لقد طفح الكيل وحان الوقت للحديث الصريح االواضح ولا اعتذر لأحد.
من متابعاتي للمشهد الأردني أرى انه لو أتيت ببرنامج اصلاح ديمقراطي من السماء واخترت الأم تيريزا كرئيسة وزراء أو جئت برئيس وزراء من الفضاء يتمتع بقدرات خارقة لتحقيق المعجزات واجريت انتخابات نزيهة ومستقلة وباشراف جيمي كارتر أو تقدمت بحزمة اصلاحات من جامعة هارفرد وأدخلت تعديلات دستورية جذرية لارضاء السلفي والطالباني والحمساوي والتقدمي الليبرالي والاخونجي واليساري والقومي والمبرر لمجازر النظام السوري، وحتى لو أتيت بحكومة كل اعضاؤها خبراء وعباقرة وفطاحل الزمان في العلوم السياسية والاقتصادية ومن خلفهم لجان من المستشارين في فن الحوكمة وحسن الادارة سيبقى هناك جماعات معارضة ترفض وتنتقد وستطالب باسقاط رئيس الوزراء واسقاط الحكومة وسوف لا يعجبها العجب حتى الصيام في رجب. هذه حقيقة المعارضة على الساحة الأردنية.
بهدؤ وبدون ضجة وبدون عنف استجاب النظام الملكي الأردني لمطالب الشعب بالاصلاح والتغيير السلمي التدريجي. تميزت التظاهرات والاحتجاجات بكونها سلمية رغم تواجد عناصر ذات اجندات وايديولوجيات لا علاقة لها بمصلحة الأردن تحرض على العنفية والاستفزاز لتشويه صورة الأردن في الخارج. هناك فئات سوف لا يرتاح بالها الا اذا سالت الدماء في الشوارع. ولكن خابت آمالهم.
ولا نبالغ اذا قلنا ان القيادة الهاشمية الحكيمة منسجمة تماما مع الشعب ومطالبه حيث بدأت مشروع الاصلاح التدريجي المدروس قبل اندلاع ما يسمى الربيع العربي بسنوات. وشهدنا كيف أن الانظمة الغبية في السودان واليمن وليبيا وسوريا اغرقت شعوبها في بحور من الدماء للتشبث بالسلطة بأي ثمن.
ومما لا جدل فيه أن العاهل الأردني والعائلة الهاشمية تتمتع بشعبية كبيرة في الشارع الأردني لذا لا يوجد مطالب بتغيير النظام بل بتعديلات دستورية وتعديلات لقوانين الاحزاب والانتخابات. ويؤمل أن التعديلات المقترحة ستفرز حكومات تعمل بشفافية وتخضع للمحاسبة البرلمانية وستضمن التعديلات والاصلاحات وفصل السلطات ووضع اطر عصرية للانتخابات النزيهة لينتج عنها برلمان قادر على تأدية دوره التشريعي والرقابي. اختار الأردن طريق الاصلاح والعقلانية ووحدة المجتمع وتجنب الكوارث والتصدعات التي عصفت بأنظمة الشعارات الثورية الكاذبة.
تجنب الأردن الحلول الأمنية واختار الحوار الوطني والتشاور للتوصل الى صيغة تعالج النواقص وتصحح الاخطاء وتصوب الاوضاع ولكن في اطار وحدة وسلامة الوطن وتحت مظلة هاشمية.
صلاحيات يجب ان تبقى بيد الملك
كمراقب يهتم بالشأن الأردني أعتقد أن مبدأ تعديل بعض الصلاحيات هو امر ايجابي ولكن علينا الانتباه ان هناك أمور لا يمكن بأي حال من الاحوال تركها لوزراء او نواب حيث ان الديمقراطية في العالم العربي لم تتجذر ولم تنضج بمؤسساتها المؤهلة لأخذ القرارات المصيرية على غرار مجلس الأمن القومي الأميركي او لجنة العلاقات الخارجية التابعة للكونغرس. لذا اعتقد ان هناك ضرورة قصوى ان يحتفظ الملك بصلاحيات واسعة في عدد من المجالات. ومن الخبرة البريطانية اعطي مثلا كيف ان الملكة البريطانية تتدخل تدخلا مباشرا في حالة ان الانتخابات لم تنتج حزب واحد يتمتع بغالبية كبيرة وتظهر ازمة في تشكيل حكومة واختيار رئيس وزراء حينها تتدخل الملكة وتعين الشخص الذي تعتبره قادرا على تشكيل حكومة عمل لتسيير أمور الدولة حتى يتم الحسم في جولة انتخابية جديدة في مرحلة لاحقة. و في حالة انه لم يحصل أي حزب على أكثرية في البرلمان الأردني يستطيع الملك ان يتدخل ويختار رئيس وزراء قادر على القيام بالمهمة حتى يتم عقد انتخابات جديدة. بالاضافة الى ذلك هناك 3 صلاحيات لا يمكن التخلي عنها ويجب ان تبقى في يد الملك وهي مسألة الدفاع عن الوطن ضد أي اعتداء خارجي ومسألة توقيع المعاهدات او الغاءها والسياسة الخارجية بشكل عام. هذه أمور مصيرية لا يمكن أن تترك لأشخاص عابرين دخلوا البرلمان والحكومة نتيجة لانتخابات برلمانية مهما كانت حرة ونزيهة. الملك يمتلك مخزون عريق في المجالات المذكورة ويمتلك الخبرات التراكمية الموروثة التي تم اكتسابها منذ الخمسينات في منطقة صراعات استراتيجية ومؤامرات وحروب. هذا كنز من الخبرة يشكل استمرارية مستقيمة وثابتة ومتناغمة مع مصلحة البلد الكبرى ولا يمكن الحصول عليها من قراءة كتاب او مقال او الاستماع لمحاضرة من هنرى كيسنجر او كولن باول أو استشارة من شركة علاقات عامة في لندن او نيويورك أو حضور مؤتمر أو ندوة.
حق الفيتو الملكي
حتى لو تم تقليص الصلاحيات يجب ان يحتفظ الملك بسلاح الفيتو اذا اعتقد ان قرار برلماني معين لا يخدم مصلحة الأردن. اوضح ذلك بمثال بسيط ومبسط. لنفترض جدلا ان البرلمان يخضع لغالبية من الاسلاميين ومرر قانونا يمنع استهلاك الكحول وارتداء البيكيني في المتنجعات والفنادق السياحية. ولنفترض ان هذا الاجراء قد يؤدي الى تطفيش السياح. ومن ثم يتقلص القطاع السياحي ويفقد آلاف الناس وظائفهم. في هذه الحالة يجب ان يكون هناك آلية دستورية لابطال القرار. الفيتو الملكي قد يكون هو الحل.
الانتخابات ليست دواء لكل الأمراض
الانتخابات الحرة والنزيهة هي من أهم ركائز العمل الديمقراطي ولكنها احيانا تأتي بأشخاص غير مناسبين واحيانا مختلين وبلاطجة ومتطرفين جلبوا المصائب لشعوبهم. انتخب الشعب الألماني الحزب النازي وعلى رأسه أدولف هتلر عام 1932 والذي اقحم ألمانيا عام 1939 في أكبر حرب مدمرة شاملة وهي الحرب العالمية الثانية 1939 ndash; 1945 والتي جلبت الكوارث لألمانيا واوروبا وأدت الى مقتل 20 مليون نسمة. وفي عام 1973 أتت الانتخابات الاسرائيلية بأريل شارون والذي انتخب مرة أخرى عام 2001 لينكل بالشعب الفلسطيني ويغزو لبنان عام 1982 ويرتكب المجزرة تلوى الأخرى. وتبعه المتطرف بنيامين نتينياهو الذي انتخب عام 1993 و انتخب عام 1996 كرئيس وزراء وفي شباط 2009 وأطاح بالعملية السلمية برمتها. السفاح صلوبودان ميلوسيفيتش الذي قتل عشرات الألوف من المسلمين تم انتخابه كرئيس لجمهورية يوغوسلافيا الفيدارالية عام 1997. وفي فنزويلا جاء هيوغو تشافيز للسلطة بالانتخاب عام 1999. كانت فنزويلا من أغنى دول أميركا اللاتينية وخلال سنوات بسبب ايديولوجيته الكارهة لأميركا هربت 4 آلاف شركة للخارج وازدادت البطالة والفقر ولم يبقى من الاصدقاء لفنزويلا سوى عدد قليل من الدول الفاشلة مثل كوبا وليبيا اثناء حكم القذافي وايران.
والانتخابات لا تضمن العدل والحرية والمساواة واحترام حقوق الانسان ومن هذا المنطلق قد تفرز الانتخابات الأردنية رجل سلفي أرعن ليقوم بدور وزير الخارجية او رئاسة الوزراء ولأسباب تكفيرية ايديولوجية قد يقرر قطع العلاقات الديبلوماسية مع دولة هامة مثل الولايات المتحدة أو يلغي معاهدة السلام مع اسرائيل ويورط الأردن في مواجهات مدمرة. لهذا لا يمكن ترك هذه الملفات المصيرية بأيدي هواة مؤقتين دخلوا البرلمان عن طريق البرلمان ليس بسبب الكفاءة والمقدرة ولكن بسبب الكاريزمية أو المناسف او الشعارات التي تدغدغ الساذجين من بسطاء الشارع.
مشكلة الأردن الحقيقية ليست الاصلاح
المشكلة الحقيقة في الأردن ليست الاصلاح وصلاحيات الملك. بل هي الأزمة الاقتصادية والمديونية الهائلة والعبء الاقتصادي الناتج عن نزوح نصف مليون عراقي والنزوح السوري الأخير الذي يقدر بمائة وعشرين الف نازح. هذا يشكل عبئا اضافيا على الخزينة في دولة تفتقر لمصادر الطاقة حيث يستورد الأردن 96 بالمائة من حاجته للطاقة وبتكلفة باهظة للخزينة. تعثر العملية السلمية وتدهور الأوضاع في سوريا تنعكس سلبا على الأردن سياسيا واقتصاديا.
نهاية الحديث اقول أن العائلة الهاشمية تبقى صمام الأمان للأردن في فترة تاريخية صعبة وفي منطقة مضطربة. لا يحكم الأردن دكتاتور تسلطي بل ملك هاشمي واعي وعاقل وبراغماتي ومتسامح. لا يحكم الأردن دكتاتورية جاءت للحكم بانقلاب عسكري بل نظام ملكي دستوري يتمتع بشرعية دستورية ودينية وتاريخية. فهو يحكم بعقلانية وحكمة جلبت الاستقرار والأمن لعقود من الزمن ناهيك عن التقدم في مجالات التعليم والصحة والسياحة والزراعة والفن وبنية تحتية متطورة.
واستشهد بوثيقة دراسية اصدرها معهد بروكينغ للدراسات الاستراتيجية في واشنطن نوفمبر 2011 تتعلق بالاصلاح في الأردن quot;(العائلة الملكية الأردنية ربما الوحيدة التي تتمتع بشرعية وشعبية كبيرةquot; في المنطقة). الأغلبية الصامتة وهي الأكثرية تؤيد النظام الملكي بدون تحفظ.
اعلامي عربي - لندن
التعليقات