مع فوز الدكتور محمد مرسي القطب الأخواني المصري بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية ووصوله لمنصب الرئاسة عن طريق الإنتخابات الشعبية المباشرة وفي حملة سياسية هي من أصعب و أدق الحملات و المراحل السياسية في التاريخ المصري الحديث تكون حركة أو ثورة 23 يوليو لعام 1952 و التي أطاحت بالنظام الملكي في مصر و بعد ستين عاما من عمرها قد وصلت لطريق النهاية و الإضمحلال و التواري بعيدا في هضاب التاريخ الدموي الذي ميز مسيرة العلاقات بين تنظيم الإخوان المسلمين المصري الذي أسسه الشيخ حسن البنا عام 1928 في الإسماعيلية ليكون أحد أهم التنظيمات السياسية ذات الصبغة و الوجه الديني ليس في مصر فقط بل في العالم العربي و حتى الإسلامي بإسره.
لاشك أن مسيرة الدم و العذاب و السجون الحربية و الإنتهاكات الإنسانية الفظيعة التي شملت حملة نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الأمنية في أعوام 1954 و 1965 و مابينهما و بعدهما من الأحداث قد تركت مؤثراتها الشاخصة على شكل و طبيعة العلاقة الراهنة أو المستقبلية بين المؤسسة العسكرية المصرية التي حكمت مصر منذ عام 1952 و حتى اليوم وفق نظام فردي عسكري إستبدادي رسم سياسة القائد الفرد الفاشية و افرز زعامات سياسية قدر لها أن تشتهر و يذاع صيتها إعلاميا رغم الكوارث التي سببتها سياساتها على المستويات الوطنية و القومية.
الإخوان المسلمون لم يكونوا بعيدون عن حافات السلطة بل كانوا العنصر السري القوي الذي لعب دورا بارزا في إسقاتط نظام الملك الراحل فاروق وعملوا من خلال التنظيمات السرية للجيش المصري ( تنظيم الضباط الأحرار ) على تقويض العرش العلوي وكان منهم ضباط بارزون في مجلس الثورة الأول و منهم كمال الدين حسين وعبد المنعم عبد الرؤوف و غيرهم بل أن جمال عبد الناصر نفسه و حتى أنور السادات كانت لهم جذورهم الفكرية الإخوانية، وبعد نجاح الإنقلاب العسكري في 23 يوليو حاول الإخوان ركوب القيادة من خلال الوقوف خلف اللواء الراحل محمد نجيب الذي أطاح به التوجه الدكتاتوري للرجل الأقوى وقتذاك في التنظيم العسكري وهو جمال عبد الناصر الذي دخل في مواجهة ميدانية دموية مفتوحة مع الإخوان بلغت الذروة مع محاولة الإغتيال التي تعرض لها في المنشية في الإسكندرية عام 1954 وهي محاولة كتب عنها الكثير و قيل أنها خطة إستخبارية مدبرة بهدف تدمير التنظيم الإخواني و جهازه السري المعد لعمليات الإغتيال و الذي كان عبد الناصر يعلم بأمره و يتحسب منه.
فتم تدمير الحركة أمنيا من خلال فتح السجون الحربية ثم بوشر بمحاصرة وإنهاء اللواء محمد نجيب وقذفه خارج مسيرة التاريخ رغم شعبيته و دخلت مصر في عهد القيادة العسكرية الفردية بعد أن تم حل مجلس قيادة الثورة و تسريح ضباط تنظيم الضباط الأحرار من الحياة العسكرية وهيمنة العسكر بأزياء مدنية على دفة القرار في مصر و تحول صغار الضياط من ذوي الثقافة المحدودة ليكونوا قادة في مجالات بعيدة كل البعد شملت حتى كرة القدم كما حصل مع عبد الحكيم عامر الذي رفع من رتبة رائد لرتبة لواء في طفرة جينية تاريخية ثم تحول لمارشال أركان حرب وهو من هو من قلة الكفاءة في مختلف المجالات مما سبب كوارثا، ثم حدثت التطورات القومية الكبرى في مصر بدءا من حرب السويس عام 1956 ثم الوحدة مع سوريا 1958 ثم الإنفصال عام 1961 ثم الصراع من أجل تنظيم الحياة السياسية وتجدد الصراع الدموي مع جماعة الإخوان بعد إعدام زعيمهم المفكر الدكتور سيد قطب صاحب كتاب معالم في الطريق ومؤلف موسوعة في ظلال القرآن الشهيرة التي سار على هديها تنظيمات إسلامية أخرى و شيعية أيضا كحزب الدعوة الإسلامية في إيران و العراق عام 1965 وهي ضربة مؤلمة لتنظيم الإخوان الذي تشرد قادته في العديد من دول العالم حتى جاءت هزيمة حزيران / يونيو 1967 لينكفأ النظام الناصري و يتآكل بعد قتل عبد الحكيم عامر و يدخل في مرحلة صعبة إنتهت بالرحيل المفاجيء لعبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 ليدشن خليفته أنور السادات عهده بضرب من أسماهم مراكز القوى الناصرية عام 1971 ثم ليخوض حرب أكتوبر عام 1973 و ليباشر سلسلة من خطوات الإنفتاح السياسي بدأت بقيام المنابر السياسية عام 1976 ثم السماح لأدبيات و صحف الإخوان المسلمين المحظورة بالنشر العلني و ليدخلوا الحياة السياسية من جديد كعنصر مهم إحتاجته سلطة أنور السادات لمحارية الجماعات القومية الناصرية و اليسارية الشيوعية.
وهو تطور نوعي إنعكس فيما بعد داخليا على ظهور الجماعات التكفيرية الإرهابية التي خرجت من تحت عباءة الإخوان لتمارس الإرهاب وليذهب أنور السادات ذاته ضحية لها في 6 أكتوبر 1981 وتدخل مصر في فوضى عارمة ومرحلة صعبة إقتضت إجراءات معقدة إنشغلت بها طويلا مرحلة رئاسة حسني مبارك، الإخوان المسلمون تمكنوا أخيرا من الجلوس على عرش غريمهم السابق جمال عبد الناصر في واحدة من أعجب متغيرات التاريخ.. ولكن هل ستتوارى المؤسسة العسكرية المصرية و ينسحب رموزها من الحياة العامة؟
أم أن ثمة مفاجآت كبيرة في الطريق ؟.. كل الإحتمالات ممكنة ولكن العسكر لن يهضموا الهزيمة و إنسحابهم التكتيكي لن ينهي الحرب بل أنهى معركة ستكون لها تداعياتها المستقبلية العاصفة.. وعيش وشوف... القاهرة على خط النار.
التعليقات