحيطة برئيس الوزراء هي من يدير البلاد، لا حضور لفريق دولة، والعسكرة درست ملامح المدن، الهيئات المستقلة تصارع امام محاولات الهيمنة من قبل السلطة التنفيذية في ظل تفسيرات دستورية تبدو تعسفية، الوعود تبقى مجرد حديث اعلامي مفرغ. فشل خصوم المالكي قد يعزز هذه النزعة اكثر مما يؤدي الى مراجعة ونقد للتجربة.
ومن الممكن ان يضع حراك سحب الثقة حدا للمخاوف من الانقلاب على التناقل السلمي للسلطة، الا انه سيفتح الباب واسعا امام واقع جديد لا يقل خطورة. مرجح ان يؤدي انتصار الزعماء المعارضين ضد خصمهم العنيد الى حصول شكل اخر من الاستبداد، هو غلواء تحكمهم بالسلطة على الطريقة اللبنانية.
زعامات تقود المشهد من غير صفة دستورية، تملك السلاح والمال والدين او القومية، تتحكم بنبض الامور بلا مسؤولية رسمية، وتدير من في السلطة وتغير في المعادلات كيفما ارادت. وهذه الزعامات تطرح نفسها وكأنها خالدة، تؤسس لقداستها، ولن تسمح لأي دولة ستقوم في المستقبل ان تصبح اقوى منها، لأن معنى ذلك تراجع النفوذ والهيمنة والتأثير.
وبين الخوف من غلواء الزعامات وانفراد الحاكم يبقى الانتقال لنظام ديمقراطي قوي امرا صعبا. الطرفان لن يفقدوا التحكم والسيطرة الا بتغيير القانون الانتخابي الحامي لسطوتهم.
فمن المهم تغيير النظام الانتخابي من نظام يكرس قوة عدد من الزعماء الى نظام يصنع ممثلين مباشرين للناخب. تقسيم العراق الى دوائر انتخابية بعدد مقاعد مجلس النواب ينهي سلطة الزعيم لصالح قرار انتخابي حقيقي يتنافس فيه المرشحون في دوائرهم الخاصة. مثلا عدد اعضاء مجلس النواب من غير حصة الاقليات هو 317 نائبا، يقسم عندها العراق بحسب السكان الى دوائر انتخابية بنفس العدد، بحيث يتنافس مجموعة من المرشحين على مقعد واحد في دائرة واحدة.
تأهل النواب الحاليين بفضل اصوات كتلهم او زعاماتهم معناه انهم مدينون لتلك الزعامات والكتل وليس للشارع، بينما المطلوب ان يكون الدين للناخب.
صناعة نظام انتخابي جديد ليس مستحيلا، الدستور لا يمنع ذلك، المشكلة هي في كيف يسمح المستفيد من النظام الانتخابي الجاري بصناعة نظام اخر يضر به حتى وان كان نافعا للناس؟