سأصوت اليوم في الانتخابات الرئاسية، وسأعطي صوتي لمن استقر عليه رأيي من أنه سيحمي مصر ومؤسساتها وقواعدها من السقوط الذي يدفعها له البعض جهلا وحقدا وكرها وضغينة ولهاثا وهرولة للسلطة والاستحواذ عليها، سأعطي صوتي لمن يستر ولا يفضح، ويعاقب ولا يذبح، يضيء ولا يظلم، يضيف لا ينتقص، يعمّر ولا يخرّب، ويسمع ويرى لمخالفيه ويتحاور معهم ويحنو ويتجاوز عن مسيئيهم، ويتسع صدره لحرية الفكر والإبداع والفن، ويدفع إلى المستقبل ولا يعود للوراء، ويرفض عودة مصر إلى غوغائية الجاهلية والاستعباد ووأد البنات المعنوي والفتاوى العشوائية المدفوعة الأجر، ويحترم حقوق الإنسان، ويحتضن الجميع كأبناء أسرة واحدة لا من يفرق بين مسلم ومسيحي، ولمن يحمل مدنية الدولة المصرية والمواطنة الكاملة لكل مصري ومصرية.

سأصوت ضد من يحمل في حلْقه لواء التكفير لكل فكر يخالفه، ضد من يحرم ويحلل وفقا لهواه وما تمليه عليه مصالحه، ضد من انسلخ وقت الشدة طمعا في مجموعة كراسي بائسة لا تسمن ولا تغني من جوع، سأصوت ضد الأقنعة التي تخفي جحيم نفوسها المريضة انتظارا للانقضاض والثأر.

لست بحاجة إلى أن أعلن اسم مرشحي، حتى لا يرى المتربصون أنني أدعو لانتخابه، أو يظن أصحاب الظنون السوداء ممن يعيشون في الماضي، أنني تلقيت مكالمة من هذا أو ذاك، أو جاءت الأوامر بذلك، فمرشحي هو مرشح الفقراء الذي يحشرون معي يوميا في الأتوبيس والميكروباص والمترو، في طريقي الذهاب والعودة إلى المنزل، الذين يتشاجرون مع بائعي الخضار على رفع السعر، الذين يباتون ليلهم داعين الله أن يسترهم حتى يستيقظوا ويرزقهم بقوت أولادهم في اليوم الجديد، الذين يحميهم الاستقرار وتقتلهم الفوضى، الذين يحملون قلوباً بيضاء طاهرة، الذين يحبون مصر لأنها أمهم وأم آبائهم وأمهاتهم، الذين يتجاوزون الأذى والأسية، ويرحم صغيرهم كبيرهم ويرحم كبيرهم صغيرهم، الذين يرون الدين يسرا لا عسرا وتسامحا لا غلظة، ورحمة لا فظاظة، ومعاملة لا مجرد أقوال، وجمالا لا قبحا، وتواضعا لا كبرا ولا غرورا، ويسعون ليعمروا لا ليهدموا، الذين لا يتاجرون باسم الله وآياته المنزلة، الذين لا يتصورون أنهم يملكون الكلمة الإلهية ويحفظون الله في قلوبهم وأرواحهم لا على أطراف حلوقهم وذقونهم وجلاليبهم، والذين إذا أنفقوا لم يمنوا أو يذلوا أو يأذوا وأعطوا لوجه الله لا لوجه سلطة أو منصب أو وجاهة.

هؤلاء مصر، هؤلاء المصريون الذين أنتمي إليهم وأحبهم وأحترم فطرتهم وعفويتهم وخبراتهم وتجارهم، هم الذين يسوقونني ويحرضونني إلى اختيار مرشحي، قالوا لي حين احتدم بيننا النقاش كان ذلك في أتوبيس 986 القادم من العمرانية ويمر بميدان السيدة زينب وتجادلنا طويلا حول هذا أو ذاك من مرشحي الرئاسة في جولة الإعادة، قالوا: انس كل ما قاله هذا أو ذاك، انس انتماءات هذا أو ذاك، العقل ليس وحده الحكم، quot;استفتي قلبك واتبعهquot;، وquot;انظر أي الوجهين ترتاح لسماحته، فالإناء ينضح بما فيه، فترى ذلك في الوجه واللسانquot;.

تعجبت وقلبت أموري ووازنت بين الرجلين، وتخيلت السيناريو الذي يمكن أن يحدث في حال فوز أي منهما، فوجدت أن فزعي من هذا أخف من فزعي من ذاك، وأن ضرر هذا أقل من ذاك، وهكذا ظللت أطرح السؤال تلو الآخر حول مستقبل مصر في ظل هذا أو ذاك، ورأيتني أعود لأؤمن بما قال أهلي quot;استفت قلبكquot;، وقد كان وسأذهب اليوم لأصوت لصالحه.

سأعطيه صوتي معلنا : يكفي المصريون ومصر ما جرى لهما من الضمائر الخربة والقلوب المريضة والعقول التي تبيت ليلها وتستيقظ نهارها مع وساوس الشياطين، والحلوق التي تنشر التخبطات والتناقضات والثأر والضغائن، وتعظ بما لا تفعل وترشد بما لا تسترشد.

سأعطيه صوتي ولن أحزن إن لم يفز، ولكن سيكون عليّ وعلى كل المصريين أن يرفعوا أكف الضراعة إلى المولى عز وجل لكي يحميهم ويحمي مصرهم من الفتنة والداعين إلى العنف والتقاتل إن لم يأت الصندوق بما يحقق آمالهم.

سأتخندق في صفوف الفقراء والبسطاء الحالمين بمصر حنون وسمحة ونقية، الذين يمتلكون الفطرة السليمة وحكمة التجربة والقدرة الفائقة على التمييز المقاوم لمحاولات التوجيه، وسأدافع عن حرياتهم وحقوقهم مهما كلفني الأمر، فالمرشحان لا يمثلان نفسيهما وإنما هما قطاران يسيران في اتجاه بعضهما على قضيب واحد.