أخيراً أصبح لمصر رئيسا من الاخوان المسلمين وصارت الحقائق مجسدة على الارض وبدأت ساعة الحقيقة في وجه أول رئيس يحمل فكر جماعة لاتختلف التقييمات تجاه انها تريد اقامة حكم اسلامي يوصول لتحقيق حلم اعادة الخلافة الغاية المثلى لتطبيق حكم وشرع الله في الارض.

الرئيس المصري القادم يستلم مهامه والكثيرون متوجسون من اللغة المزدوجة للاسلاميين الذين يريدون الوصول لتحقيق حلم تطبيق الشريعة والخارج المراقب بحذر ما يمكن ان تؤول اليه هذه التجربة في خاصة وان مخاوف الغرب من أن تكون تجربة جديدة لاتختلف عن تجارب سابقة كانت ومازالت نتائجها ماثلة للجميع.

الرئيس الجديد في اول خطاب له حاول التشديد على العديد من القناعات والمبادئ التي تهدئ المخاوف واكد التزام مصر بكل معاهداتها والمواثيق والتزامات الواجبة عليها وهذه امر جد ايجابي لانه يجنب المنطقة والعالم مخاطر توترات الجميع في غنى عنها.

الكلمات البعيدة عن الشعاراتية التي تحمل مغزى ما سيحمله القادم في مصر شكل صدمة للكثيرين من الاخوان المسلمين في العالم فقد اعتقدوا ان يكون الخطاب خطاب النصر المبين في البلد الذي شهد مولد الحركة والتي كانت طوال عشرات السنين ساحة الصدام الرئيسية مع انظمة الحكم المختلفة في مصر.

فلسطين وتحريرها والاسلام هو الحل والحكم بشرع الله وتطبيق الشريعة غابت تماما عن خطاب مرسي المتعمد ابلاغ الجميع ان فوز الاخوان في مصر هو لمصر وليس لقضايا الاخرين ومن يتوهم انه سيجرها لمعاركه وحروبه مخطئ وواهم.

هذا الكلام لن يعجب قيادة حماس في غزة المعتبرة فوز الاخوان امتداد لفوزها في غزة وتصريحات محمود الزهار حول مقر المجلس التشريعي الذي سيكون مقر الخلافة تعكس حجم الوهم في عقول الكثيرين من اسلامي فلسطين والعالم العربي بانهم سيحاربون مرة اخرى حتى اخر جندي مصري، وان كان صعود الاخوان سيشكل رافعة للقوى الاسلامية التي تريد ان تقدم نفسها بشكل مقبول على الساحة السياسية الدولية ولكن المشكلة الاساسية التي تواجه هذه القوى هي كيفية ايجاد المعادلة المستحيلة بين الشعارات والشريعة والواقع السياسي في العالم اليوم.

مواقع ومواقف الرئيس المصري السابقة في حركة الاخوان والمجتمع المدني المصري خلقت تفاؤلا موسعا لدى قيادات الاخوان وعليه ان يسدد لكل واحد فاتورة احتياجاته من مصر فأوضاع حماس المنهارة جراء تنكرها لكل مواقفها وشعاراتها السابقة وغرق قيادتها بفساد رهيب في غزة التي تعاني اسوء الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية يجعل من اي انفجار اجتماعي محتمل او مصالحة تقود لانتخابات كارثة كبيرة يجب منعها وتلافي حصولها ومصر هي المكلفة بدفع هذا الثمن.

حماس أرادت استباق الاعلان عن فوز مرسي بافتعال صدام مسلح بين كتائبها الصامتة على عدوان اسرائيل المستمر دون توقف على غزة من ثلاث سنوات وجهود ملاحقة مجموعات المقاومة واعتقالهم ومنعهم من مواجهة اسرائيل لكن الرسالة المحبطة لحماس جاءت من الاخوان المصريين الذين افهموهم ان هذا التصعيد لن يكون مقبولا في هذه اللحظات وتم فرض هدوء جديد على غزة.

قادم الاحداث بين حماس والاخوان في العالم من جهة والرئيس الاخواني بامتياز محمد مرسي سيكون متعدد الاوجه بين عواطف اسلامية جياشة وخطب في المساجد ومطالبة العالم بان يقبل حماس شريكا اسلاميا قادما وبين حقائق الارض واوضاع مصر الاقتصادية الصعبة ومخاطر فشل الاخوان في تحقيق مشروع اقتصادي ينقذ مصر سيجعلهم يعودوا لجذورهم الفكرية التي صنعت تجارب افغانستان والصومال والسودان بكل مأسي وسوداوية الصورة.

غزة تعتبر ان فرصة تحررها من الحصار هلت بوصول مرسي رئيسا وهذا احساس شعبي عام وحالة القهر التي يعيشها الناس تجعل من حلمهم بأن يأتي من يخلصهم هو الخبز اليومي ولو كانت الاحلام بعيدة عن الواقع وكانت اولى المطالبات من الرئيس الجديد أن يتم تمديد ساعات فتح معبر رفح نافذة الحرية الصغيرة في السجن الكبير غزة.

البعض يتوهم في قيادة حماس واولهم اسماعيل هنية أنه سيجر مصر الاسلامية لتنفيذ احلامهم في غزة اولا والمنطقة ثانيا خاصة والمنطلقات الفكرية التي تجمع الطرفين تحت عباءة الاخوان واسعة والرئيس المصري يتراس لجنة مناهضة الصهيونية في مصر وهذا يجعل من الاعتقاد بقوة موقفه الداعم لحماس والمعادي لاسرائيل كبيرا.

حقائق واقع مصر الصعبة واحترام اتفاقياتها والتزاماتها الدولية التي اكد عليها الرئيس محمد مرسي في خطابة واسقاط اسم فلسطين وذكر قضية شعبها من الخطاب ربما ستكون اول مؤشر على شعار قلوبنا معكم ومصالحنا مع واشنطن وتل ابيب.

من حق مصر أن تسعى للخروج من أزماتها الكبيرة والشائكة والمتعددة في ظل حكم لايملك الكثير من الحلول وورط نفسه بكثير من الشعارات الربانية والغير قادر على تطبيقها واخراج البلد من واقعه السيئ ومن حق قادة حماس أن يعيشوا على حلم ان يكون مرسي صلاح الدين الجديد القادر على كسر الحصار وبدء مشروع التحرير واقامة دولة الخلافة الاسلامية ومقرها المجلس التشريعي في منطقة الرمال شارع عمر المختار غزة.

ملاحظة صغيرة : بخصوص موضوع المصالحة يجوز القول فيه رحم الله الفقيد ورزق اهله وذويه ومحبيه مزيد الصبر والسلوان.