يبدو أن المجلس العسكري في مصر قرأ الحالة الإيرانية قراءة متأنية، وأدرك أن دولة المرشد العام للإخوان في مصر ستكون نسخة مكررة من دولة الولي الفقيه في إيران. ومن لا يتعظ بغيره وقع في جحر الأفاعي نفسه الذي مازال حتى اليوم يُعاني منه الإيرانيون.

الخميني عندما أعلن الثورة على شاه إيران في نهاية السبعينات من القرن المنصرم سار خلفه جميع من كان يعارض الشاه بلا استثناء. كان يعدهم في البداية بدولة العدل والرحمة والحرية التي لا يظلم فيها أحد، وأن الدولة سيتولاها المدنيون ورجال السياسة، وسيبقى رجال الدين المعممون في حوزاتهم بعيدين عن الحكم، يُراقبون تطبيق العدالة كي لا تنحرف الثورة عن مسارها. غير أن الخميني بمجرد أن ورث السلطة من الشاه، صمم دستوراً حل فيه الولي الفقيه محل الشاه المخلوع، (ديكتاتوراً) مدى الحياة، لا يُسأل عما يفعل، تثوبُ إليه جميع المرجعيات، وتأتمر بأمره كل السلطات، ويتصرّف في الخزينة تصرف الملاك في أملاكهم، ومن عصا وعارض فليس ثمة إلا العصا والسجن أو الإعدام، حتى وإن كان هذا المعارض رجل دين في درجة الخميني نفسه، كما فعلوا مع آية الله حسين علي منتظري الذي فُرضت عليه الإقامة الجبرية في بيته حتى مات. وهاهي إيران دولة لا تَخدم الإنسان وقضاياه، ولكن تخدم الأيديولوجيا، دولة تعيش في أزمات متوالية، ويعيش المواطن فيها في فقر مدقع، وتمارس ضد بعض مواطنيها غير الفرس ndash;كالعرب مثلاً ndash; كل أنواع الاضطهاد والقمع والسحق والإقصاء، وكل من اعترض على الولي الفقيه فهو يعترض على الله، ويُنازع صاحب الولاية ولايته الشرعية.

المجلس العسكري المصري يعرف الإخوان، ويعرف مخططاتهم، ويُدرك تماماً أن شغفهم بالحكم من خلال صناديق الاقتراع ليس سوى (وسيلة) إلى الوصول، وعندما يصلون سيغلقون الباب من خلفهم، ويستنسخون التجربة الإيرانية، مثلما استنسخ إخوان غزة التجربة ذاتها، وصلوا من خلال الصناديق، ثم اختلقوا من الأسباب والمبررات ما جعلهم يبقون رغم أنف الجميع سيوفاً مصلتة على رقاب أهلها بعد انقضاء فترتهم، من نازعهم سلطاتهم غيّبوا شمسه؛ فزوار الليل الملثمون في غزة إذا طرقوا باب بيتك في الليل فلن يُصبح لك صباح، والتهمة جاهزة، والقاضي أيضاً جاهز، والرمي بالرصاص هو المآل.

لذلك كان المجلس العسكري على حق عندما حَجَّمَ سلطات الرئيس، وكبّلها، وجعل المؤسسة العسكرية خارج سلطاتهم تماماً، فهم إن تولوا كل السلطات، وخاصة السلطة العسكرية، فلن يقتلعهم منها كائن من يكون، لأنهم يحكمون باسم الله، ويعتبرون مرشدهم مثل الولي الفقيه في إيران، وعندما تحكم باسم الله شعوباً متخلفة لا يعرفون حقوقهم، ولا يُفرقون بين النص الديني وتفسير النص، ولا يعلمون أن الإسلام (يُحرم) الكهنوتية واحتكار تفسير الإسلام على رجال بعينهم، فستصبح هذه الشعوب عجينة في يد حُكامها تشكلهم كما تريد، ومن عارض فسيكون حينئذ لا يُعارض الحاكم (الإنسان) الذي يُخطئ ويصيب، وإنما يُعارض حكم الله وتطبيق شريعته في الأرض؛ عندها تصبح مصر نسخة بالكربون مكررة من إيران.

الجيش في مصر سيصبح حامي الديمقراطية الوحيد على ما يبدو، فهو من يملك السلاح، ولن يسمح لأحد أن يملك سلاحاً غيره، ولن يستطيع الإخوان أن يصطنعوا حرساً ثوريا مؤدلجاً كما فعل متأسلمو إيران، ليحمي الإخوان بالقوة، ومن نجح فسيبقى، ومن فشلَ فلن يبقى، والحكم لصناديق الاقتراع في كل مرة؛ الإخوان سيأخذون فرصتهم؛ فإن استطاعوا أن يُنقذوا الإنسان المصري من براثن التخلف والفقر خلال فترة حكمهم فلن يستطع أن ينتزعهم أحد، وإن فشلوا فليس أمامهم إلى التنحِّي وإتاحة الفرصة لغيرهم. غير أن الإخوان نافسوا على السلطة ليس ليُجربوا ولكن ليبقوا فيها، ويستبدون بالسلطة، ويغلقون الباب خلفهم بالضبة والمفتاح؛ ولا شك لدي أنهم قطعاً سيفشلون، فالتنمية الاقتصادية ليست قط من ضمن برامجهم، بل لم تعرفها جميع أدبيات الإسلام السياسي، وأمامكم تراث هؤلاء المتأسلمين المسيسين فاقرؤوه، فهم يتحدثون عن قضايا ليس للتنمية الاقتصادية محل في ثناياها. قد يقول قائل : وماذا عن تجربة أردوغان في تركيا؟ . تجربة أردوغان تجربة علمانية بحتة، ومن يعود إلى خطاباته عندما زار مصر بعد الثورة فسيجد أنه دعا بوضوح ودون مواربة إلى (العلمانية)، وبالتالي فإن كنت تعتبر أن تجربة أردوغان إسلامية، ويجب أن تُحتذى، فيجب أن تقبل بدءاً بالعلمانية، التي هي والشريعة على طرفي نقيض كما هو خطاب جميع الإسلاميين العرب بمختلف أطيافهم.

لذلك كله فإن ما اتخذه المجلس العسكري من قرارات احترازية هي في تقديري عين العقل، فمن قرأ تجربة إيران قراءة واعية، فلا بد أن يقطع الطريق على هؤلاء قبل أن يصلوا إلى بُغيتهم، ويغلقون الباب من خلفهم، كما فعل متأسلمو إيران.