المفاجأة المذهلة التي فجرها الرئيس مرسي بإقالة معظم قادة القوات المسلحة أصابتني بإكتئاب رغم كراهيتي لدكتاتورية العسكر، وذلك لأنني أكرة الدكتاتورية الدينية أضعاف كراهيتي للدكتاتورية العسكر، وكنت أتمنى أن يبقي الجيش بعيدا عن أيدي الأخوان لعمل توازن في القوى لفترة إنتقالية حتى يترسخ لدي الشعب المصري مفهوم الحرية والديموقراطية و مفهوم قبول الآخر حتى لو تعارضت أراؤه مع رأي الأغلبية، والحقيقة أنني سهرت ليلتها إنتظارا لرد قادة الجيش على الصفعة التي وجهها لهم الرئيس مرسي، ولكن لم يحدث أي شئ، فقلت إذن هناك صفقة تمت بين الجيش والأخوان.
ولم يكتف الرئيس مرسي بذلك بل أخذ بالمرة معه السلطة التشريعية ومراجعة تأسيسية الدستور، ولم يبق أمامه سوى المحكمة الدستورية العليا لإكتمال تحقيق دكتاتورية دينية، ولم يكتف بهذا بل بدأنا في مشاهدة إغلاق صحف وإغلاق قنوات تليفزيونية وإعتقال معارضين بل والإعتداء على بعض الإعلاميين من جانب شباب الأخوان، وبدأنا نسمع تصريحات من جانب الإسلاميين بأن معارضة الحاكم هي مخالفة لشرع الله!! بينما معارضة الحاكم مبارك كانت فرض عين!!، وهذه هي مشكلتي الأساسية مع من يحكمون بإسم الدين وبين خلط الدين بالسياسة فأي معارضة لهم لا بد أن تأتي من مخالف لهم في الديانة أو من كافر يستحق حد الردة لذلك فيعتبرون أنهم يملكون الحقيقة كاملة ومن لم يحكم بما أنزل الله فاؤلك هم الكافرون، (وكأن مصر كانت تحكم بما أنزل الشيطان)، والدليل على أن الأخوان لا يطيقون المعارضة فإنه بعد أسبوعين فقط من رئاسته لم يحتمل الرئيس مرسي أي نقد بل هدد بنفاذ quot;صبر الحليمquot;، وبدا وكأنه لا يحادث quot;أهله وعشيرتهquot; ولكن يحادث الإبن العاق!
وإحدي علامات الدكتاتورية أن الدكتاتور يعين حوله أهل الثقة ويستغني عن أهل الخبرة وبدا هذا واضحا في تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور والتشكيل الوزاري، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ولكن فاجأنا الرئيس مرسي بالإفراج عن مجرمين (من أهله وعشيرته) قتلوا ضباط شرطة والمجرم الذي قتل فرج فودة وغيرهم من مجرمي التسعينييات من الإرهابيين الذين روعوا المصريين وكان رد جميل الإرهابيين فوريا حيث قتلوا جنود مصريين أثناء تناولهم طعام الإفطار عند رفح، وأعتقد أن الرئيس مرسي بعد ذلك الحادث الإرهابي المذهل أًصبح يردد: quot;اللهم إحمني من أصدقائي وأما أعدائي فأنا كفيل بهمquot;.
والدكتاتورية الدينية في مصر أصبح لديها جيشا الآن، فضاعف هذا من قوتها، فأصبح لها قوة عسكرية دنيوية بإلإضافة إلي القوة السماوية بالإدعاء بأن لها الحق الإلهي في الحكم على أساس أنهم ناس بتوع ربنا وبأنهم خلفاء الله على الأرض، ومن يعارضهم فينطبق عليه حد الردة لأنه يعترض على حكم الله، ولقد سمعنا هذا من أكثر من قادة التيار الإسلامي ليس هذا فحسب بل إن المرشد السابق مهدي عاكف صاحب تصريح quot;طظquot; الشهير قد عاد وأتحفنا بطظ أخرى حيث قال :quot;طظquot; في من يعارض الحكم الإسلامي! بل وزاد عن هذا بأن قال بأنه لا يحترم كل من إنتخب أحمد شفيق، فبهذا أعلن أنه لا يحترم نصف الشعب المصري، وهذا ليس بغريب عليه ، كيف لا وقد صرح من قبل بطظ في مصر وإللي مصر وأبو مصر، وما يعجبني في مهدي عاكف إنه راجل أمين وإللي في قلبه على لسانه ولا يتلون حسب الظروف مثل بعض قادة الأخوان.
والآن السؤال هو: كيف نستطيع أن نتخلص من دكتاتورية دينية؟ الطريقة الوحيدة هي التواجد بين الشعب علي أرض الواقع وليس على صفحات الجرائد أو صفحات الإنترنت أو في التوك شو، لقد كسب الأخوان الحكم بجدارة لتواجدهم مع الشعب وبيعهم الترماي له وإشترى الشعب الترماي بحسن نية وسذاجة بل وإيمان أيضا بأن الناس quot;بتوع ربناquot; سوف يضمنون له الآخرة علاوة على حل مشاكله أفضل من أي فصيل آخر. ولا يوجد هناك وسيلة أخرى سوى أن تتجمع القوى الوطنية المؤمنة حقا بالدولة المدنية وتنزل للشارع للوصول إلي فئات الشعب المهمشة وهم الأغلبية وهم من أعطوا الأصوات للأخوان إما حبا أم طمعا، وبدون نزول القوى المدنية للشارع ليس للتظاهر ولكن للتواصل مع الناس وإفهامهم بأن الدولة المدنية تعني التخلص من كل أنواع الدكتاتورية وأنها تعني المستقبل ولا عودة للماضي وأنها تضمن لهم الحرية بدون فوضى وتضمن لهم العيش بكرامة وتضمن لهم عدالة أجتماعية حقيقية عن طريق محاولة إثراء الكل بدلا من إفقار الكل والدولة المدنية سوف تعامل كل مواطن على أساس إنتماؤه للوطن وليس إنتماؤه لدين معين، وإن لم يحدث هذا فسوف تظل معنا الدكتاتورية الدينية لعقود كثيرة قادمة أكثر كثيرا من مجرد ستون عاما!!
[email protected]