ذات مرة ترأست ليبيا القذافي دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولما أعطت الرئاسة الكلمة له، قام بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة وراح ينثر صفحاته في القاعة. وكان يصادف أن تكون في عضوية لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة دول عرفت أنظمتها بانتهاك يومي وواسع لحقوق الإنسان. ففي المنظمات الدولية، حكومية وغير حكومية، هناك ما يعرف بمبدأ quot;المناوبةquot; بين المناطق والقارات والدول، فإذا اختارت منطقة أميركا اللاتينية مثلا كوبا لرئاسة لجنة حقوق الإنسان، فإن هذا الترشيح يجب أن يمر.
في طهران تنعقد قمة حركة ما يعرف بعدم الانحياز، والقصد في الأصل عدم الانحياز بين المعسكرين الشرقي والغربي في أيام الحرب الباردة[ التي انتهت منذ سنوات طوال]. وكانت تلك الحركة تدعي أنها تناضل من أجل السلام وأمن الشعوب، وتناهض سياسات الهيمنة والتدخل في شؤون الآخرين والعدوان على الغير، وتعمل من اجل إنهاء عهد السلاح النووي؛ وهكذا، وهكذا. ولنترك الآن هل كانت تلك الحركة أمينة حقا لتلك الأهداف والمبادئ المعلنة أم كانت في الحقيقة منحازة للشرق ضد الغرب. لنترك هذا، ولنر من هذا الذي يقود الحركة اليوم، وما هي ممارساته وسياساته؟
القمة تنعقد في طهران، الذي لا يجهل أحد توجهات وسياسات نظامها. فلنستعرض بعض الأخبار القريبة التي تسبق القمة:
في 26 مايو المنصرم، تعلن وكالة الطاقة الذرية أنها اكتشفت آثار تخصيب لليورانيوم يفوق 20 في المائة في موقع فوردو- مع مواصلة إيران منع فرق التفتيش من تفقد موقع قاعدة بارشين العسكرية؛
في 27 منه، يعلن خبراء أميركيون أن إيران لديها يورانيوم مخصب يكفي لصنع 5 قنابل نووية؛
في 22 من آب ndash; أغسطس- الجاري، أعلنت إيران عن تطوير 6 أسلحة جديدة، تضاف لإعلانات سابقة عن تطوير صواريخ بعيدة المدى. ولن نكرر هنا سلسلة تهديدات إيرانية بغلق مضيق هرمز، ولا زرع خلايا وشبكات الإرهاب في الخليج، وحتى في دول أفريقية سوداء كالسنغال و نيجيريا. أما السيد فياض، فيعلن عن مقاطعة القمة متهما طهران بالعمل لترسيخ الانقسام الفلسطيني، قاصدا دعوة حماس ورئيس وزرائها المقال، الفاقد للشرعية الفلسطينية.
وتنعقد القمة والدم السوري ينهمر مدرارا كل يوم، فيما تقدم إيران مختلف أنواع العون العسكري والسياسي والفني والمخابراتي لنظام الأسد، وها هم قادة حراس الثورة يعلنون أن حراسهم مسؤولون عن حماية الأسد حرصا على quot; الممانعةquot;! ويلوح نظام الفقيه باتفاقية الدفاع المشترك مع النظام السوري لينذر العالم بأنه سوف يمضي في دعم الأسد، ومهما كلف الأمر؛ وهذا دون أن ننسى ما تقدمه حكومة المالكي للأسد من مساعدات مختلفة في مسايرة لإرادة الجنرال سليماني، التي يجعلها أيضا تنتهك القرارات الدولية المتعلقة بإيران نفسها.
هذه هي سياسات ومواقف دولة تستضيف قمة ما يدعى بعدم الانحياز، في وضع شديد الارتباك والتشابك والخطر في المنطقة، وخصوصا بصعود الإخوان وهيمنتهم بمباركة إدارة أوباما، وهم من المعجبين بثورة خميني ومن حلفائها. ومع أن الحكومة المصرية أعلنت أن إعادة العلاقات مع إيران ليست واردة اليوم، فإن الرئيس المصري يذهب مع عدد من الوزراء وبمعية 70 رجل أعمال مصريين. ولا شك عندي في أن هذه الزيارة ستكون لصالح نظام الفقيه والخلافة المصرية القادمة، ولا مصلحة للشعب المصري فيها، بل قد تستخدم القمة لتمتين الروابط بين الأصوليات الإسلامية الحاكمة في المنطقة، ولخلق عراقيل جديدة أمام الحل العادل للازمة السورية.
وهكذا، فإن زعامة حركة لم يعد لها أي مبرر تقوم هي نفسها بسباق التسلح النووي بدلا من العكس، وتقوم هي نفسها بالتدخل في شؤون الآخرين ومساندة قوى القهر والطغيان، ونشر التخريب والعنف.
لقد آن الأوان لإلغاء هذه الحركة التي فقدت تماما مبرر وجودها، وقيام حركة باسم حركة quot;الانحياز لقضايا الشعوبquot;، قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والسلام.
إن قمة تترأسها دولة مسئولة عن المساهمة، مع نظام الأسد، في تدمير العراق ولبنان، وعن مأساة الشعب السوري، وتركض ركضا نحو السلاح النووي لابتزاز دول المنطقة والعالم، لا تستحق أن تتزعم حركة تستخدمها لحساباتها السياسية ولأغراض منافية لاماني الشعوب، بل هي دولة تستحق العزل الدولي التام والردع الصارم، وبلا أية ليونة وتساهل، ولا حتى أي نوع من المجاملات، ولو كانت مظهرية.